زمــن محمــد خـــان

صباح الفن

إنتصار دردير

الجمعة، 29 يوليه 2016 - 01:28 م

تشكل أفلام المخرج الكبير محمد خان الذي غيبه الموت قبل أيام تجربة سينمائية شديدة الخصوصية، تجسد ملامح زمن بكل تداعياته وشخوصه وأحداثه، بكل هزائمه واحباطاته، فقد تمرد علي الاتجاهات السينمائية التي سيطرت علي السينما التجارية واستطاع ومخرجو جيله: عاطف الطيب وداوود عبد السيد وخيري بشارة والمونتيرة نادية شكري تكوين «جماعة أفلام الصحبة» التي أرادت أن تقدم سينما مغايرة لاتخضع لشروط المنتجين التجارية وأنتجوا من خلالها فيلما واحدا فقط هو«الحريف» الذي لعب بطولته النجم عادل امام وأخرجه محمد خان.
 ومن اللحظة الأولي التي قدم فيها خان نفسه مخرجا بفيلمه «ضربة شمس» انحازت أفلامه للانسان، وخرج بكاميراته الي الشوارع يرصد التفاصيل العابرة التي لاتلتقطها الا عيون محبة، متعاطفة، تريد أن تصل بأبطالها الي ذروة الحل الذي يبدد أزماتهم وينهي معاناتهم، عله يلمح نظرة رضا في عيونهم، أويدافع عن وجهة نظرهم في مواجهة مجتمع اعتاد أن يقسوعليهم.
 محمد خان ابن حي السكاكيني القاهري الذي شهد طفولته وصباه وشبابه، حفظ شوارع وأزقة القاهرة ولمس عن قرب معاناة المهمشين الذين شكلوا جانبا مهما من أبطال أفلامه، صار مهموما بمجتمعه، مؤمنا أشد الايمان بقدرة فن السينما علي احداث التغيير المنشود، لذلك جاءت أفلامه – باستثناءات محدودة - من تأليفه، يضع بذرتها الأولي ويختار قضاياها ثم يسندها لكاتب سيناريوأويشارك في الكتابة معه، ثم يحيلها بعبقريته الي حكايات وصور تنبض بالحياة، والصورة تحتل عنده الصدارة وتغنيه في كثير من المشاهد عن السردالحواري، لذلك جاءت أفلامه معبرة تعبيرا صادقا عن روحه المتمردة وعن زمنها وشخوصها، فاذا أردت أن تفهم ما جري في احداث 18 و19 يناير1977 فسوف تعثر عليه في «زوجة رجل مهم» هذا الفيلم العبقري الذي جمعه بالناقد الكبير رؤوف توفيق، وفي «أحلام هند وكاميليا» يخترق حياة المهمشين من خلال خادمتين تحلمان بأبسط حقوق الحياة التي تخذلهما ومع ذلك لاتفقدان روحهما المرحة وتفهمهما المثيرلها، ويغوص في هموم الطبقة المتوسطة في «سوبر ماركت» راصدا تحولات المجتمع الذي يطيح بأحلامهم وتعجز مقاومتهم في مواجهة تيار ساحق يدفعهم الي غير مايطمحون، وفي «عودة مواطن» يكشف لنا عبر بطله الذي عاد بعد سنوات الغربة في الخليج، يحاول جمع شمل أخوته، فيشعر بغربة أكبر حين يكتشف حجم التغيير الذي طرأ علي كل منهم وعلي المجتمع، وفي «خرج ولم يعد» يهرب خان عاشق القاهرة ببطله الي الريف بعد أن ضاقت عليه المدينة وخنقت أحلامه، وحتي أفلامه الاخيرة مع زوجته السينارست وسام سليمان في «بنات وسط البلد» و«شقة مصر الجديدة» و«فتاة المصنع» يتواصل اهتمامه بالطبقة المتوسطة ويؤكد وجودها ويتعاطف مع أحلامها.
اعتاد محمد خان أن يهدي أفلامه الي نجوم الزمن الجميل فأهدي «فارس المدينة» الي كوكب الشرق أم كلثوم، و«زوجة رجل مهم» الي زمن وصوت عبد الحليم، و«شقة مصر الجديدة» الي صوت ليلي مراد، و«فتاة المصنع» الي روح سعاد حسني، وهاهويلحق بهم فنشعر أن زمنا آخر ينسحب في هدوء، ودون مقدمات، زمن محمد خان.

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة