عرفات يستقبل الصحفى الإسرائيل أورى أڤنيرى ببيروت ١٩٨٢
عرفات يستقبل الصحفى الإسرائيل أورى أڤنيرى ببيروت ١٩٨٢


كواليس محاولات شارون تصفية ياسر عرفات بـ «الرنجة المالحة»

هالة العيسوي

الأحد، 28 يناير 2018 - 12:29 ص

كتاب إسرائيلى يكشف: الحظ وقيادة عسكرية إسرائيلية وراء نجاة أبوعمار من الاغتيال فى بيروت

لعب الحظ وشخصية قيادية إسرائيلية دوراً كبيراً فى نجاة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات من محاولات اغتيال محققة، أعدها رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون. وشهدت سماء العاصمة بيروت والبحر المتوسط على عمليات إسرائيل السرية، التى حملت أسماء كودية، منها: «الرنجة المالحة»، «المرشح المنشوري»، «جبهة تحرير لبنان من الأجانب»، و»السمكة الذهبية».
ويحمل كتاب جديد تحت الطبع للصحفى الإسرائيلى رونين برجمان، يصدر هذا الشهر بالولايات المتحدة بعنوان «انهض وبادر بالقتل»: التاريخ السرى لعمليات الاغتيال الاسرائيلية»، جانباً كبيراً من تفاصيل تلك العمليات، التى نقلتها عن الكتاب صحيفة هاآرتس، مشيرة إلى أن عدداً من الضباط الاسرائيليين منعوا شارون، وقائد أركان جيشه فى حينه رفائيل إيتان من تنفيذ عمليات اغتيال تستهدف عرفات، تفادياً لإصابة مدنيين وردود فعل غاضبة من المجتمع الدولي. كان من بين تلك الوقائع، بحسب الصحيفة العبرية، تراجع الأجهزة الأمنية فى تل أبيب عن إسقاط طائرة، أقلت على متنها 30 طفلاً، كانوا من بين المصابين فى مذبحة صبرا وشاتيلا.
فيلم أمريكي
ووفقاً للصحيفة العبرية، حاولت قوات الأمن الإسرائيلية عام 1968 المبادرة إلى عملية اغتيال عرفات، واستوحى المطبخ الأمنى الاسرائيلى خطة تنفيذ العملية من الفيلم الأمريكى «المرشح المنشوري». خلال ثلاثة أشهر، حاولت إسرائيل «غسل مخ» أحد الأسرى الفلسطينيين، لاستخدامه فى تنفيذ عملية اغتيال ياسر عرفات، إلا أنه بعد خمس ساعات من إطلاق سراحه، سلم الفلسطينى نفسه إلى الشرطة، وأفضى بأسرار الجهود التى تبذلها الاستخبارات الاسرائيلية فى هذا الخصوص. رغم ذلك لم تتوقف محاولات إسرائيل الدؤوبة لاغتيال عرفات، لكنها شهدت تصعيداً وجهداً أكبر فى فترات لاحقة.
فى أعقاب العملية التى نفذتها عناصر فلسطينية بمدينة نهاريا الساحلية الإسرائيلية عام 1979، والتى قتل فيها أربعة مدنيين إسرائيليين، أمر قائد الأركان فى حينه إيتان بتصعيد العمليات التى تستهدف منظمة التحرير الفلسطينية، وقال نصاً لقائد الجبهة الشمالية الإسرائيلية حينئذ أفيجدور بن جال: «اقتلوهم جميعاً».
بدوره كلَّف بن جال رئيس الموساد لاحقاً مئير داجان بإدارة المنظومة المكلفة بتنفيذ المهمة، التى حملت اسماً كودياً هو: «جبهة تحرير لبنان من الأجانب». فى 1981، عُيِّن أرئيل شارون وزيراً للدفاع، وأوعز فور تعيينه إلى بن جال وداجان بمضاعفة جهود عمليات الاستهداف. قبل ذلك بعام واحد، أوعز إليهما شارون بتفجير استاد فى العاصمة اللبنانية بيروت، كان مقرراً أن يجتمع فيه قادة المنظمة الفلسطينية. وفى إطار الاعداد للعملية، أخفى عملاء الموساد كمية من المتفجرات فى قاعة كبار الزوار، بينما ربضت سيارة مفخخة خارج الاستاد. فى اللحظة الأخيرة توجه عدد من ضباط الاستخبارات العسكرية (أمان) إلى رئيس الوزراء فى حينه مناحم بيجن من دون علم شارون، وأقنعوه بضرورة الغاء العملية.
فى العام ذاته، وبعد مداهمة إسرائيل لبنان، أوعز شارون بتشكيل طاقم، أطلق عليه «الرِّنجة المالحة» بغرض الإعداد لعمليات اغتيال ياسر عرفات، وعين قائد هيئة أركان الجيش الاسرائيلى المتقاعد عوزى ديَّان قائداً للطاقم، بينما تولى داجان وإيتان مهمة الإشراف.
عرفات و3 إسرائيليين
فى يوليو 1981، التقى عرفات فى بيروت، الصحفى الاسرائيلى المخضرم يورى أفنيري، وصحفيين إسرائيليين آخرين. كان من المخطط وفقاً لـ»الرِّنجة المالحة»، استغلال تلك الفرصة للوصول إلى عرفات، لكن النقاش الذى دار بين أعضاء الطاقم الأمني، وقف أمام الإجابة على سؤال محيِّر: هل يبرر اغتيال عرفات، إنهاء حياة الصحفيين الإسرائيليين؟. كان الرد على السؤال فى نهاية المطاف بالإيجاب، وخرجت العملية إلى أرض الواقع، لكن عرفات اشتبه فى احتمالية تعقب الموساد لخط سير أفنيري، ما حدا به إلى القيام بعملية تضليل، أفضت إلى افتقاد عناصر المؤسسة الاستخباراتية الاسرائيلية المكان الذى يتواجد فيه أفنيرى بالعاصمة اللبنانية.
ويشير مؤلف الكتاب الإسرائيلى إلى أن ديَّان كان من بين الضباط الذين وقفوا أمام قرارات قائد الأركان ووزير الدفاع بهذا الخصوص. ونقل المؤلف برجمان عن ديَّان قوله: «نجا عرفات فى كل من الاغتيال لسببين رئيسيين، أولهما حظه الجيد، وأنا». كان إيتان يذكِّر ديَّان دائماً بأنه لا يمتلك صلاحيات اتخاذ قرار بإسقاط قنبلة من عدمه، لكن ديَّان عثر على طريقة تمكنه من الالتفاف حول تلك الحقيقة. عن ذلك يقول بحسب المؤلف: «اقتصرت مهمتى بالفعل على الابلاغ عن توقيت جهوزية الهدف بمنظور استخباراتي. وفى كل مرة أصل فيها إلى قناعة بأن سقوط القنبلة التى تستهدف عرفات سيلحق ضرراً بالغاً للمدنيين، كنت أنفى جهوزية الهدف للعملية».
إيتان قائد أركان الجيش الاسرائيلى فى حينه، قرر المشاركة بنفسه فى إحدى العمليات، ودعا إليه رئيس غرفة عمليات سلاح الجو أفيآم سيلع. الأول قال للأخير أنا سيطير معه فى سماء بيروت، وسيلقى بالقنبلة التى تغتال عرفات.
فى سماء بيروت
صعد إيتان وسيلع إلى الطائرة الحربية، ورافقت طائرتهما ثلاث طائرات حربية أخرى. ويحكى سيلع عن ذلك قائلاً: «أسقط قائد الأركان القنبلة بنفسه كما تعهد سابقاً، وقصفت الطائرة الهدف ثلاث مرات، لكن عرفات نجا بأعجوبة، حينما تأخر عن الوصول للمكان قبل القصف بلحظات».
فى أكتوبر 1981، أبلغت عناصر الموساد قائد سلاح الجو ديڤيد عڤرى، أن عرفات هو تلك الشخصية التى ستستقل طائرة نقل من العاصمة اليونانية أثينا إلى القاهرة. لكن عڤرى تحسب من خطأ فى رصد الهدف، فأرسل طائرتين من طراز F-15 للتأكد من وجود الهدف. أمر إيتان بإسقاط الطائرة، بينما تردد عفري. فى نهاية المطاف وبعد تعطيل تنفيذ العملية لدقائق طويلة، أعلن الموساد وجود شكوك فى رصد الهدف.
تبين لاحقاً أن الشخصية التى يدور الحديث عنها ليست عرفات، وإنما شقيقه الأصغر وشبيهه فتحى عرفات طبيب الأطفال، ومؤسس الصليب الأحمر الفلسطيني، وأنه كان فى طريقه من أثينا إلى القاهرة رفقة 30 طفلا، اعتزموا تلقى العلاج فى مصر، إثر تعرضهم لإصابات فى مذبحة صبرا وشاتيلا.
الإخفاق فى رصد الهدف والتعامل معه لم يردع شارون، بحسب مؤلف الكتاب، إذ بدأ عرفات فى ذاك التوقيت يتنقل فى سفرياته على متن طائرات تجارية، واعتبر وزير الدفاع الإسرائيلى ذلك هدفاً مشروعاً. قرر شارون إسقاط طائرة كتلك فى سماء بحر مفتوح، على أن تكون فى موقع يبعد عن منظومات رادار أية دولة، ويفضل استهداف الطائرة وهى تحلق فوق مياه عميقة، ليصعب على جهات التحقيق الوقوف على أسباب سقوطها أو جمع أشلائها.
«السمكة الذهبية»، اسم أطلقه شارون على القوة التى كلفها بالمهمة. بعد اختيار الاسم، تعقبت مقاتلات سلاح الجو الاسرائيلى تحركات عرفات لمدة 9 أشهر كاملة، وانطلقت خمس مرات لإسقاط طائرات، ظن الموساد أن عرفات يتواجد على متنها. وخلال كل مرة، كان قادة سلاح الجو يعرقلون المهمة بشكل أو بآخر، تفادياً للمساس بمدنيين. فى إحدى المرات، تعرقلت المهمة عمداً عبر تشويش الاتصال بين الطائرة المكلفة بالهدف، وبين غرفة العمليات، وقال التقرير حينئذ إن الطائرة تأخرت عن اللحاق بالهدف.
اعتراضات ورفض
عاموس جلبواع، عضو طاقم «السمكة الذهبية»، رئيس وحدة الأبحاث فى مؤسسة الاستخبارات العسكرية (أمان)، أعرب عن اعتراضه البالغ على تلك العمليات، وقال: «قلت لقائد الأركان إيتان إن تلك العمليات ستدمر الدولة بمنظور دولي، إذا أكدت المعلومات اسقاط إسرائيل لطائرة مدنية».
وأوضح مؤلف الكتاب الاسرائيلى أن رفض أوامر تنفيذ المهام جاء بداعى أنها غير قانونية، ونقل عن جلبواع شهادته فى هذا الصدد: «حينما تلقينا الأوامر توجهت إلى إيتان، وقلت له: سيدى قائد الأركان، لم نفعل ذلك، ولن يحدث أبداً. أتفهم هيمنة وزير الدفاع وإصراره، وأن أحداً لن يستطيع مخالفة أوامره، لذلك سننفذ الأوامر، ولكن بشكل يتعارض ونجاحها من الناحية الفنية. قائد الأركان رشقنى بنظرة فاحصة، ولم ينطق بكلمة واحدة، ففهمت أن صمته موافقة ضمنية على رأيي». تقلصت عمليات مطاردة عرفات إسرائيلياً بعد عزل وزير الدفاع شارون من منصبه على خلفية استنتاجات لجنة كوهين، التى كانت معنية بالتحقيق فى مجزرة صبرا وشاتيلا. فى 2001 نجح شارون فى انتخابات رئاسة الوزراء؛ ويوضح الكتاب كيفية تصالح شارون المخضرم مع حاجة التفاوض مع الحركة الوطنية الفلسطينية، لكن شارون لم ينس فى الوقت ذاته كراهيته الشديدة لشخص ياسر عرفات.
وعرض المؤلف فى كتابه، المداولات التى جرت فى ديوان رئاسة الوزراء الاسرائيلى برئاسة شارون، والتى دارت فى مجملها حول كيفية التخلص من الزعيم الفلسطيني، الذى وافته المنية فى نوفمبر 2004 فى ظروف غامضة. ويترك المؤلف برجمان السؤال مفتوحاً أمام ما إذا كان عرفات قد مات بشكل طبيعي، أم أن شارون نجح فى الوصول إليه، وفقاً لأطروحات عدد من الدوائر الفلسطينية السياسية والبحثية.
< محمد نعيم

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة