زكاة رمضان وكثرة السؤال

د.عبدالمنعم فؤاد

السبت، 02 يوليه 2016 - 03:00 م

ساعات معدودات، ويغادر من بيننا الضيف الكريم رمضان الذي أحبنا، وأحببناه، وعايشنا، وعايشناه، وكان فيه الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن،. هذا الشهر الذي أهداه الكريم المنان لأمة الإسلام فيه من الخيرات، والبركات ما يشعر به محبوه، ويحزن لفراقه عاشقوه، بل اسم رمضان يُشعر بمعان سامية : تسر النفوس، وتثلج الصدور، وتطمئن الأفئدة. فحروفه كلها خير، وبركة..
فالراء من رمضان تشير إلي الرحمة: (أوله رحمة)، والميم تُشعر بالمغفرة: (وسطه مغفرة)،والضاد من رمضان تُشعر بضمان الدخول للجنة -بفضل رب العالمين- ومن باب خاص يسمي الريان:( لا يدخله إلا الصائمون)، والألف: (أمان من النار) إذ تُعتق فيه رقاب الصائمين، ويشفع لهم فيه : (الصيام، والقرآن)، أما النون من رمضان فهي نور من الله الواحد القهار،، ففيه نزل، القرآن الذي نوَّر الله به العقول، والنفوس، والصدور ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ) التغابن / 8-. وهذا النور نزل علي النور. ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) المائدة / 15- فالنور هنا هو: الرسول الكريم، أما الذي أنزل النور علي النور فهو: النور وهو: الله رب العالمين: ( الله نور السموات والأرض ) النور / 19-. فالله النور: نزّل النور علي قلب النور ليخرج الناس (من الظلمات إلي النور) إبراهيم / 1-. بل يوم القيامة نري الذين آمنوا بهذا النور يتحركون وسط الخلائق بهالات من نور كأوسمة لهم تميزهم عن الآخرين: ( يوم تري المؤمنين والمؤمنات يسعي نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات ) الحديد / 13- فهل شهر مثل هذا يودعنا، ولا تذرف علي فراقه دموع الصائمين ؟ولا تحزن علي رحيله قلوب المؤمنين ؟ هل شهر علمنا الأخلاق والقيم، وعدم الرفث، والفسوق، واستنشق المؤمنون فيه عبير الإيمان من السهل فراقه لنا، وفراقنا له ؟
إن الفم الذي ذاق حلاة التلاوة لا يصيبه المرض أبدا بإذن الله،والجسد الذي أنشطه الركوع، والسجود: لا يقترب منه الكسل، والخمول بفضل الله، والمؤمنون الذين خشعت قلوبهم لذكر الله، وما نزل من الحق لا يستطيع شيطان رجيم، ولا إنسان لئيم أن يقترب منها أو يستبدل الخشوع للخالق بالخنوع للمخلوق.
نعم في هذا الشهر الكريم : (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون،والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون) المؤمنون / 1-4-. أفلحوا كل الفلاح، ولو داوموا علي ذلك لصاحبهم الفلاح في حياتهم، وبعد مماتهم. لأنهم استجابوا لربهم وآمنوا بما كلفهم به وصدقوا.
(فالفلاح) حينما يضع الحبة في الأرض تُخرج له سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والذي يعطيه ذلك هو الأرض المخلوقة.
فما بالنا إن وضعنا الحبة في يد من خلق الأرض، وهو الله القائل عن المؤمنين به: (أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون ) البقرة /5- . لذا ارتبط وداع هذا الشهر الكريم بكثرة الصلاة والقيام والزكاة.
تلك الزكاة التي تكون بمثابة شهادة تزكية تشهد لصاحبها بأنه من المفلحين الفائزين.. قال سبحانه : ( قد أفلح من تزكي وذكر اسم ربه فصلي ) الأعلي / 14-15- وقال سبحانه: ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) الشمس /9-10- وتوعد سبحانه من لا يؤمن بالزكاة بالويل وهو واد في جهنم عميق -أعاذنا الله تعالي منه- قال جل وعلا : (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) فصلت /7-، لذا وجب علي الصائم أن يودع هذا الشهر بأحب ما يملك وهو بذل المال،، وإدخال الفرحة علي المهموم، وغير لائق أن نري من يكثر من السؤال حول مقدار زكاة رمضان ، فإذا قيل له عشرة جنيهات مثلا يقول: علي أي مذهب؟ فإن قلت علي مذهب أبي حنيفة مثلا. لقال: وماذا يقول مالك؟ فلوقلت :ثمانية جنيهات : لقال وابن حنبل؟ فلو قلت ستة من الجنيهات لقال: وماذا قال الشافعي؟ فلو أجبته بأنه قال خمسة جنيهات.. لقال لك : ألا يوجد إمام آخر يخفف عنا شوية ؟!! وهكذا يصير السائل مُنقٍّبا، وباحثا في كل المذاهب الفقهية لكي يجد ما يخفض له قيمة هذه الزكاة ( للأسف )!. وربما لم يعرف من قبل أسماء هؤلاء الأئمة الكرام، لكن حُب المال، ووسوسة الشيطان جعلته باحثًا قويًا وبقوة في الشؤون الفقهية الآن، وفي آخر شهر رمضان بالذات!.، ولو علم هذا السائل مكانة الزكاة والإنفاق ما فعل ذلك،.. فالزكاة أوالصدقة : برهان علي صحة الإيمان.. قال عليه الصلاة والسلام (الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك)، لذا كان النبي الكريم يجود في كل الأيام، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- حينما تتصدق بدرهم تضعه في المسك أولا. فقيل لها: لماذا يا أمنا تمسِّكين الدرهم؟ فقالت : أُمسّكهُ لأنني أعلم أنه سيقع في يد الله قبل أن يقع في يد المسكين.. يا ألله.. فما بال أمنا عائشة لو رأت البعض منا الآن، وهو يبحث عن (أُوكازيون تخفيضات) لمقدار الزكاة، وإذا قرر الصرف للفقير أخرج الجنيهات الممزقة ليضعها في يد المسكين، ونسي أن ما أنفقه من أوراق ممزقة عفا عليها الدهر سيجدها يوم القيامة عند ربه كما هي: ممزقة، لأنه لم يتنبه لقوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون..)- البقرة / 267- وقوله (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات)- التوبة / 104-. وما يأخذها سبحانه إلا ليُربيها لك، وتنتفع بها.. قال عليه الصلاة والسلام : (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمنه فيربيها لأحدكم كما يُربي أحدكم مُهره حتي إن اللقمة لتصير مثل أحد).


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة