حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات
حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات


السعودية والحج قصة نجاح استثنائية.. كيف تحقق ذلك عبر الزمان؟| تقرير

هبة عبدالفتاح

الإثنين، 17 يونيو 2024 - 01:08 م

تلعب المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في تنظيم وإدارة الحشود خلال موسم الحج كل عام، وعلى مر التاريخ ومُنذ تأسيس المملكة وتبذل السلطات السعودية جهودًا كبيرة لضمان سلامة وراحة حجاج بيت الله الحرام.

وكثفت السعودية جهودها لاستثمار وتطوير البنية التحتية اللازمة لاستيعاب أكبر قدر ممكن من حجاج بيت الله الحرام، وقامت السعودية خلال السنوات الأخيرة وفقًا لرؤية المملكة 2030، بالعمل على تطوير البنية التحتية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، بما في ذلك توسيع المسجد الحرام، وبناء الجسور والأنفاق لتسهيل حركة الحجاج، كما شُيدت مرافق جديدة في منى وعرفات ومزدلفة، بهدف تحسين تجربة الحجاج.

تستعرض بوابة أخبار اليوم خلال التقرير التالي أبرز جهود المملكة العربية السعودية لنجاح تجربة الحجاج عبر الزمان بكل سهولة ويسر مستخدمة كل وسائل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا للوصل لأفضل النتائج في خدمة حجاج بيت الله الحرام.

وسائل نقل الحجاج بين الماضي والحاضر

يقول مدير عام مركز تاريخ مكة المكرمة سابقًا الدكتور فواز بن علي الدهاس، عن رحلة الحج قديماً:" كانت وسائل المواصلات بدائية وبطيئة، فهم يتكبدون أنواع الصعاب في السفر من أقاصي الدنيا إلى بيت الله الحرام تحت ظلال الشراع البدائي في البحر، أو على ظهور الإبل في البر، والبعض يطلق العنان لقدميه، ولم تكن هذه الرحلة ميسرة، فهي محفوفة بالمخاطر والمغامرات فالطرق المؤدية للحجاز بدائية ووعورتها تنهك وسائلهم البدائية، وعدم توافر محطات للمياه في الطريق ينذر بخطر الموت عطشاً ناهيك عما يتربص بهم من اللصوص في مداخل الأودية والشعاب الذين ينتظرون الفرص للانقضاض على قوافلهم والفوز بما يحملون من متاع وطعام، لذلك كان المثل الشائع في ذلك الزمان والمعروف لديهم أن الذاهب للحج مفقود والعائد منه مولود".

اقرأ أيضًا: حج 2024| درونز لفحص الطرق.. وتوزيع 35 مليون عبوة زمزم على الحجاج

وكانت طرق الحج المختلفة طويلة ومتشعبة وغير آمنة؛ لذلك كانت الرحلة إلى مكة المكرمة مجازفة غير مأمونة العواقب وكانت مشاهد وداع الحجاج لذويهم تحمل في داخلها ملامح فقدان الأمل في نجاح هذه الرحلة، ولاسيما أنها رحلة تمتد لعدة أشهر عبر طرق وعرة المسالك محفوفة بمثل هذه المخاطر.
رحلة الحجاج في العهد الحديث 

وتطوى صفحة الماضي وتشرق شمس الحاضر في عهد الدولة السعودية، حيث تبدل الحال بأحسن حال وأصبحت فكرة الحج إلى بيت الله الحرام أمرًا ميسرًا، وعمّ الأمن والأمان بلاد الحرمين، وتطورت وسائل النقل البدائية عامًا بعد عام وصولاً إلى الوقت الحالي.

فأصبح الطيران الوسيلة الأسرع التي تنقل الحجاج من أقاصي الدنيا إلى مكة المكرمة في غضون سويعات، أما الطريق البحري فأصبحت البواخر المعاصرة المجهزة بأحدث وسائل الراحة تمخر عباب المحيطات والبحار ناقلة حجاجها إلى ميناء جدة الإسلامي بأعداد كبيرة دون عناء أو نصب.

أما الطرق البرية فأصبحت الحافلات المكيفة والمزودة بالخدمات هي الوسيلة الحديثة لنقل الحجاج عبر طرق سريعة مرصوفة ومحطات للاستراحات والتزود بالوقود والمواد الغذائية.

ويتكامل قطار المشاعر المقدسة مع بقية خدمات منظومة النقل والخدمات اللوجستية التي تقدمها المملكة لضيوف البيت الحرام، عبر منظومة خدمية متكاملة تجسّد اهتمام المملكة بتسهيل حركة تدفق الحجاج وتفويجهم بكل يسر وسهولة وفق أعلى معايير الجودة والتنقل الآمن، ويهدف إلى التخفيف من الازدحام المروري، وسهولة التنقل بطريقة آمنة وسريعة.

وجاء قطار الحرمين السريع الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، استكمالاً لهذه الجهود في خدمة ضيوف الرحمن والتيسير عليهم، وترجمة لما قاله الملك: "وإنّنـــا فـــي المملكـــة العربيـــة الســـعودية وقـــد شـــرفنا الله بخدمـــة الحرمين الشـــريفين وقاصديهمـــا نذرنا أنفسنا وإمكاناتنا، وما أوتينا مـن جهـد قيادة وحكومة وشعبًا لراحة ضيوف الرحمن، والسهر عل أمنهم وسلامتهم".

توسعات المسجد الحرام

كانت المساحة الإجمالية للمسجد الحرام في عصر ما قبل الإسلام والعصر النبوي وصولاً لعصر الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بحسب ما أورده الدكتور الدهاس في كتابه الحج عبر العصور- تقدر بـ 1490م2.

وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عن,وتحديداً في العام (17هـ) ضرب سيل جارف عُرف بسيل "أم نهشل"؛ وقد اقتلع السيل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام من موضعه الحالي، فقام عمر بن الخطاب بردّ الحجر إلى مكانه، ولم يكن بالمسجد جدران تحيطه، إنما كانت الدور تطل عليه من كل مكان، فضاق على الناس المكان.

فقرر أمير المؤمنين عمر الخطاب رضي الله عنه، شراء البيوت القريبة من الحرم وهدمها، وقد رفض البعض أن يأخذ ثمن البيت، وامتنع آخرون من البيع، فوضعت أثمان بيوتهم في خزانة الكعبة حتى أخذوها فيما بعد، وأحاط الخليفة عمر بن الخطاب المسجد بجدار قصير وقال مقولته الشهيرة: "إنما نزلتم على الكعبة فهَو فناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم"، وكانت تلك أول توسعة للحرم المكي، حيث تمت زيادة مساحته بـ 860م2؛ لتصبح المساحة الإجمالية 2350م2، وفي عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- زيدت المساحة 2040م2؛ ليكون الإجمالي 4390م2.

وشهدت مساحة المسجد الحرام في عهد عبدالله بن الزبير رضي الله عنه توسعة بـ 4050م2، ليكون الإجمالي 8440م2، وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك زيدت المساحة 2300م2، لتكون مساحة المسجد الحرام الإجمالي 10740م2.

وفي عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور زيت المساحة بـ 4700م2، ليبلغ إجمالي مساحة المسجد الحرام 15440م2، وتمت في عصر الخليفة العباسي المهدي زيادتان؛ الأولى بـ7950م2، والأخرى بـ2360م2، لتصل المساحة إلى 25750م2.

كما تمت توسعة المسجد الحرام في عهد الخليفة العباسي المعتضد بـ 1250م2، وتوسعة أخرى في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله بـ 850م2، ليكون إجمالي مساحة المسجد الحرام 27850م2.
وكان للعهد السعودي القِدح المعلّى من التطوير والاهتمام والعناية بالمسجد الحرام، إذ أمر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - سنة 1344هـ بترميم المسجد الحرام ترميمًا كاملًا وإصلاح كل ما يقتضي إصلاحه، وكذلك ترخيم عموم المسجد، وفي سنة 1345هـ أمر بوضع السرادقات في صحن المسجد لتقي المصلين حر الشمس.

ويروي الدكتور الدهاس أن الملك عبد العزيز أمر في العام نفسه بفرش أرضية المسعى الممتدة بطول 395.35 وبعرض 20.5م بحجر الصوان المربعة، وثبت بالحصى والنورة.

كما أنه أمر في سنة 1346هـ بإصلاح آخر للمسجد الحرام، شمل الترميم والطلاء، كما أصلح مظلة إبراهيم، وقبة زمزم وشاذروان الكعبة المشرفة.

وفي مستهل العام 1373هـ أمر الملك سعود – رحمه الله - بتركيب مضخة لرفع مياه زمزم وبعدها بعام في 1374هـ أمر بإنشاء بناية لسقيا زمزم أمام بئر زمزم، وفي سنة 1375هـ أمر باستبدال الشمعدانات الستة بحجر إسماعيل عليه السلام بأضواء الكهرباء، كما أمر بتبليط أرض المسعى.
وألقى الملك سعود في العام 1375هـ خطابه التاريخي بالشروع في توسعة المسجد الحرام التي أمر بها المؤسس - رحمه الله - وبدأ العمل في 4 ربيع الآخر عام 1375هـ، وتضمنت هذه التوسعة ثلاثة طوابق، وهي الأقبية، والطابق الأرضي، والطابق الأول، مع بناء المسعى بطابقيه وتوسعة المطاف، وأصبح بئر زمزم في القبو.

وفي عهد الملك فيصل – رحمه الله - عام 1387هـ تمت إزالة البناء القائم على مقام إبراهيم توسعة للطائفين، ووضع المقام في غطاء بلوري، وفي عام 1391هـ أمر ببناء مبنى لمكتبة الحرم المكي الشريف، وفي عام 1392هـ أمر ببناء مصنع كسوة الكعبة المشرفة في موقعه الجديد في أم الجود، وتوسيع أعماله.

وفي العام 1396هـ أتم الملك خالد - رحمه الله - ما تبقى من عمارة وتوسعة المسجد الحرام الأولى، كما تم في عهده افتتاح مصنع الكسوة بعد تمام البناء والتأثيث، عام 1397هـ، وفي عام 1398هـ تم توسيع المطاف في شكله الحالي، كما فُرشت أرضيته برخام مقاوم للحرارة جُلب من اليونان مما زاد من راحة المصلين والطائفين، وشملت توسعة المطاف نقل المنبر والمكبرية وتوسيع قبو زمزم، وجعل مدخله قريبًا من حافة المسجد القديم في جهة المسعى، وركبت صنابير لشرب الماء وجُعل للبئر حاجز زجاجي.

وفي مستهل العام 1406هـ أمر الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بتبليط سطح التوسعة السعودية الأولى بالرخام البارد المقاوم للحرارة، كما أنه في العام 1409هـ وضع حجر الأساس للبدء في التوسعة السعودية الثانية، وفي عام 1411هـ أُحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام، وهُيئت للصلاة، ولا سيما في أوقات الزحام، حيث بُلطت برخام بارد ومقاوم للحرارة وأُنيرت وفُرشت، وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات (88,000م2).

وفي عام 1415هـ وُسعت منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلًا للساعين وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا، وفي عام 1418هـ أُنشئ جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام.

وفي مطلع العام 1432هـ دشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام، حيث رُفعت الطاقة الاستيعابية للحرم إلى مليون و850 ألف مصل. 

وبدأت مراحل العمل على مضاعفة الطاقة الاستيعابية بصحن الطواف إلى 3 أضعاف طاقته السابقة ليتمكن 150 ألف شخص من الطواف كل ساعة، بالإضافة إلى أنظمة الصوت والإضاءة والتكييف ومنظومة طواف المشاة.

واستكمالًا لنهج ملوك هذه البلاد المباركة؛ دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعودي، عام2015 / 1436هـ خمسة مشاريع رئيسة ضمن المشروع الشامل للتوسعة السعودية الثالثة، وهي مشروع مبنى التوسعة الرئيس، ومشروع الساحات ومشروع أنفاق المشاة ومشروع محطة الخدمات المركزية للمسجد الحرام، وتشمل التوسعة السعودية الثالثة (4) منارات بارتفاع (135م)، ويبلغ عدد القباب السماوية بمبنى التوسعة (12) قبة سماوية متحركة و(6) قباب سماوية ثابتة، ويبلغ عدد السلالم الكهربائية بكامل المشروع (680) سلمًا لتسهيل عملية تنقل الزوار، كما تقدر مساحة مسطحات كامل المشروع بـ (1371000م2).

اقرأ أيضًا: حج 2024| خيام الحجاج المطورة في المشاعر المقدسة تتحدى التغيرات المناخية 

أعداد مليونيه وخدمات لا محدودة

شهدت منظومة الحج والعمرة نجاحات كبرى عامًا تلو آخر، ضمن تشاركية فاعلة بين جميع الجهات الأمنية والصحية واللوجستية، كأحد أهم الإنجازات التي تفخر الدولة بتحقيقها، بفضل من الله عز وجل، ثم بما سخرته حكومة خادم الحرمين الشريفين ، وولي عهده، إمكانيات مادية وبشرية لخدمة ضيوف الرحمن وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين للقدوم لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة والزيارة، ولهذا الهدف دشّن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- برنامج خدمة ضيوف الرحمن كأحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030، بهدف رفع مستوى الخدمات المقدمة لهم، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية.

وتطورت منظومة الحج والعمرة خلال الأعوام القليلة الماضية تطورات عدة ومهمة نظرًا لما يُمثله قطاع الحج والعمرة من أولوية قصوى، مما ساعد في إطلاق العديد من المبادرات لتنظيم القطاع والارتقاء بجودة الخدمات فيه، مثل إتاحة التأشيرات الإلكترونية للحجاج والمعتمرين من جميع الدول، وتمديد فترة موسم العمرة، وإطلاق مشروع حافلات مكة وتطوير المواقع التاريخية الإسلامية، وتسهيل قدوم المعتمرين من خارج المملكة عبر عدد من التأشيرات، مثل: التأشيرة السياحية عند القدوم إلى منافذ المملكة، والتأشيرة السياحية الإلكترونية، وتأشيرات الزيارة، وغيرها من الأنواع.

هذا بخلاف عشرات المبادرات الالكترونية التي تقدمها وزارة الحج والعمرة السعودية مثل: تطبيق "اعتمرنا"، و"بطاقة نسك الذكية"، ومبادرة "طريق مكة" بالشراكة مع عدة جهات لتسهيل إجراءات دخول ضيوف الرحمن عبر المنافذ دون انتظار، وغيرها من المبادرات والخدمات الهادفة إلى خدمة الحجاج، وتأديتهم الفريضة بكل يسر واطمئنان في أجواء إيمانية.

اقرأ أيضًا: حج 2024 | مبادرة طريق مكة تنهي إجراءات 322,901 حاجًا في 7 دول 

وخلال موسم حج هذا العام حج 2024، أعلنت الهيئة العامة للإحصاء السعودية السبت ١٥ يونيو، أن إجمالي أعداد الحجاج لموسم حج هذا العام ٢٠٢٤/  1445هـ .

واعتمدت الهيئة العامة للإحصاء السعودية، في إصدار البيانات والمؤشرات الإحصائية لموسم حج عام 1445هـ / 2024م على بيانات السجلات الإدارية واعتبارها المصدر الرئيس للبيانات، وتتمثل في جميع البيانات السجليَّة للجهات الحكومية والخاصة المعنيَّة بخدمة ضيوف الرحمن.


 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 

مشاركة