د. محمد السعدنى يكتب:

فى انتظار عودة الابن الضال

محمد السعدني

الثلاثاء، 30 أغسطس 2016 - 01:38 م

كثيراً

ما أتابعه، لا بشغف المعجب أو من يحاول إرضاء نهمه للمعرفة والبحث عن الحقيقة، لكن بحذر من يمشى على الجمر بحثاً عن هدف أبعد مما يفكر فيه سيادته. ذلك أنك من خلال برنامجه تستطيع أن تحدد بوصلة محركى الدمى الكبار ممن يتخندقون فى بعض مراكز صنع القرار فى بلادنا، وكذا تستطيع من خلاله تتبع مؤشرات الريح عن توجهات تايكونات البيزنس وأصحاب المصالح. على المستوى الشخصى ليس بينى وبينه أية مشكلة اللهم إلا مصالح الوطن الحقيقية بطريقة هى على القطع على خلاف مايراها سيادته. هو رجل بسيط طيب لاشك، لكن تختلف بيننا الأساليب والمعالجات، إن كان يمكن أن تقوم مقارنة من الأساس، وكثيراً ما أراه حسن النية وإلا ماكان يؤدى دوره بهذه الكيفية التى تضر بأكثر مما يتوهم سيادته أنها تنفع. ولا أعرف على وجه التحديد، لماذا؟ كلما رأيته طفرت إلى ذهنى كلمات الشاعر فنجرى التايه:
رامحه بحصانك فى الغلط
راسمه ف خيالك شئ غلط
ياهل ترى راح ترجعى؟
ولا الزمام منك فلت؟
فنجرى التايه ومجايلوه من شعراء خارج القاهرة حجاج الباي، وسمير الفيل، ومحمد العتر أبناء «صالون الفجر» الذى أسسه فى الثمانينيات الأساتذة أحمد سويلم، ومحمد السيد عيد، وعبد العال الحمامصى، ومحمد أبو دومة،ومحمد مستجاب، وإدريس علي، والدكاترة مرعى مدكور، مدحت الجيار، شاكر عبد الحميد، وشمس الدين الحجاجي، الذين مثلوا ضميرنا الجمعى الذى أرقته ممارسات النظام ماقبل 25 يناير، وقد رأى فنجرى فيها مصر ترمح نحو التبعية تحت تأثير أفكار شكلت للسلطة خيالات مضللة. ولعلها نفس خيالات صاحبنا الإعلامى الكبير الذى لا أشكك فى منحاه الوطنى وقناعاته بحب السيسى ورغبته فى مساعدة الرجل فى حمله الثقيل ومشكلاتنا المتراكمة، لكنه أيضاً لايستطيع فكاكاً من قيوده فى معاداة وتخوين كل من يرى فى مستقبل مصر رؤية تخالف ماتراه الأجهزة الأمنية، وهو فى سبيل ذلك يطعن فى 25 يناير وشبابها ويتلفع بـ 30 يونيو وكلاهما ثورة، وهو بذلك ساهم فى دق أسافين مبرحة مابين الثورتين وساهم ربما دون عمد فى شق الصف الوطنى ودفع الناس من حول النظام حين أراد أن يجمعهم حوله، فكان صاحبنا كما الدبة التى قتلت صاحبها من فرط خوفها عليه. وإلا بماذا تفسر هذا الإصرار على استفتاء الناس: هل تؤيد ترشح السيسى لفترة ثانية؟ ورغم ماكتبه صحافيون كبار من داعمى الرئيس قبل معارضيه ينكرون على صاحبنا تعريض الرئيس لمثل هذا الحرج وطرحه كما لو كان طالباً للسلطة وهو يكاد ينهى نصف فترته الرئاسية الأولى، إلا أن صاحبنا فى عناد غير مبرر راح يعيد الكرة ثانية ويصر على هذا الاستفتاء رغم ماساقه فى مواجهته كتاب كبار عن مضار مايفعله وبتجربتنا الوطنية التى لاتحتمل أخطاء أكبر وأفدح مما نعالجه، وتفتح علينا فى الداخل والخارج أبواباً كنا فى غنى عنها، خصوصاً أن جميعنا يعرف أن دغل الإنترنت تسكنه الأفاعى وأن الثعالب الصغيرة لاتزل تتلمظ لنهش سيرة الرئيس الذى يقف دونها ومصر كما الشوكة فى الحلق.
ياسادة ليس هكذا تساعدون الرئيس. فلا تستسهلوا الأمور أو تعالجوها بالحمق والغفلة. ولاينبغى للإعلام أن يترك هكذا نهباً للهواة واللاهين وبعضهم ممن يفتقدون الفكر والخبرة والمعرفة، ولعل صاحبنا الذى جاء من ملاعب الكرة يتحدث بانفلات ويتطاول على الشعب ويسبه بحجة دعمه للرئيس، هل مثل هذه التصرفات تساعد الرئيس أم تسىء إليه؟. لقد ضل إعلامنا الطريق والغاية والدليل، وفى انتظارنا لعودة الابن الضال، إذا بالبعض من إعلاميينا يمارس دوره كما لعبة يلهو بها والبعض يعرف جيداً أين يضرب فيصيب ويوجع حتى لو كانت منطلقاته الخوف على التجربة.
الإعلام فى بلادنا أضحى كما مريض فى حالة حرجة يتركه الأساتذة الكبار تحت رحمة الصغار يجربون فيه كل وصفاتهم، كل حسب علامه وقدراته، ويتركه بعض الجهابذة فى الدولة دونما تقنين وتنظيم لأوضاعه كما نص الدستور، فيعطلون التشريعات المطلوبة متصورين أنه يكفى للسيطرة عليه أن يمهد المجال لرجل أعمال للاستحواذ على الجرائد والفضائيات ليتم تدجين الإعلام وإدخاله بيت الطاعة الحكومى، متناسين أنها وصفة قديمة إن صلحت فى عصور سابقة ماعادت تنفع بعد ثورتين، ولا مع شعب شب عن الطوق وحناجر عرفت كيف تقول وتنادى وتهتف وترفع أصواتاً يصعب إخراسها. وعلى مؤسساتنا الوطنية أن تعرف أنه يصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. إلتزموا بالدستور واستقيموا يرحمنا ويرحمكم الله وترحمون وطناً يتطلع للحرية والتقدم. لاتحبطوا الناس أكثر من ذلك، ولا تعرضوا الرئيس لما لايحب ومالايجب.
ولقد سبق لى فى هذه المساحة أن عالجت قضايا الإعلام فى مقالات: الوعى الزائف والعقل البديل، إنها ساعة الفرز.. فلا تثاءبوا، أصابع تخزق عين الوطن، من دفع للزمار، إعلام دون كيشوت، وقلت: يمكن للوطن، أى وطن أن يعيش بلا أحزاب أو سياسة، لكنه أبداً لايستطيع أن يعيش بلاضمير، وأحسب أن ضميرنا الجمعى لايزال معذباً ممزقاً بفضل إعلامنا ونجومه المغيبة. وقلت:ياسادة نحن أمام حرب إعلامية معلنة، ومهزلة آن لها أن تتوقف من فضائيات تدعى دعمها للدولة بينما تمد أصابعها تلعب فى عقول الناس وتشتت بصرهم وبصيرتهم وتخزق عين الوطن. وقلت أيضاً:نحن أمام تحديات ثلاثة مصاحبة لأفكار ثلاث روج لها العقل الاستراتيجى المراوغ للمحافظين الجدد فى الولايات المتحدة، وهى أفكار ونظريات صدام الحضارات عند صامويل هنتنجتون، ونهاية التاريخ عند فرانسيس فوكوياما، ثم الفوضى الخلاقة التى ترتكز أطروحتها الأساسية كما أطلقتها كونداليزا رايس أول مرة فى حوارها مع الواشنطن بوست فى 9 أبريل 2005 على زعزعة الاستقرار وتغيير نمط علاقات القوى السائدة فى المجتمع بتأليب فئاته وعناصره وإحداث الفتنة بينها وتأجيج النعرات الانفصالية الطائفية والطبقية والسياسية وتوظيف ذلك كله فى خلق حالة من الفوضى يصعب معها رؤية الأمور فى الدولة على حقيقتها ووضع الفئات كلٌ أمام الأخرى فى تعارض مصالح وتداخل اهتمامات تغيب معه الرؤية وتضيع أولويات الوطن.أليس هذا بعينه مايفعله إعلامنا الضال بأغلب وسائطه وشخوصه وأمواله ومكوناته؟.هكذا كتبت، وكتب غيرى أيضاً ولا حياة لمن تنادى.
ياسادة من فضلكم راجعوا عباراتى الأخيرة وتمعنوها لتجدوا أننا أمام كارثة ينبغى التحسب فوراً لتداعياتها،فالإعلام أحدث وأمضى أسلحة ذلك العصر، ولايمكننا أن نكسب معركة الاستقلال والتنمية والبناء دون إعلام واع مثقف كفء، فليس بالارتجال والعشوائية والخفة والبراءة والوصاية على الشعب و»الزن» على «ودانه» يمكن أن تساعدوا الرئيس، إنكم تخصمون من رصيد الرجل وتشوهون تجربة وطنية يمكن أن تمضى فى مسارات أفضل مما تتخيرون. هذا أو إقرءوا معى كلمات الشاعر الأندلسى أبوالبقاء الرندى إذ يقول:لكل شـئٍ إذا مـا تـم نقصانُ..فـلا يُـغرُّ بـطيب العيش إنسانُ.. أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ؟.. فـقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ..لـمثل هـذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ.. إن كان فى القلب إحسان وإيمانُ.

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة