لواء أ. ح. سيد غنيم
لواء أ. ح. سيد غنيم


قلم ووطن

هل تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها؟

لواء دكتور سيد غنيم

السبت، 26 أكتوبر 2019 - 07:54 م

تلبية لدعوة من القيادة المركزية الأمريكية لإلقاء محاضرة بقاعدة ماكديل الجوية بمدينة تاميبا بولاية فلوريدا يوم الأربعاء الموافق 16 أكتوبر، كانت المحاضرة بعنوان «التنافس الإستراتيجى فى الشرق الأوسط: الفرص والتحديات فى ديناميات أمنية جديدة»، والمشاركة فى عدة حلقات نقاش، سمحت لى الظروف للتعرض لنقاط كانت تشغل بالى لفترة طويلة، منها «هل تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها؟».
فرغم أن جميع الرؤساء الأمريكيين قد اكدوا على التمسك بالتحالفات الدولية والإقليمية، وآخرها ما أكده الرئيس دونالد ترامب فى إستراتيجية الأمن القومى الأمريكى الصادرة فى 17 ديسمبر 2017، حيث اكد على تقوية كافة التحالفات الأمريكية سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية وبما يضمن تحقيق الأهداف الإستراتيجية الأمريكية وحماية المصالح المشتركة للولايات المتحدة وحلفائها. إلا أننى قد لمست بنفسى خلال زياراتى الأخيرة المتكررة، لطوكيو وسول وتايبيه وبروكسل وتيجوسيجالبا وغيرها، أن هناك اعتقادا مشتركا بين صناع القرار بأن الولايات المتحدة بدأت بالفعل فى التخلى عن حلفائها سواء دولا أو حكومات أو حركات انفصالية، وربما أهم أمثلة لذلك قرارات ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية التى وقعت عليها الدول الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن وألمانيا والاتحاد الأوروبي، والانسحاب من اتفاقية مجابهة التغيرات المناخية، وكذا تصريحات ترامب الموجهة لدول آسيا كاليابان وكوريا والهند والصين وغيرها بضرورة قيامهم بدفع قوات بحرية لتأمين مصادر النفط بمضيق هرمز فى مواجهة إيران، حيث إن الولايات المتحدة كانت تبرر وجودها فى منطقة الشرق الأوسط أنها تؤمن مصادر النفط لحلفائها، الأمر الذى اعتبرته هذه الدول تخليا عن طبيعة الدور الأمريكى الذى تقوم به لحماية مصالح حلفائها، ناهيك عن التواجد العسكرى الصغير نسبياً فى جيبوتى من أجل حماية السفن اليابانية العابرة بمضيق باب المندب ضد القرصنة. مثال آخر بشأن ما يدور حول تخلى الولايات المتحدة عن القوات الديمقراطية السورية (قسد) والمشكلة من عناصر كردية، حيث تركتها بقرار انسحاب قواتها من سوريا، فريسة للقوات التركية المكلفة بتنفيذ العمليات العسكرية فى سوريا.
وخلال نقاشاتى بالقيادة المركزية الأمريكية وإعداداتى السابقة لها لاحظت مزيجا من ثلاثة أمور رئيسية.. الأول وهو براجماتية العقيدة (الترامبية) كما يسميها الساسة الأمريكيون وعنوانها «أمريكا أولاً» حيث تركزالإدارة الأمريكية الحالية على الشأن الداخلى الأمريكى ولو على حساب بعض التحالفات الأمريكية وسياساتها الخارجية.. والثانى هو تزايد عدم الانسجام الأمريكى الداخلى بين مؤسسات صنع القرار (هو أمر يعد معتادا نسبياً) حيث كثيراً ما يختلف الكونجرس أحياناً والبنتاجون أحياناً أخرى مع قرارات الرئيس الأمريكي، بل كثيراً ما يختلف أعضاء الإدارة الأمريكية والذين اختارهم الرئيس الأمريكى بنفسه مع العديد من قراراته.. أما الأمر الثالث فهو الإستراتيجية العامة الأمريكية والتى تحولت فى الشرق الأوسط إلى ما سماه أوباما «القيادة من الخلف» حيث تنسحب بعض القوات الأمريكية من بؤر عديدة للصراع وتقوم بمعاونة الدول الحليفة بتلك البؤر على استكمال إدارة الأزمات ولكن بدعم أمريكى وربما بما يتسق مع الاستراتيجية الأمريكية العامة فى المنطقة. وفى الأمور الثلاثة التى عرضتها تظهر ثغرات هامة ساعدت على التغير الواضح فى الديناميات (التحركات والتفاعلات) الأمنية والاقتصادية تمكنت من خلالها روسيا والصين من جذب بعض الحلفاء المهمين للولايات المتحدة سواء فى الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا بل وأمريكا اللاتينة، وذلك فى إطار الاستقلال والخروج المرحلى من عباءة التبعية المطلقة (السياسية والاقتصادية والأمنية) للولايات المتحدة، والدخول فى اتفاقيات مناظرة مع دول الصين وروسيا ودول أوروبية هامة تعد جميعها منافسة للولايات المتحدة.
< زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
استشارى الأمن القومى والدفاع

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة