صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


«النكت والكوميكس»| حساب مبكر للمقصرين.. وخبراء: السخرية دليل ذكاء المصريين

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 25 أكتوبر 2019 - 11:16 م

السخرية من الأزمات مهما كانت شدتها، سمة تميزت بها الشخصية المصرية على مر الزمان، فتجد المصريين يحولون أصعب مواقف حياتهم اليومية إلى نكتة يضحكون عليها، أملاً فى تخفيف ضغوطاتها النفسية والعصبية، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، احترف الكثير من المصريين فن الرسومات والصور الساخرة المعروفة بـ«الكوميكس» أو كما يطلق عليه بعض رواد السوشيال ميديا «الميمز»، ليعبروا عن مشاكلهم على طريقة الكوميديا السوداء، تلك الطريقة نفسها التى تعامل بها الكثيرون الأسبوع الماضى مع الساعات الصعبة التى قضوها فى بعض شوارع القاهرة عاجزين عن الحركة نتيجة غزارة الأمطار، وعدم جاهزية البنية التحتية لبعض المناطق والأحياء للتعامل مع هذه الظروف المناخية، فكانت «الكوميكس» هى ملاذ العالقين فى الطرق للتعبير عن غضبهم من عدم استعداد المحليات للتعامل مع موسم الأمطار، والمطالبة بمحاسبة المقصرين.

سلمى وحيد إحدى مصممات «الكوميكس» على صفحات السوشيال ميديا تقول إن هذا النوع من الفن  بدأ فى الظهور والانتشار بين المصريين عقب أحداث ثورة 25 يناير، مشيرة إلى أنه يعتمد على استخدام صور مستوحاة من أفلام كوميدية أو كارتونية أو تصريحات لإحدى الشخصيات العامة، والتعليق عليها فى قالب كوميدي، وأول انتشار عالمى له كان على «فيس بوك»، للسخرية من المشاهير.

نشأة «الكوميكس»

وعن نشأة هذا الفن توضح سلمى أن «الكوميكس» هو فن القصة المصورة التى يرسمها الفنان لسرد أحداث مترابطة فى كادرات متتابعة من الصور، تدور حول أحداث سياسية أو اجتماعية، أو تكون قصة خيالية من نسج المؤلف، ولكن حالياً أصبح معظمها يهدف إلى الترفيه والإضحاك فقط. أشارت إلى أن البعض يرى أن «الكوميكس» هو تطور لمفهوم النكتة الذى اشتهر بها المصريون لسنوات طويلة، والهدف من استخدامه هو مواكبة التغيرات التى طرأت على المجتمع، فالأغلبية أصبحوا يمتلكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالى سيكون انتشار أفكار «الكوميكس» بينهم أوسع من انتشار النكتة الذى ينحصر بين مجموعة محدودة من الأشخاص.

السخرية من الأوضاع

وترى سلمى أن أحد أهم الأسباب وراء إقبال المجتمع المصرى على هذا الفن خاصة الشباب، هو قدرة «الكوميكس» على توصيل الفكرة بشكل واضح وسريع، وإحداث حالة من التفاعل بين مستخدمى السوشيال ميديا، كما أنه يحتوى على مساحات كبيرة للإبداع، هذا الأمر الذى اتضح فى كثير من الأحداث، وكان آخرها السخرية مما حدث نتيجة الأمطار الغزيرة، فأغلب «الكوميكس» المنتشرة على «فيس بوك» فى الأيام الأخيرة تسخر من طريقة تعامل المسئولين مع الأمطار، واللجوء لأساليب يراها البعض بداية لمعالجة الأزمة، كما ركزت أيضاً على ردود الأفعال الساخرة للمواطنين العالقين فى الشوارع بسبب كثافة الأمطار.  

وتوضح سلمى أن شريحة كبيرة من الشباب وجدوا فى «الكوميكس» متنفساً لهم بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية، من خلال تداول هذه الصور فيما بينهم. وأصبحت صفحات السوشيال ميديا مسرحاً مفتوحاً أمام مصممى ومحبى هذا الفن، لنشر أعمالهم وإبداعاتهم.

المصريون لا يميلون للعنف

يعلق د.جمال فرويز أستاذ علم النفس، على انتشار حالة السخرية على مواقع التواصل بأنها نابعة من طبيعة الشخصية المصرية التى تختار السخرية بمختلف أشكالها للتعامل مع الأزمات، حتى لا يشتعل غضبها  وتلجأ للتشاجر أو التصادم، ما قد يؤدى إلى تأزم الموقف أكثر، ويكون من الصعب تحمله أو التعامل معه، فهذه الطريقة تساعد كثيراً على تقليل الضغط النفسى الواقع على الشخص الذى يتعرض للمشكلة، ما يساعده فى التفكير وإيجاد الحلول.

ويوضح فرويز أن طبيعة الشخصية المصرية على مر التاريخ أثبتت أنها لا تميل للعنف والأعمال التخريبية أو العدوانية، والدليل أننا نشاهد الكثير من الجرائم البشعة التى يتم ارتكابها فى بعض الدول الأخرى، لكن من الصعب حدوثها داخل المجتمع المصري، ولذلك يتجه المصريون لتحويل المواقف الصعبة إلى مادة ساخرة، حتى يتمكنوا من التعامل معها وتداركها.

ويشير أستاذ علم النفس، إلى أن السخرية من المشكلة لا تعنى التغاضى عن محاسبة المقصرين، ولكنها فى كثير من الأحيان تكون وسيلة للتعبير عن الغضب بطريقة متحضرة، فالشخصية المصرية ليست انفجارية، ولكنها تبحث عن الاستمتاع بالحياة بأبسط الوسائل المتاحة.

شعب «ابن نكتة»

ومن جانبها، ترى د.سامية خضر أستاذة علم الاجتماع، أن التعامل مع بعض المشاكل والمواقف الصعبة بسخرية دليل على ذكاء المجتمع المصري، فالنظر إلى الأمور ببساطة يمنع تفاقمها، وبالتالى فإن النكتة أحد أفضل الوسائل التى تمنع ازدياد الأمور تعقيداً، ولذلك يشتهر الشعب المصرى بأنه «ابن نكتة».

وتوضح د. سامية أن الكثير من المجتمعات تفتقد بساطة المصريين فى التعامل مع مواقف الحياة اليومية، فعلى سبيل المثال المجتمع الألمانى الذى يتسم بالجدية والصرامة حتى فى أبسط الأشياء، ما قد يؤدى إلى تفاقم أبسط المشاكل بين أفراد المجتمع، مؤكدة أن الطبيعة الساخرة للمجتمع المصرى لا تعنى أنه يتنازل عن محاسبة المقصرين والمخطئين، ولكنها تعبير بشكل غير مباشر عن حالة من عدم الرضى.

الكوميديا السوداء

ويبدو أن النقد الساخر والكوميديا السوداء ليست جديدة على المصريين، ويقول بسام الشماع الباحث فى علم المصريات، إن فكرة «الكوميكس» موجودة منذ العصر الفرعوني، ولكن بشكل مختلف، حيث كان ينتقد المصرى القديم السلوكيات والسياسات الخاطئة فى المجتمع، ويقوم بتدوينها على قطعة من الحجر أو الفخار المكسور وتسمى بالشقافات، والتى احتوت على انتقادات كثيرة للأوضاع الاجتماعية فى مصر القديمة.

ويضيف الشماع، أن عددا كبيرا من المتاحف المصرية يحتوى على لوحات فنية تنتمى للعصر الفرعونى تعكس روح السخرية والنقد فى مصر القديمة، لافتاً إلى النقد الساخر لدى المصريين القدماء لم يقف عند الظواهر الاجتماعية فقط، ولكنه فى بعض الأحيان طال الملك والكهنة، خاصة فى الأوقات التى سادت فيها المجاعات، أو إقرار بعض القرارات التى رفضها المجتمع.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة