مسلسل دواعى السفر
مسلسل دواعى السفر


«دواعى السفر».. دراما نفسية تبتعد عن «الفهلوة»

أخبار النجوم

السبت، 15 يونيو 2024 - 12:47 م

ريزان‭ ‬العرباوى

بعيدا عن توليفة الإثارة والأكشن والحارات الشعبية والجرائم والصراعات وغيرها من العناصر التي يظل بعض صناع الدراما متشبثا بها معتقدا أنها تلبي رغبات الجمهور, ظهر مسلسل “دواعي السفر” الذي يقدم معالجة درامية لمشاكل نفسية في قالب من المشاعر الإنسانية, تمكن من استقطاب عدد كبير من المشاهدين مع بداية عرض حلقاته الأولى, تميز بإيقاع هادئ سمح للمشاهد بالتفكير والتأمل في الأحداث والشخصيات بشكل أعمق وسلط الضوء على أمراض نفسية مثل الاكتئاب والوحدة وكيف يمكن للعلاقات الإنسانية الداعمة أن تكون عامل شفاء للأزمات النفسية, المسلسل من بطولة أمير عيد والفلسطيني كامل الباشا ومن تأليف وإخراج محمد ناير.

هذا العمل فتح المجال لمناقشة مدى تأثير الأعمال التى تخاطب المشاعر الإنسانية على المتلقى, ومن خلال هذا التحقيق نستكشف كيف تؤثر تلك الأعمال على فهم المجتمع للصحة النفسية وكيف يمكن أن تكون مصدر إلهام ودعم لمن يعاني من مشاكل نفسية مختلفة, وما العوامل التي تضمن لها النجاح في غياب الإثارة والأكشن؟.

في البداية يقول الناقد رامي عبد الرازق: “جزء أساسي من العملية الفنية وآليات صناعة الفن هو التأثير على المتلقي بطرق مختلفة، سواء كان ذلك عن طريق إثارة مشاعر معينة أو تحفييز الفكر وزيادة والوعي تجاه القضايا المختلفة والارتقاء بالذائقة الفنية ولفت الانتباه لقضايا ومشاكل من الممكن أن تكون مهمشة, فهو جزء من التأثير الطيب لهذا النوع من الدراما، وهي أنماط قد تكون جاذبة للجمهور، وفي نفس الوقت بعيدة عن التوليفة المتعارف عليها، التي تعتمد على الإثارة, بدليل أن مسلسل (دواعي السفر) يخلو تماما من الصراعات والجرائم والعناصر الميلودرامية التي قد يعتقد صناع الفن أنها أكثر جذبا للجمهور، وهو اعتقاد خاطئ، بدليل نجاح العمل وتحقيق نسبة مشاهدة عالية, كما أنه قائم على درجة من درجات التأمل في الموضوع والتأمل في الشخصيات والهدوء النسبي في التلقي بإيقاع هادئ بعيدا عن الإنقلابات الدرامية العنيفة أو المفاجآت الصادمة, كل ذلك يؤثر على ذائقة الجمهور للأفضل ويصنع بداخله قدرة على تقبل أنواع ومستويات مختلفة من الدراما, فعند النظر لتلك الأنماط الدرامية التي تمس المشاعر الإنسانية بعين الاعتبار وإنتاجها بشكل ناضج، ليس فقط لمجرد استغلال الـ(تريند) أو استغلال اسم فنان بعينه, وكان الغرض منها فني في المقام الأول، وليس تجاريا بالتأكيد، وستؤثر بشكل إيجابي على ذوق الجمهور لترتقي قليلا عن الأعمال الميلودرامية التي قد يكون بها درجة من درجات الإبتذال, كما أن طرح قضية اجتماعية أو قضية لها سياق نفسي مثل الاكتئاب والوحدة ومعالجتها دراميا يزيد من فهم الجمهور ويلفت النظر لزوايا مختلفة للمشكلة النفسية”.

ويتابع قائلا: “الذوق الدرامي أو ذوق المتلقي يحتمل أنواع مختلفة من الدراما، وكل نوع له شرائح معينة من الجمهور تفضله وتنجذب إليه, والحقيقة أن جزء من نضج أي صناعة أو قوتها ونفوذها الشعوري أو الإنفعالي تجاه الجمهور, أن تقدم لكل شريحة النوع الدرامي المفضل لديها, وللأسف كان هناك فترة طويلة أهملت فيها شرائح معينة وأنواع درامية عانت أيضا من الإهمال والتهميش بسبب اعتماد بعض الصناع على السوشيال ميديا والـ(تريند) والأنواع الدرامية الرائجة, وبالتالي أثر ذلك على أنواع درامية من ضمنها تلك التي تميل إلى الميلودراما النفسية أو التي بها درجة من درجات الإنسانيات القائمة على التفاعل الهادئ بين الشخصيات من عوالم مختلفة، وصولا إلى اكتشاف كل شخصية لأبعادها النفسية واكتشاف الآخر, وبسبب إهمال هذا النوع من الدراما لفترات طويلة وعند تقديمها من جديد نظر البعض للتجربة الفنية على أنها طفرة, والحقيقة أن فترة السبعينات والثمانينات كانت من أكثر الفترات زخما لهذا السياق الدرامي الذي يخلو من الإثارة والأكشن والجرائم, مجرد عودة هذا النمط الفني ليطرح من جديد على الشاشة، ووجود صناع لديهم الجراءة والمغامرة سواء كانت تجارب ناجحة أو على درجة من التواضع وعدم النضج, لكن على الأقل أعادوا إلى الأذهان أنواع درامية كانت مهملة ومستبعدة ومحكوم عليها بأنها ليست تجارية بالقدر الكافي, وما حدث مع مسلسل (دواعي السفر) وتحقيقه لنسبة مشاهدة عالية من الممكن أن يكون حافزا للصناع لاختراق تلك المنطقة الدرامية وعودتها للمشهد الدرامي من جديد, أعتقد أيضا أن وجود أمير عيد من العوامل التي ساهمت في نجاح العمل وتحقيق الجذب المطلوب، خاصة بعد أن تمكن من تكوين أرضية جيدة مع الجمهور من خلال أعماله الغنائية ومسلسل (ريفو)، وبالرغم من أن إمكانياته الفنية قد تكون متواضعة، إلا أنه يتمتع بكاريزما وقبول لدى فئات عمرية مختلفة من الجمهور، مما ساهم في الترويج للتجربة بشكل جيد، عن طريق اسم له شعبية وجاذبية خاصة، وهو مكسب في حد ذاته, وأرى أن تلك التجربة ستفتح الطريق لعودة هذا النمط من جديد على أجندة القنوات والمنصات”.

“تحديات وتعطش”

ترى الناقدة ناهد صلاح أن الدراما التي تعالج قضايا نفسية في قالب إنساني وبإيقاع هادئ، تمتلك تأثيرا عميقا ومتعدد الأبعاد على المتلقي, وتقول: “يساهم هذا النمط الفني في زيادة الوعي بالقضايا النفسية المختلفة، مثل الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى، وبالتأكيد تقديم الشخصيات التي تعاني من تلك المشاكل بشكل إنساني له مردود إيجابي يساعد على فهم التحديات التي يواجهها هؤلاء الأشخاص بشكل أفضل، وتقديم دعم نفسي غير مباشر للمشاهد, كما أنها قد تساهم في تغيير المفاهيم والمعتقدات السائدة حول الصحة النفسية في المجتمع وتقليل الوصمة المرتبطة بها”.

وتتابع قائلة: “الدراما متنوعة تضم قوالب فنية متعددة والتنوع في التناول ومعالجة القضايا مهم جدا, لكن بسبب التركيز في الفترة الأخيرة على أعمال بعينها تعتمد على التوليفة المتعارف عليها من الإثارة والجرائم والحارات الشعبية إلى آخره, جعل هناك افتقاد لنوعية الدراما ذات الإيقاع الهادئ التي تعالج قضايا نفسية في قالب من المشاعر الإنسانية مثل مسلسل (دواعي السفر), بالطبع المسلسل تم صنعه بشكل جيد من حيث الحبكة الدرامية والأداء التمثيلي والمساحات الإنسانية, ويتميز أن كل مشهد يضم تفصيلة فنية ودرامية وإنسانية, فنحن نفتقد هذا النوع من الدراما والتنوع في حد ذاته، ومما لا شك فيه أن هذا التعطش ساهم في نجاح التجربة”.

وتضيف: “الفن ليس بالضرورة أن يقدم حلول للمشاكل والقضايا أو يغير من سلوكيات وقرارات المتلقي, لكن الفن مؤثر له قدرة كبيرة على التأثير, ومن المهم جدا لنجاح الأنماط الفنية المختلفة، خاصة هذا النوع هو الابتعاد عن الملل والتكرار, ثانيا والأهم عند طرح القضايا والمشاكل النفسية دراميا لابد أن تكون تحت إشراف متخصص نفسي, فتلك القضايا شديدة الحساسية ولا يجب تناول أي مرض أو أزمة نفسية بـ(الفهلوة)، أو من خلال المعلومات العامة فضرورة حضور طبيب أو متخصص في العلاج النفسي مهم حتى يتم بناء العمل وفق أسس علمية.. والفن لابد أن يكون مؤثر، ويصل بالمتلقي لنوع من التطهير من خلال مضامين ورسائل غير مباشرة تمس المشاعر والروح، لتصبح أكثر شفافية، أو حتى يخلق بداخله نزعة تمرد, لكن ليس بالشكل المباشر، حتى يزيد من وعي المتلقي، ويساهم في فهم أعمق لقضايا ومشاكل اجتماعية ونفسية مختلفة”.

“تحصين فكرى”

وعن رأى الطب النفسي فى الأعمال الدرامية التى تعالج مشاكل نفسية ضمن قالب من المشاعر الإنساسية ومدى تأثيرها على المزاج والصحة النفسية, يقول د. وليد هندى استشارى الصحة النفسية: “العلاقة بين الفن والطب النفسي علاقة ممتدة وعميقة ولها جذور تعود لأكثر من 120 سنة, فهي ليست مجرد كتابة سيناريوهات تعبر عن الحالة النفسية وطرحها في صورة أعمال فنية فقط, ومن أشهر المبدعين في هذا المجال فيودور دوستويفسكي، فرواياته تحمل فهما عميقا للنفس البشرية، ومنها رواية (المقامر) و(الجريمة والعقاب), ولم تقتصر العلاقة بينهما على تقديم أعمال فنية وحسب، بل تطورت وأصبح الفن يستخدم في العلاج النفسي, وهناك مدرستين للعلاج النفسي على مستوى العالم, أولا طريقة سيجموند فرويد القائمة على التحليل النفسي من خلال نظريات العقل واللاوعي, لكن لدي تحفظ على تلك المدرسة، وأرى أنها لا تؤتي بثمارها.. أما المدرسة الثانية فهي للمعالج النفسي ليفي مورينو، وهو مؤسس السيكودراما، حيث استخدم الدراما والمسرح في العلاج النفسي, لقياس السلوك البشري ومعالجة المشاكل النفسية من خلال تمثيلها، وهو تنفيس انفعالي، فعندما تكون الدراما معبرة للحالة النفسية للإنسان، فهو يساعد على الشفاء، حيث يقوم المريض النفسي بعمل إسقاط لمشاعره السلبية على المسرح، سواء كان مؤديا للدور، أومشاهدا له, وأرى أنها أنسب مدرسة للتحليل النفسي، فيتم من خلالها تنفيس إنفعالي للمريض من خلال العمل الدرامي للوصول لشكل من أشكال الإزاحة والتنفيس الاجتماعي والنفسي, وانبثق من السيكودراما علم السوسيودراما لمعالجة المشاكل الاجتماعية من الفقر والجوع والاستبداد والظلم، ويوجد أفلام كثيرة ناقشت تلك القضايا من هذا المنظور”.

فالدراما أسلوب حياة تعبر عن المشاكل التي تعترينا ونوازعنا النفسية والضغوط وأزمات مهمة جدا, ودائما  يأتى الفن معبرا عن الحالة النفسية لذلك قد يستخدم كوسيلة للاستشفاء سواء كان عمل درامى او موسيقى او عمل فنى مرسوم.

ويتابع قائلا: “عندما تبنت (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) إنتاج الأعمال الفنية، تم إنتاج أعمال تجاري الأحداث وتتعامل مع المشكلات النفسية المستحدثة والمستجدات المجتمعية، مثل مناقشة التأثير النفسي والمجتمعي للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماع، على سبيل المثال، وأعمال تناولت التوحد وقضايا الرأي العام وغيرها، وأصبح لدينا أعمال فنية أعتبرها تحصين لفكر أولادنا من المخاطر الاجتماعية والصراعات التي قد ينتج عنها أمراض ومشاكل نفسية”.

ويختتم كلامه بالقول: “في النهاية تلك الأنماط الدرامية التي تخاطب المشاعر الإنسانية  تحصين فكري ووجداني للمتلقي في مجابهة المشكلات التي تعتريه، إضافة أنها تعمل على تنشط مجموعة من الملكات العقلية الخاملة مثل التأمل والإبداع والتفكير المنظم، وبالتالي تساعد على تنمية الذكاء وتجعل الإنسان أكثر مرونة من الناحية العقلية، وأكثر صوابا من الناحية الصحية, فالاكتئاب خلال العام الحالي، ووفقا لتقرير وزارة الصحة المصرية، هو المرض النفسي الأول في مصر, وحسب منظمة الصحة العالمية، المرض النفسي الأول عالميا, وبحلول عام 2030 سيصبح المرض النفسي والعضوي الأول عالميا, والخطر أن 20% ممن يعانون من الاكتئاب لديهم ميول انتحارية، وبناءً عليه تلعب الدراما دور مهم للحد من انتشار مرض الاكتئاب، ليس بالنصح والارشاد، لكن من خلال أعمال ترفيهية تحمل رسائل ضمنية تساعد على فهم أعمق لتلك الجوانب النفسية”.

اقرأ أيضا : أمير عيد: استشرت أطباء نفسيين لتقديم شخصية «على»

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 

مشاركة