الحياة على محمل الشعر
الحياة على محمل الشعر


الحياة على محمل الشعر

أخبار الأدب

الإثنين، 20 مايو 2024 - 04:56 م

مصطفى التركى

فى لحظة إلهام ردد شاعر أبيات تدور فى خاطره لترتسم أمام عينيه دائرة يحفّها اللون الأصفر، وداخلها مزيج بين اللون الأزرق اللامع واللون الأصفر الداكن، اتجه نحوها متأملا شخصًا داخلها يبدو على سمته بأنه شاعر مثله؛ انتظره حتى خرج من الدائرة وأخذ مفكرته الموجودة على المنضدة، وبدأ القراءة:

أمنع الكثير من مسببات الألم أن تخرج من تجويف صدرى، العملية كما يلي: تقفز الفكرة من عقلى إلى بحيرة أضلعى، وقتها لا أعرف هل هذه نبضات القلب أم سمكة تتلوى وتسبح فى حويصلات الرئتين.

تتحرك الفكرة؛ فأضطرب، يتصلب ذراعى الأيسر، ويرتعش جزء من فكى السفلى، وأَهُمُّ بالتلفظ بشيء بذيء، لكننى أتدارك الأمر قبل أن أقول ما لا أنوى قوله وبالتالى يسبب لى ألمًا.
النفس البشرية شديدة التعقيد، فى أجزاء الثانية، حتى أثناء نومك، قادرة على مفاجأتك.

يتردد حُلُم على ساحة وعيى وأنا نائمٌ نومى الذى أُغمضُ جفنيّ فيه، وأسيرُ فى شارعٍ مُظلم، أسألُ امرأةً تحملُ رضيعًا: هل تحتاجين مساعدة؟ وإذ فجأةً أُصْفَعُ من زوجها وأسمعه يصرخ: امض فى سبيلك.

أُفزعُ فى الحلمِ؛ فأستقيظ مُتَفَصِّدًا عَرَقا، هذا الربط العجيب بين اللا وعى وساحة الوعى، بين الحُلم واليقظة واختلاط المشاعر بينهما؛ يجعل الأبدان تقشعرّ.

قد لا أتمكن من تقدير الأمور، خاصة وأنا مُفَكَكٌ هكذا، مثل مقالى هذا يربطه خيط شفاف أثيرى رقيق، لكننى أتكلم عن تجربة، فعندما أبكى لا أجدُ ما أبكيه، وعندما أشكو لا أحد يُقَدّرُ أو يشعر بما مررت به، لكننى أتكلم عن تجربة وصدق لعلّنى أجد ما أبكيه أو يشعر بى أحد.

توقفتُ عن التدخين لمدة أربعين يومًا، ثم عدتُ مُنَكّسَ الرأس مرة أخرى، رغبتُ فقط فى أن أملأ رئتيّ الفارغتين بشيء ما، وتسلية أصابعى ومفاصل يدى، وتحريك عضلات شفتيّ، يمكن أن أصف نفسى بأننى أعيش الأمور على محمل الشعر كثيرًا؛ تارة أكتب منشورًا على الفيس بوك يليه منشور يليه الآخر وتصيبنى حمى المنشورات فأخسر الوجاهة والمظهر الاجتماعى، وتارة أهيمُ فى وديان الكتب فلا يعرف عنى خبرًا أحد، أنا أعيش الأمور على محمل الشعر كثيرًا.

أحس الشاعر الذى جاء من عصرٍ قديم بخطوات تقترب نحوه، ترك المفكرة مكانها بسرعة، وردد الأبيات التى جالت فى خاطره فانفتحت البوابة مرة أخرى، اتجه نحوها، وعاد إلى زمنه.

لم يجد ما يصف به النثر الشعريّ، لا يعرف إلا ما حفظه.

اضطربت أنفاسه:
أنا أريد محبوبتى، أهلها يمنعوننى لأننى أكتب الشعر، لمَ أنا موصومٌ بهذا العار، ولمَ هو عارٌ فى بلادنا وعصرنا، أحبُ الهيام؛ فأنا لا أرى فيه كمن يملك مكان سواد عينيه لونًا أبيض، أحبُ الهيام ولكن، يتركنى كالمجنون وحيدًا، ولا أعرف أننى مجنون إلا عندما يصفنى الآخرون.

النخلة قلمى، والأرض تحتها ورقة، والخضرة حول النخلة ماء المحبرة.

بدأتُ سيرى فى طريقِ الشعر وحدى، بعدما استمعتُ فى السوق إلى شاعرٍ جهور، كانت العطايا تمنح له فى صُرر، لمَ لمْ أسلك طريقه؟ لِمَ؟

قدماى تؤلماننى، وما يؤلم أكثر هذا الفأر بحجم أنملة إصبعى الصغير، يجوب فى جسدى بالكامل ويقرض كل شيء، سأتحوّلُ أولًا إلى كائن رخو لنخرِهِ عظامى، ثم ينقص جسدى عضوًا فآخرَ حتى أختفى، هكذا يفعل بى الزمن فعله.

(تتحرك الفكرة؛ فأضطرب، يتصلب ذراعى الأيسر، ويرتعش جزء من فكى السفلي) ماذا كان يقصد هذا الشاعر المعذَّب؟ ولمَ كلنا مُعَذّبون بطريقة أو بأخرى؟

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة