نابوكوف
نابوكوف


التواريخ الموازية للكاتب.. لوليتا هى نابوكوف

أخبار الأدب

الأحد، 26 مايو 2024 - 01:49 م

عندما كنت أبحث مادة لروايتي «مسدس يُحمل فى الليل»، انغمست فى المراسلات والسير الذاتية وأعمال فيرا وفلاديمير نابوكوف.

وفي مذكرات نابوكوف الشعرية، «تكلمي، أيتها الذاكرة»، اكتشفت القصة التى ألهمته لوليتا وبدأت أفهم علاقة نابوكوف بروايته وموضوعها.

أمضى والدا نابوكوف إجازتهما الصيفية فى فيرا، فى قصر به حديقة كبيرة على مشارف سانت بطرسبرج. بعد إحدى وجبات الغداء المتأخرة والطويلة والشهية، التى كانت من سمات عادات الأثرياء الروس قبل الثورة، خرج المضيفون والضيوف إلى الشرفة لاحتساء القهوة. أما فلاديمير، الذى كان عمره ثمانى سنوات فى ربيع عام 1907، فكان يعتنى به خاله الدبلوماسى فاسيلى روكافيشنيكوف.

كان روكافيشنيكوف معروفًا أيضًا باسم روكا، ما يعنى «اليد» بالروسية. كان الخال روكا رجلاً أنيقًا للغاية، يضع دائمًا زهرة قرنفل أرجوانية على طية صدر السترة من معطفه الرمادى اللؤلؤي، وكان يحب إلقاء القصائد بصوت عالٍ.

عندما خرج الضيوف إلى الشرفة، اقترح الخال على الصبى أن يبقى الاثنان بمفردهما فى غرفة الطعام المضاءة بنور الشمس. أجلس الصبى على حجره وداعبه بلطف، وهمس فى أذنه بكلمات عابثة وبذيئة؛ شعر فلاديمير الصغير بالحرج. لقد شعر بالارتياح عندما دخل والده إلى غرفة الطعام من الشرفة. أدرك فلاديمير أن الأب غاضبٌ من صهره لأنه كان يطلب منه بقسوة الخروج إلى الشرفة مع الآخرين.  وأُرسل الصبى إلى غرفته.

فى المساء نفسه، جاء الخال إلى غرفة فلاديمير الصغير. طلب من الصبى أن يريه مجموعته من الفراشات وبينما كانا ينظران إليها معًا، دغدغ العم وجهه بشاربه الحريرى وواصل مداعباته. كانت هذه اللقاءات ممتعة وغير سارة، ومثيرة للاشمئزاز فى ذات الوقت. ومع ذلك استمرت عدة سنوات.

منذ صدور «رواية  لوليتا»، تساءل القراء حول العالم من هى الفتاة الغامضة، وعلى أى أساس رسم نابوكوف شخصيته، أو ما التجارب التى بنى نابوكوف شخصيته عليها. أثناء البحث عن مادة روايتي، وجدت دليلاً، يبدو أن أحداً لم يلاحظه من قبل، وهو أن نابوكوف وصف فى هذه الرواية الانتهاكات التى كان هو نفسه ضحية لها عندما كان طفلاً. فى الفصل الفرعى الثالث من الفصل الثالث من كتاب «تكلمي، أيتها الذاكرة»، يقول نابوكوف:

بدا لى الخال روكا فى طفولتى وكأنه ينتمى إلى عالم الألعاب، والكتب المصورة المرحة، وأشجار الكرز المحملة بالفواكه السوداء اللامعة عندما كنت فى الثامنة أو التاسعة، كان يأخذنى على ركبتيه دائمًا بعد الغداء. و(بينما كان شابان من الخدم ينظفان الطاولة فى غرفة الطعام الفارغة) كان يداعبنى بأصوات الغناء والمداعبات غير العادية، ولما كان بحضور الخدم كنت أخجل من خالى وتنفست الصعداء عندما ناداه والدى من الشرفة:  باسيلي،  فى انتظارك.

وكما يشير نابوكوف بشكل غير مباشر ولكن بشكل واضح بما فيه الكفاية فى مذكراته، فإن هذه المداعبات المسيئة استمرت ثلاث أو أربع سنوات.
ويعترف فلاديمير بأنه عندما كان فى الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره، قام ذات يوم باصطحاب خاله من محطة القطار. جاء الخال روكا من الخارج لقضاء الصيف فى منزله فى فيرا، الذى كان مجاورًا للمسكن الصيفى لوالدى نابوكوف. عندما رآه روكا، قال للصبي: «كم أصبحت شاحبًا وقبيحا، يا ولدى المسكين.» فى عيد ميلاد فلاديمير الخامس عشر، أعلن له العم روكا الثرى بلغة فرنسية قديمة إلى حد ما أنه جعله وريثًا له. ثم صرفه قائلًا: «والآن يمكنك المغادرة، فقد انتهت جلسة الاستماع. ليس لدىّ ما أقوله لك».  

ويحدث شيء مماثل فى «لوليتا»: فى نهاية الرواية، يجد الخاطف همبرت همبرت، بعد بحث يائس، لوليتا طويلة القامة، فى السابعة عشرة من عمرها، متزوجة وحاملاً. يجدها مغويها شاحبة ومنمشة وهزيلة ويعرض عليها مبلغًا كبيرًا من المال لحفل زفافها. ومع ذلك، لا تستطيع لوليتا الاستمتاع بثروتها المفاجئة لأنها تموت أثناء الولادة.

وبالمثل، لم يتمكن نابوكوف من الاستمتاع بميراثه (الذي، وفقًا له، «سيصل اليوم إلى بضعة ملايين من الدولارات») وكذلك ملكية روزديستفينو، إلى جانب فيرا، من خاله)، لأنه عندما كان فى الثامنة عشرة من عمره فى القرن العشرين، تسببت الثورة الروسية فى انخفاض قيمة الروبل بالكامل، وقبل أن يذهب إلى المنفى، خسر نابوكوف كل شيء. كانت تلك إحدى الأحداث فى حياة نابوكوف التى أثارت اهتمامى لأننى أنا نفسى مهاجرة. ومثلما حدث مع والدى نابوكوف وفلاديمير، الذى سعى فى العشرينيات من عمره إلى المنفى فى أوروبا الغربية بعد ثورة أكتوبر، هرب والداى من الشيوعية إلى الولايات المتحدة عندما كنت فى السادسة عشرة من عمري. ولهذا السبب، أشعر بقرابة قوية مع نابوكوف. 

لقد أوضح لمن يستطيع القراءة أنه رفض إغواء القاصرين غير المقبول وأن لوليتا كانت ضحية، مثل نابوكوف نفسه. 

كان نابوكوف مهووسًا بفكرة إساءة معاملة الأطفال. كتب عنها لأول مرة فى رواية الساحر، وهى رواية أطلق عليها فيما بعد اسم «مسودة لوليتا الأولى»، لكنه لم يكن راضيًا عنها تمامًا. بعد لوليتا، يعود إلى موضوع التحرش والإساءة فى رواية (نار شاحبة). وفى جميع الحالات الثلاث، أعرب نابوكوف عن استيائه واستنكاره إساءة معاملة الأطفال.

ومن المحتمل أن قلة قليلة من الناس، ربما فقط زوجة الكاتب فيرا، عرفت هذا السر لأن نابوكوف كتب عنه فى كتابه «تكلمي، أيتها الذاكرة» بطريقة ملتوية. كانت فيرا تدرك جيدًا أن زوجها يحب النساء بقدر استمتاعه بالفراشات. ولكن وفقاً لكاثرين ريس بيبلز، التى كانت تربط بينها وبين  نابوكوف علاقة حب قصيرة عندما كان أستاذاً فى جامعة كورنيل فى الولايات المتحدة، فإنه كان يحب النساء والشابات، ولكن لم يكن يحب المراهقات أو الفتيات الصغيرات قط مثل بطل رواية لوليتا همبرت همبرت.

استخدم فلاديمير عملية اختطاف الطفلة الصغيرة سالى هورنر، وهى القضية التى هزت المجتمع الأمريكى فى أواخر الأربعينيات. يومًا بعد يوم، بحث نابوكوف فى الصحف الأمريكية عن معلوماتٍ جديدة حول مصير سالى الرهيب على يد خاطفها، لاستخدامها فى روايته. وقد نشرت سارة وينمان مؤخرًا كتاب لوليتا الحقيقية / The Real Lolita حول اختطاف سالى هورنر.

على مدى عقود، سُمعت انتقادات لوليتا من وجهة نظر نسوية. ومع ذلك، يبدو أن بعض هؤلاء الناقدات لا يدركن جميع الفروقات والمعانى الدقيقة فى الرواية. ونظرًا لكونها عملًا فنيًا عظيمًا، فقد تمت كتابة «لوليتا» بحرية مطلقة وتسعى إلى عكس تعقيد نوع معين من السلوك البشري.

وتشير بداية كل فصل - «سيداتى وسادتى هيئة المحلفين» - بوضوح إلى أن قراءها هم قضاة الخاطف الذى يُحاكم. لم يكن نابوكوف ينوى أبدًا كتابة كتيب، على الرغم من أنه أوضح بين السطور لأولئك الذين يستطيعون القراءة، أنه يرفض إغواء القاصرات غير المقبول وأن لوليتا كانت ضحية، مثل نابوكوف نفسه.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة