خالد محمود
خالد محمود يكتب .. « السباحتان » رحلة سينمائية مبهجة من جراح الواقع إلى نشوة الحرية
الخميس، 24 نوفمبر 2022 - 09:44 ص
انتهت أيام وليالي مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ44، لكن تبقى بعض أفلامه في الذاكرة ستعيش معنا طويلا بإبداعها الفني، الذي كشف عن تجارب ملهمة بمفرداتها وحكايات وأفكارها وشخصيتها، التي كشفت مخاوفها وأحلامها في مجتمعاتها التي لم تخلو ولن تخلو من لحظات غضب وتمرد وبهجة وتفاؤل وتمسك بحياة وإعترافات .
من بين هذه الأفلام تحفة المخرجة سالي الحسيني، “السباحتان”، الذي يقدم بطريقة شيقة وجذابة قصة لاجئين غاصوا في حلم صعب وهو من الهجرة من وطن، يروي هذا الإنتاج البريطاني الأمريكي قصة يسرا مارديني المثيرة للإعجاب، عندما كانت مراهقة، هربت من الحرب الأهلية في سوريا من خلال القيام برحلة محفوفة بالمخاطر مع أختها سارة، بعد وصولهم إلى ألمانيا، استأنفت الفتاتان تفانيهما في السباحة، ووصلت يسرا إلى أولمبياد ريو دي جانيرو 2016.. سالي الحسيني، التي أخرجت أول فيلم لها منذ عام 2012 بعنوان “أخي الشيطان”، لا ينقصها أبدًا الصورة المذهلة، وهنا عبر مشوار (مع الأختين الواقعتين ناتالي ومنال عيسى يلعبان يسرا وسارة)، صورة محنة قاسية، لكن في النهاية، على الرغم من ذلك، فإن الفيلم يستقر على أسلوب متفائل بشكل عام عندما يصلا إلى تحقيق الهدف وتصبح سارة بطلة أولمبية، وهنا تكمن نقطة الجمال، وكم كان السرد رائعا ومدهشا وهي تتنقل بين أزمة الواقع ونشوف الانتصار عكس أفلام كثيرة عن عالم الهجرة غير الشرعية التي تكفي بتصوير صورة المعاناة والصدمات واليأس .
في شريط الفيلم، شاهدنا أبطالنا في زورق صغير في وسط بحر إيجة عندما توقف المحرك، كان هناك 20 شخصًا، بينهم طفل يبلغ من العمر 6 سنوات، محشورين على متن القارب لمسافة 8 أميال - من الساحل التركي إلى جزيرة ليسبوس اليونانية.
“كانت إحدى ليالي الصيف المتأخرة شديدة البرودة والرياح وقاسية، وفي كل مرة يصطدم القارب بموجة كان يرتد ويعود باتجاه تركيا”، هذا ما قالته يسرى - التي كانت تبلغ من العمر 17 عامًا في ذلك الوقت –، بدأ الزورق في امتصاص الماء، اتصل أحد الركاب بخفر السواحل في اليونان وتركيا لن يرسلوا المساعدة.. أظهر رفع الأيدي السريع أن معظم اللاجئين لا يستطيعون السباحة، وكم كان المشهد رائعا في تصويره للحظة .
أنه فيلم لديه الكثير ليقوله، لكنه يظل ملتزمًا بقيمته الترفيهية طوال الأحداث بأسلوب ذكي لتتبع الرحلة مع قصة ملهمة وقوية ومليئة بالأمل، قصة واقعية لشقيقتين صغيرتين من سوريا التي مزقتها الحرب تقومان برحلة شاقة نحو الحرية، ويصور الفيلم انتصار يسرا في فريق اللاجئين في أولمبياد ريو يبدو وكأنه لحظة مجد حقيقي.
كان السيناريو الذي كتبته الحسيني بالاشتراك مع جاك ثورن مدهشا في سرد قصة واقعية تتلخص أساسًا في الدراما الرياضية المستضعفة التي تدور حول دراما بقاء اللاجئين، نتابع يسرا وسارة من التدريب القاسي تحت عين والدهما اليقظة، إلى محاولتهما اليائسة للهروب من الحرب الأهلية السورية، من رحلتهما الصعبة عبر أوروبا، إلى عودة يسرا للتدريب والإستعداد الأولمبي في نهاية المطاف.. الدراما الرياضية تنشط وترتقي بالحيوية، ودراما اللاجئين مروعة وتستنزف عاطفيًا، لكنهما مجتمعين بهذه الطريقة، في لحظة تتوقف القصة عن كونها تدور حول رحلة الأختين مارديني كلاجئين، وتبدأ في الحديث عن حلم يسرا الأولمبي مرة أخرى، ونجحت المخرجة في الربط بين العالمين، ولا ننسى تلك اللحظة المدهشة التي تكافح فيها يسرا في المياه المفتوحة المظلمة لبحر إيجة، تتخيل طريقها إلى الأمام كحارة في مسبح قبل جر زورق اللاجئين إلى الأرض، وجعل الفلاش باك على صورة واقع سوريا المؤلم أكثر إحكامًا وتأثيرًا عاطفيًا، أيضا اللحظة التي تتخيل فيها يسرا - وهي تكافح في المياه المفتوحة المظلمة لبحر إيجة - طريقها إلى الأمام كحارة في بركة قبل أن تجر زورقها.. اللاجئون إلى الأرض .
أداء ناتالي ومنال عيسى - بصفتهما يسرا وسارة على التوالي - كان قويا ، وتضيف علاقتهما الأخوية الواقعية طبقة إضافية من الأصالة للفيلم، يضيف كل منهما شيئًا لإضفاء الحيوية على الشاشة، تمتلك منال طاقة شائكة يمكن أن تتحول من الفرح إلى الغضب، بينما تمتلك ناتالي تعبيرا متفائل، ليس فقط والدها وعائلتها، لكن المجتمع بأسره على أكتافها.
كانت هناك عاطفة ظاهرة على الشاشة، من الواضح أن الشقيقتين عيسى تستمتعان بفرصة سرد هذه القصة، هناك لقطات متعددة تخطف الأنفاس بشكل لا يُنسى: “صاروخ يسقط في حمام السباحة ويغرق ببطء أمام يسرا، بنادٍ في الهواء الطلق في دمشق حيث يأخذ إطلاق الصواريخ في الخلفية إحساسًا بأضواء الليزر أو الألعاب النارية، بينما في النهاية نرى لحظة مدهشة بحرارة الأجواء المؤهلة للأولمبياد، هي لحظة تستحق البهجة حقًا ونحن أيضا معها .”