سمير الجمل
سمير الجمل


يوميات الأخبار

يا صاحب «الطوق».. كلمنى عن «الشوق»!

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 05 ديسمبر 2019 - 07:05 م

ابن حزم: لكن الواجب ان احيطك علماً.. بالفارق الواسع.. بين الحب الحقيقى وبين الوهم الذى يخلقه المحب ويعيش فيه ويستعذبه.

إلى غرفة من غرف الشات التى تطل على بحر الفضاء الواسع وجدت نفسها.. أخذت تتفحص الاسماء الموجودة «لايف».. لعلها تجد من بينهم هذا الذى يستحق ان ينال معها شرف الدردشة استعرضت القائمة الموجودة ومرت عليها مرورالكرام فكلها اسماء عادية أو مستعارة بشكل ثقيل الظل فكيف تتحاور مثلاً مع من اطلق على نفسه «ابو رجل مسلوخة» أو «الفقرى» واستوقفها فقط اسم «ابن حزم».. ولم تكن قد سمعت عنه من قبل ولأول وهلة ظنت أنه قريب «ابن الإيه» الذى لا تعرف أن كنت معه أو عليه لهذا اثار «ابن حزم» فضولها.. ودخلت على بيت «اونكل جوجل»  وسألته وهو الذى يجيب عن كل شىء فى لمح البصر.. وبدأت تلاغى الباشمهندس «ابن حزم» خبير ميكانيكا الحب والعواطف والذى عاش فى الاندلس والمولود عام ٩٩٤ ميلادية أى أنه اسبانى لكنها للأمانة لم تعرف إن كان يشجع برشلونة أو ريال مدريد!.. ربما لانه كان مشغولاً بالتأليف والفلسفة.. ولأنه تربى بين حريم قصر ابيه.. عرف الكثير عن خبايا النساء واحوالهن.. ومع ذلك كانت له مؤلفاته فى الفقه والتاريخ والفلسفة والاخلاق - لكن أشهر كتبه كلها: «طوق الحمامة فى الألفة والألاف» الذى صدر عام ١٠٢٦ ميلادية.. وفيه يتكلم عن الحب ياى ياى.. يجنن.
كانت فرصة نادرة لكى تسأل هذا الرجل (الأولد فاشون) عن الحب بتاع زمان قبل أن يصاب بخشونة فى الركبة.. وانزلاق فى العمود الفقرى.. وبدأت تسأل وابن حزم يجيب.
هى: عجيبة أيها الفقيه ان تكتب عن  الحب فى زمانك ألم تخجل أن يقال عنك.. بأنك تجاوزت الحد؟!
إبن حزم: جاء فى الاثر.. اريحوا النفوس فأنها تصدأ كما يصدأ الحديد وإذا كان أول الحب هزلاً فإن آخره جد.. إن القلوب بيد الله عز وجل.. ثم أنها عاطفة لا تفرق بين الأمير والفقير.
هى: عسل يا عم القديم عسل.. كلمنى عن علامات الحب؟
ابن حزم: العين هى باب النفس وهى المنقبة عن سرائرها والمعبرة عن كوامنها والمعربة عن بواطنها.
هى: لا أرجوك.. كلمنى بلغة أفهمها.
ابن حزم: أنا أتحدث عن النظرة فهل هذه صعبة.. ألا تعرفين لغة العيون؟
هى: أعرفها وتحدثت الست أم كلثوم عنها لكنها قالت كلمة ونظرة عين.. أى بدأت بالكلام.
ابن حزم: وهل أم كلثوم احترفت الغناء؟!
هى: احترفت؟! إنها مولودة وهى تغنى.
ابن حزم: لا بأس.. أنا أقصد «أم كلثوم بنت أبى رافع» وكان ابوها من قضاة غرناطة!
هى: طيب.. أيهما يبحث عن الحب أكثر.. المرأة أو الرجل؟!
ابن حزم: النساء نظراً لضعفهن وهن أسرع فى الاستجابة الى الحب وهن الأكثر طلباً له.. مع ملاحظة ان الحب يختلف عن الشهوة!
هى: الله عليك يا عمنا.. وماذا عن الحب من أول نظرة!!
ابن حزم: ما دخل عسيراً لم يخرج يسيراً.. والعشق السريع هو أقرب الى الشهوة منه الى الحب والعاطفة البطيئة التى تتكون على مر الأيام لابد من أن تدوم وتثبت على العكس من الشهوة العابرة وأنى لا أطيل العجب من كل من يدعى أنه يحب من نظرة واحدة ولا أكاد أصدقه ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الرغبة وما لصق بأحشائى حب قط الا مع الزمن الطويل وبعد ملازمة الشخص لى دهراً وأخذى معه فى كل جد وهزل
هى: من الواضح أنك صاحب خبرة.
ابن حزم: نعم وقد اعترفت بذلك فى كتابى.
هى: عندنا أغنية مشهورة لمطربة محبوبة اسمها شادية تقول كلماتها: ما أقدرش أحب اتنين عشان ماليش قلبين!
ابن حزم: رائع.. أنا عندى نفس الرأى فمن يزعم انه يحب اثنين ويعشق شخصين متغايرين فقد اختلطت عليه المحبة بالشهوة والشهوة لا تسمى حباً على التحقيق بل على المجاز فقط وقد قلت فى ذلك:
ليس فى القلب موضع لحبيبين
ولا أحدث الأمور بثانى
فكما العقل واحد ليس يدرى
خائفاً  غير واحد رحمان
وكذا الدين واحد مستقيم
وكفور من عنده دينان
هى: برافو.. برافو.. تشرب قهوة يا «أونكل»!
ابن حزم: وماذا تعنى «أونكل»!
هى: معناها يا عمى لكن بالافرنجية؟
ابن حزم: وهل انتهت صلاحية اللغة العربية يا حلوة؟!
هى: آسفة جداً وباعتذر
ابن حزم: لا بأس
هى: وصفت الحب بأنه مرض.. أنا مندهشة من كده؟
ابن حزم: هى علة مشتهاه لا يود سليمها البرء.. الحب داء عياء لا مدخل للإرادة فيه وللحب أعزك الله حكماً على النفوس ماضياً وسلطاناً قاضياً وأمراً لا يخالف وجداً لا يعصى ومالكا لا يتعدى وطاعة لا تصرف ونفاذاً لا يرد وهو يحل المبرم ويحلل الجامد ويخل الثابت ويحل الشغاف والممنوع.
هى: كفاية كفاية.. دماغى لفت.
ابن حزم: لكن الواجب ان احيطك علماً.. بالفارق الواسع.. بين الحب الحقيقى وبين الوهم الذى يخلقه المحب ويعيش فيه ويستعذبه.
هى: عندنا الشاعر الكبير نزار قبانى وقد قال فى هذا: الحب فى الأرض أن لم نجده عليها لاخترعناه.
أبن حزم: ومن نزار هذا؟
هى: لا يا مولانا.. نزار شاعرالحب فى عصرنا
ابن حزم: من الواضح ان الدنيا تغيرت كثيراً فى أيامكم هذه!
هى: أمر طبيعى ولو دامت لكم ما وصلت إلينا.
ابن حزم: وتلك الإيام نداولها بين الناس.
هى: خلينا فى الحب يا مولانا.. ودعنى اسألك هل الحب درجات؟!
ابن حزم: بالطبع.. يبدأ بالاستحسان.. فيرى المحب من حبيبه ما يستحسنه.
هى: نعم أعرف ذلك ولهذا يقول له: يا حلو أنت يا حلو!
ابن حزم: والدرجة الثانية الاعجاز حيث يرغب ان يكون بالقرب منه دائماً.. ثم مرحلة الألفة وهى الوحشة الى المحبوب إذا غاب ولو برهة.. وبعدها درجة العشق حيث يكون المحب دائماً مشغول البال بالحبيب.. وأخيرا مرحلة الشغف.. بأن يمتنع المحب عن الأكل والنوم والشراب.. إلا بأقل القليل وقد يؤدى هذا الى المرض وأحياناً إلى الموت حباً.
هى: يا ساتر يارب.. والحمد لله ان الأحباب فى ايامنا لا يبلغون هذه الدرجات.
ابن حزم: وهل غاب عنكم الحب إلى هذا الحد؟
هى: للأسف الحب موجود لكن فى الأغانى والأفلام.. وعيد «الفالنتين»!
ابن حزم: ومن هو هذا الفالنتين؟
هى: القديس الذى كان يحرس العشاق قديماً؟!
ابن حزم: يا الله..وهل غاب عنكم ما فى تراثنا من حب.. لله والدين والعلم والناس كافة.. أم أنكم لا تعرفون من الحب إلا ما كان بين امرأة ورجل!
هى: كتر ألف خيرها أجهزة الإعلام وقد حولت الحب إلى تجارة للاسطوانات و«الدباديب»... ورسائل الموبايل.
ابن حزم: وما هذا الموبايل!
هى: انه الهاتف النقال الجوال المحمول
ابن حزم: اعرف النقال والجوال.. لكن ما «الهاتف».. وإن كنت أعرف الهتاف.
هى: وسيلة اتصال عن بعد!
ابن حزم: تتحدثون عن الاتصال.. وأنا اتحدث عن «الوصل»!
هى: ولكنى إعرف «الايصال» والمواصلات.
ابن حزم: يا ابنة حواء.. الوصل نعمة لا يعرفها إلا من يعانى الهجر.
هى: الهجر أهون من عذابى فى حبك!
ابن حزم: تقولين الشعر؟!
هى: لا أقول الأغانى.
ابن حزم: للأصفهانى؟!
هى: لا.. لإم كلثوم.
ابن حزم: مرة أخرى أم كلثوم؟!
هى: صوت الحب فى عصرنا.
ابن حزم: كان الله فى عونكم على عصركم هذا وما فيه.
هى: اريد أن أسألك عن «الغيرة».
ابن حزم: سؤال مدهش منك يا سيدتى والمرأة عموماً أشد غيرة على الرجل الذى تحبه حتى لتجد فى موته عزاء لها عن خوفها من خيانته كتلك التى كانت تقول بعد وفاة زوجها: ما يقوى صبرى ويمسك رمقى فى الدنيا ساعة واحدة بعد وفاته إلا سرورى وتيقنى انه لا يضمه وامرأة مكان ابداً فقد آمنت هذا الذى كنت اتخوفه وأعظم آمالى اليوم اللحاق به.
هى: ده كلام كبير
ابن حزم: وأكبر منه العفاف.. لأن من عشق وعف فهو شهيد كما جاء فى الاثر واسأل الله إلا تنقلب مودة الحب إلى عداوة لانها أفظع من الموت وأنفذ من السهم وأمر من السقم وأوحش من زوال النعم.
هى: وماذا تقول لشباب هذه الأيام؟
ابن حزم: أعلموا ان الحب لا يقوم مطلقاً بين متنافرين أو متضادين لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.. كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وما أحبنى إلا وقد وافقته فى بعض أخلاقه.. والنفس بطبيعتها جميلة تولع بالجمال.
هى: كفاية يا مولانا قطعت قلبى!
من دفتر ابن حزم
>> العين تنوب عن المراسيل ويدرك بها المراد.
>> المحب لا يقوى طويلاً على كتمان سره فإن حركاته ونظراته سرعان ما تفضح حبه وتفصح عن مكنونة وده.
>> الوفاء الفضيلة الكبرى فى الحب وأول مراتب الوفاء أن يفى الإنسان لمن يفى له.
>> أوهام الحب عند المحب تضفى على شخصية المحبوب من المزايا ما يجعل منها جوهرة ثمينة نادرة.
>> قليل الصبر من أحب من أول نظرة وفى جمع الاشياء أسرعها نمواً أسرعها فناء وابطؤها حدوثاً ابطؤها نفاداً.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة