المبدع الراحل أحمد رامى
المبدع الراحل أحمد رامى


فى حوار صريح مع الشاعر الذى كتب أروع الأغانى الرومانسية

أحمد رامى يعترف: «الحب يحرقنى»!

آخر ساعة

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021 - 11:25 ص

قراءة: أحمد الجمَّال

لا أحد يجهل المبدع الراحل أحمد رامى (1892-1981)، أحد أكثر الشعراء شهرة لدى عامة المصريين طوال نصف قرن، ارتبط فيها اسمه بقصائد عِدة شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم، وترسخت فى وجدان الشعب العربى إلى يومنا هذا، واستطاع بكلمات أشعاره التى أبدعها باللغة العربية الفصحى واللهجة الدارجة أن يحفر اسمه بأحرف من نور فى قلوب ملايين العشاق، مستحقاً عن جدارة عدة ألقاب أبرزها اشاعر الشبابب واشاعر الرومانسية والحبب.

وفى أوج بريقه، قبل نحو 62 عاماً، أجرى محرر آخرساعة الكاتب الصحفى محمد نصر، حواراً مع الرجل الذى كتب أحلى الأغانى العاطفية، وفيه تحدث عن الحب وسر شبابه الدائم وشيطان الشعر ورأيه فيما يكتبه الشعراء المحدثون.. وفيما يلى نعيد نشر تفاصيل ذلك الحوار الصريح بتصرفٍ محدود:

حيويته الدافقة تجعلك تعتقد أن السن لم تتقدم به يوماً واحداً، كأنما وقفت به عند الثلاثين عاماً ولم تتزحزح إلى الأمام خطوة واحدة، وجهه هو هو، عيناه الدقيقتان البراقتان هما هما، حتى أشعاره ومونولوجاته ما تزال تنبض بقوة الشباب وأطماعه فى الحب الدافئ.

كان موعدنا على شاطئ النيل بعد أن فرغ من أعماله فى دار الإذاعة، وتحت خميلة تظلل المكان الذى كان يتردد عليه فى فجر شبابه، جلس يتحدث فى كل شيء، كان كلما مرت به حسناء رمقها بعينى صقر، ثم عاد يتحدث، البدلة الأنيقة.. الكرافتة الحمراء.. حتى الجورب الأحمر.. والكلام عن الحب شيء فى طبعه.. والحركات المعبرة جزء من تصرفاته.. قلت للشاعر الذى جاوز الخامسة والستين وتغنت بمقطوعاته الملايين وراء أم كلثوم:

 هل لك أن تفتح لى قلبك بعض الشيء لأعرف ما هو سر شبابك الدائم؟

ـ لأنّى أمارس رياضة المشى كل يوم مدة طويلة.

 وأين السيارة؟

ـ (ضاحكاً): منين أجيبها؟ والستر من عند الله.

الحب يحرقنى!

 لِمَ لا يتطوَّر الشعر مع حركات التطوُّر التى شملت كل مرفق فى البلاد؟ ولِمَ لا نسمع أحد الشعراء يتغزل فى مدخنة أو عاملة فى مصنع؟

ـ الشعر أولاً هو تعبير عما شعر به الإنسان، والإنسان دائماً يستجيب لما تنفعل به نفسه، ومن أجل ذلك سماه العرب شعراً لأنهم شعروا به، كل شاعر يتكلم عن بيئته، ومفيش واحد يتكلم عن الغزل ولا يحب.. أبوفِراس الحمدانى تكلم عن الحرب لأنه كان محارباً.. والشيء الذى لم أتخصص فيه لا أقدر أن أقول فيه شعراً.

 طيب وأنت بتوصف الحب إزاى فى شعرك؟

ـ أوصفه لمّا أجربه وألاقيه بيوجعنى ويحرقنى.

 وكيف ومتى يحرقك؟

ـ حينما يستجيب له قلبى أترجم الاستجابة بالشعر، وأحياناً تستغرق المقطوعة شهراً أو شهرين من وقتى، وأحياناً يوماً واحداً.

 والأغنية الآن، ألا ترى أنها لم تعد نظيفة البناء والهدف؟

ـ زمان كان عبده الحامولى يلحن الأغنية ويغنيها ونفس ألفاظ الأغنية يعمل لها لحنا آخر، كان المغنون يرددون الأغنية الواحدة مع شوية نغبشة فى النغم! أما الآن فمن أين لنا بالمعانى الجديدة، وأين المؤلفون الذين يستطيعون مواجهة هذا العدد الضخم من المغنين وأتباعهم..

 وأى جديد تعتقد أنه طرأ على القصيدة العربية شكلاً ومضموناً؟

ـ لا أعتقد أن هناك قديماً وحديثاً.. التجديد يكون فى عدم المحاكاة، التجديد فى الإحساس والمعانى والصور، من أيام الأندلس فيه موشحات ومواويل، وكل اللى استجد علينا هو المونولوج.

 وأنت بوصفك شاعر الشباب هل تعتقد أن هناك حدوداً فنية للشعراء المحدثين تميزهم عن الشعراء القدامى؟

ـ نحن نعرف أن البارودى هو أول من نهض بالشعر الحديث، لقد بدأ حياته يعارض الشعراء القُدامى، وهذا اللون لا وجود له الآن، أما اليوم فالشعراء يطرقون معانى جديدة ويصورونها فى أسلوب جديد أيضاً.

 الجميع يعرف عنك أنك تعالج ـ باستمرار ـ أحاديث الهوى فى شعرك، فهل هناك دواع معينة، أم هو صدى لتجارب وقعت فعلاً؟

ـ أعتقد أن الشعر هو ما شعرت به، ثم الحب نفسه أعتبره من طبعى، والحب أنواع، فمنه الذى يوجع القلب، ومنه الود، والرعاية، والذكرى، وهذه معان إنسانية سامية يطيب فيها الكلام.

 هذه الأبيات من مقطوعة لك تغنيها أم كلثوم: (هجرت كل خليل ليّا/ وفضلت عايش مع روحى/ أحسن يبان شيء فى عينيّا/ من كتر خوفى على روحي) مِمَ كنت تخاف على روحك؟

ـ من عين الحسود.. إحنا المحبين دايماً نخاف نتكلم فى رضا الحبيب خوفاً من الحسد.

المبسوط لا يضحك

 ورأيت أحمد رامى يترنم ببعض أبيات قصيدة له، ولما طالبته بأن يسمعنى شيئاً منها قال:

ـ لو أن الإنسان يمتلك سعادته ورضاه عن حبه كما يجب، فإنه لا ينتهى من حسد الناس، إنه يصوِّر موضوع الشكوى، وعند الشعراء المبسوط لا يضحك، اللى يضحك هو المحروم.

 ألست القائل: (كيف مرت على هواك القلوب، فتحيرت من يكون الحبيب) ألا ترى أن فى هذا التساؤل منتهى الغيرة والحرمان؟

ـ (ضحك عالياً وهو يقول): أحياناً أحس بالغيرة والحرمان فلا يخفف لوعتى غير الشعر.

 ومتى تهبط عليك شياطين الشعر، وهل لك شيطان معين كما روى شوقى على لسان الأموى شيطان قيس فى امجنون ليلىب: (ألم تعلموا أن لى صاحباً/ من الإنس أحكُمُ فى شعره/ أجل أنت توحى له ما يقول/ وتقذف ما شئت فى فكره)؟

ـ قطعاً فيه حالة غير طبيعية تنتابنى حينما أنظم، لكنى لا أنسبها للشيطان، بل إلى ملاكى الحارس، هذا الملاك الذى أشعر بأنه يوحى إلى فقرات الشعر بما يشبه البرق الخاطف أو الخطرات، ولو كانت غير ذلك لقبضت عليها..

مرة واحد من أولادى سألنى: مالك يا بابا؟ ووقتها كنت سارحاً كمَنْ غاب عن وعيه، ومرة قالت لى أمى وهى ترانى وحيداً فى غرفتى أتمرغ على الأرض دون وعى: ربنا يتوب عليك من الشعر.

وأنا فى الغارات اللى فاتت، أيام الاعتداء على بلادنا، تصادف أن خرجت من بيتى فى حدائق القبة، وكنت مشغولاً بنظم قطعة غنائية، وفجأة حدثت غارة، وأنا لا اضطرب من شيء قدر اضطرابى من الغارات، ومع ذلك وقفت أنظم لأنى ساعتها كنت فى حالة غير طبيعية.

 أتعنى أن ساعات الإلهام لا يحددها مكان أو زمان؟

ـ أبداً.. أنا لا أنظم فى النور، ولا أكتب إلا إذا كان خافتاً، وإذا ألفت حاجة أغنيها من أولها لآخرها.. أفضل أوزن واتقلب شمال ويمين لغاية ما انتهى منها.. وفيه من الشعراء من يمتاز بالغرابة عندما ينظم.. مثلاً الشاعر الإنجليزى اكيشب كان يدهن فمه بالفلفل، واجبرائيل دانزوب كان يلبس حريراً وقت النظم، ولكل شاعر طريقته.

هيصة الناس

 وما الأماكن التى تفضلها عادة وقت النظم؟

ـ أحسن قصائدى نظمتها فى الترام أو على شاطئ النيل، عشان لما أغنى محدش يسمعنى، وعجل الترام والهيصة بتاعة الناس لا تشغلنى أبداً.. خلوتى فى غمرة الناس، وأنا أشعر أننى لست معهم وإن كنت بينهم.. ساعات أرد على زوجتى ردوداً منافية لأسئلتها، فتعرف أننى لست معها، فتنصرف إلى أن أعود إلى نفسى.

 وهل تشعر بلذة وأنت مع نفسك؟

ـ بل قل منتهى اللذة حينما أرانى مع نفسى وحيدين لا ثالث بيننا.

 ما رأيك فيما يكتبه الشعراء المحدثون من شعر لا يتقيد بوزن ولا قافية؟

ـ (بدت على ملامحه علامة الاشمئزاز وهو يقول): لا أسميه شعراً، وهؤلاء الذين لا يتقيدون بالوزن ولا بالقافية يعتبرون أنفسهم مجددين فى غير نظام ولا قواعد، وما الذى يدعوهم للهروب من القواعد، وليس فى العالم لغة أوسع من اللغة العربية.

لسان العرب فيه 20 جزءاً والشعر شعور، وكل الشعراء حتى الشعراء الإنجليز يتخيرون اللفظ والمعنى، أما هؤلاء الشعراء الذين يعتبرون أنفسهم محدثين فلا يتخيرون المعانى أو الألفاظ، فهم يعالجون أغراضاً لا يصح أن يتناولها الشاعر، زى وصف االغسيل الوسخب.

إن الشعر لا بد أن يخرج عن الواقع، وهذه المبالغات هى التى تجعله جميلاً، فلماذا لا يتقيدون بالقوالب والبحور ويدخلون فيها الجديد من المعانى والصور، إحنا عندنا 25 بحراً من الشعر منها 16 بحراً من البحور الأصلية، والإنجليز عندهم 5 فقط.

 أوشكت الشمس أن تغيب، وأراك تتطلع إلى النيل الحالم وكأنك تستقبل إحدى عرائس الإلهام، ألم تسمع ملاكك الحارس يهتف فى أذنيك بشيء الآن؟

- (بعد فترة صمت قال): نعم.

 وما هو هذا الشيء؟

ـ اللقاء الخاطف.

 وماذا قلت فيه؟

ـ أو كلما عرضت بقربك حلوة

مرّت على خوفٍ أو استعجال

لم أدْرِ ما طيب اللقاء وأنسه

ما دام قد خطر الفراق ببالى

نجواى ألفاظٌ تذوب على فمى

من غير أن أحظى بردّ سؤالى

وتطلّعى لبهاء وجهك خلْسة

أرضى بها خوفاً من العذَّال

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة