مصطفى عدلى
مصطفى عدلى


بدون إزعاج

رسالة موتى !

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 12 سبتمبر 2019 - 07:45 م

مصطفى عدلى

المشهد الأخير للميكروباص الطائر على كوبرى الموت «صفط» سابقا.
هنا كل شيء تبعثر، اشتم رائحة الدماء، بقعة حزينة لن تمحى، ستبقى حاضرة، داخل العربة الصغيرة خيوط متفرقة، طموحات مختلفة، روايات غير متشابهة، على مقاعد الموت تبادلوا الكلمات، الضحكات، جلسة طويلة اعتادوا عليها، أحدهم يفكر فى صغيره الذى ينتظر اول ساعات عام دراسى لم يبدأ بعد، وآخر يتدبر مشروعه الذى لم ير الضحى، وبينهم ثالث غادر فى غفوة لم يدرك انها الأخيرة، وعروس تنظر للسماء تتخيل ليلة زفافها وفرحتها العارمة، وعجوز جلس يفتش فى دفاتره القديمة، يبتسم، يهمهم ثم يبكى ليعود ويضحك، وشاب يمسك بهاتفه ويتجول فى عالم افتراضى هربا من ضغوط الرحلة، وأم تعض على امتعتها وتنظر لدقات عقاربها فقد تأخرت على صغارها، وفى الركن البعيد، يغوص بسماعته البيضاء فى عالم خارج نطاق المساحة الضيقة، لحظة قاسية حضرت لتغلق صفحاتهم، تبعثرها، صرخة وداع ممزوجة ببصيص من الأمل خرجت رغما عنهم، يدركون انها النهاية، لكنهم يتشبثون بفرصة لتحقيق ما فات، لكن يبدو انه الرمق الأخير، الدماء تؤكد ذلك، لم يعد للغد وجود، لحظة صمت عابرة، أعقبها جرح غائر، أمهات يبكين، ورجال يصرخون، صغار سرقت طفولتهم بعد رحيل ذويهم تحت عجلات غادرة يقودها متهور، ربما لم تكن رحلته الأولى التى تلاعب فيها بأرواح البشر، بمقدراتهم.
لا أحد يعيش جرح أهل ضحايا السيارة المنكوبة، لم تكن الواقعة الأولى ولن تصبح الأخيرة، لا نترقب زيارات وهمية، وحملات مرورية عابرة، نطمع فى احترام المواطن، تقديس آدميته، أدعو المسئولين لحضور مفاجئ إلى المواقف العشوائية ليروا واقعها المخيف، المؤلم، الأغلبية يتعاطون المخدرات، يقودون تحت تأثيرها، يغيبون عن الوعى فوق عجلات القيادة ليزهقوا الأرواح، يحطمون أسرا، من غابوا بالأمس رحلوا دون إنذار لكنهم بعثوا لنا رسالة من موتى تحذر من سرطان ينهش فى أرواحنا يحتاج لمبادرة رئاسية لا تقل عن تلك التى واجهت فيروس «سى»، تعالج سائقى عربات الأجرة، تفتش عنهم، تحاسبهم، أكتب لكم تلك الكلمات وأخشى ان يعاد نشرها رثاء لرحيلى خلال احدى رحلاتى اليومية القاتلة بشوارع القاهرة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة