أعلام البلدان الثلاثة
أعلام البلدان الثلاثة


«المحاصصة السياسية».. هوية نظام الحكم في لبنان والعراق و«البوسنة والهرسك»

أحمد نزيه

الإثنين، 28 أكتوبر 2019 - 06:36 م

المحاصصة السياسية.. نظام حكم كانت الطائفية هي عنوانه العريض، فهو يعتمد على توزيع مواطن الحكم والسيادة على أساس طائفي أو ديني أو عرقي، فهو نظامٌ أوجدته الطائفية، وفي كثيرٍ من الأحيان تكون الطائفية هي معضلته، والسبب في تصدير الأزمات للسلطة الحاكمة.

وفي وقتٍ تعيش لبنان والعراق على وقع احتجاجاتٍ شعبيةٍ عارمةٍ، تندد بتردي الأوضاع الاقتصادية وتدهور الحالة المعيشية في البلدين، عاد نظام المحاصصة السياسية ليوضع تحت المجهر من جديدٍ، خاصةً في ظل بعض المطالب الشعبية بإسقاطه في البلدين، اللذين تستشري فيهما الاحتجاجات الشعبية هذه الأيام.

لبنان

البداية مع لبنان، التي تطبق نظام المحاصصة السياسية منذ نحو 30 عامًا، بعدما أفضى اتفاق الطائف، الذي رعته السعودية، في نوفمبر عام 1989، إلى هذا الشكل من نظام الحكم، الذي يتقاسم خلاله المسلمون والمسيحيون بطوائفهما المختلفة مقاعد البرلمان وسلطة الحكم.

واتفاق الطائف هو الذي وضع حدًا للحرب الأهلية في لبنان، والتي دامت لنحو 15 عامًا، ودارت رحاها بين عامي 1975 و1990.

(للمزيد طالع: في أيام الاحتجاجات.. 30 عامًا على اتفاقٍ أنهى الحرب الأهلية في لبنان)

وتتبع لبنان نظام المحاصصة السياسية، سواء على مستوى البرلمان أو على مستوى تقاسم السلطات، ويتألف مجلس النواب اللبناني من 128 عضوًا، مقسمين بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، بواقع 64 مقعدًا لكلٍ منهما، ويستأثر مسيحيو المارونية بأكبر عدد من المقاعد يبلغ 34 مقعدًا، في حين يحوز مسلمو السنة والشيعة 27 مقعدًا لكل طائفةٍ منهما، في حين يتقاسم الطوائف الدينية الأخرى باقي مقاعد البرلمان.

ونظام المحاصصة السياسي في لبنان يعتمد أيضًا على تقاسم السلطات، وفي لبنان يشترط أن يكون رئيس الجمهورية مسيحي ماروني، وحاليًا هو ميشال عون، زعيم حزب التيار الوطني الحر، ورئيس الوزراء من المسلمين السنة، وحاليًا هو سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، أما رئيس مجلس النواب، مسلمٌ شيعيٌ، وهو حاليًا نبيه بري، زعيم حركة أمل الشيعية.

العراق

نظام الحكم في العراق، لا يختلف كثيرًا عن لبنان، فنظام المحاصصة السياسية حاضرًا في مشهد توزيع سلطات الحكم في البلاد.

ومنذ الغزو الأمريكي للعراق وزوال نظام صدام حسين، تتبع العراق نظام تقاسم السلطات بين الطوائف المختلفة في البلاد، ويشترط أن يكون رئيس البلاد من الأكراد، ويشغل المنصب حاليًا برهم صالح.

ومنصب الرئاسة في العراق شرفيٌ إلى حدٍ كبيرٍ في ظل دولة تعتمد على نظام الحكم البرلماني، الذي يجعل من رئيس الوزراء المنتخب من قبل البرلمان حاكمًا فعليًا للبلاد.

ومنصب رئيس الوزراء في العراق يحتكره المسلمون من الطائفة الشيعية، ويتبوأ هذا المنصب حاليًا عادل عبد المهدي، في حين يتولى أحد المسلمين السنة منصب رئيس مجلس النواب، وهو حاليًا يشغل المنصب محمد الحلبوسي.

وطريقة انتخاب مجلس النواب في العراق، المكون من 329 عضوًا، لا يتم تقسيمها على أساس طائفي مثل ما يحدث في لبنان، ولكن في الوقت ذاته يتم منح الأقليات الدينية والعرقية هناك تمثيلًا خاصًا يعتمد على نظام "الكوتة"، حيث يتم انتخاب 320 نائبًا بصورةٍ مفتوحةٍ، والتسع مقاعد المتبقية مخصصة للكوتة.

وتتوزع مقاعد الكوتة بين ست مدن، بواقع ثلاث مقاعد في محافظة نينوى مخصصة للمسيحيين والطائفة الايزيدية ومجموعة الشبك (مقعد لكل طائفة منهم)، ومقعدين في العاصمة بغداد يتقاسمهما المسيحيون والطائفة الصابئة المندائية، ومقعد واحد في كلٍ من أربيل وكركوك ودهوك مخصصٍ للمسيحيين هناك، ومقعد وحيد في محافظة واسط، مخصص لطائفة الكرد الفيلية. 

البوسنة والهرسك

وجه آخر للمحاصصة السياسية، يوجد في دولة البوسنة والهرسك، التي تملك واحدًا من أكثر أنظمة الحكم تعقيدًا في العالم، والذي يقسم السلطة بين ثلاث طوائف في المجتمع البوسني، وهم مسلمو البوشناق وصرب البوسنة وكروات البوسنة.

البوسنة والهرسك هي جمهورية تأسست بعد انفصالها عن يوغسلافيا عام 1992، وأدى ذلك الانفصال إلى حربٍ ضروسٍ، تعتبر واحدة من أبشع حروب التطهير العرقي في العالم، حيث خاض العرق الصربي حربًا ضد مسلمي البوشناق والكروات، بدعمٍ من بلجراد، بعدما كان صرب البوسنة يرفضون الانفصال عن يوغسلافيا.

وأدى الصراع العرقي إلى مقتل ما يربو على 100 ألف شخصٍ، خلال حربٍ دارت رحاها بين عامي 1992 و1995، ووضعت أوزارها بتوقيع معاهدة دايتون للسلام عام 1995، والتي تعتبر بمثابة ملحقٍ لدستور البلاد.

ودارت مفاوضات معاهدة دايتون في قاعدة رايت بيترسن الجوية قرب مدينة دايتون الأمريكية، في نوفمبر عام 1995، واستمرت لثلاثة أسابيع قبل أن تفضي إلى بلورة اتفاقية سلام بين طرفي النزاع في البوسنة والهرسك.

ونصت المعاهدة على تقاسم السلطة بين طوائف المجتمع الثلاث، بالتساوي فيما بينهما، رغم اختلاف تمثيل كل طائفة داخل البوسنة من حيث الكتلة السكانية.

ويمثل مسلمو البوشناق الأكثرية في جمهورية البوسنة والهرسك، ونسبتهم 48%، ثم صرب البوسنة يمثلون 37.1% من إجمالي السكان، والكروات تبلغ نسبتهم 14.3%.

نظام معقد

ونظام الحكم في البوسنة والهرسك هو مختلطٌ بين الرئاسة والبرلمان. وللبلاد ثلاثة رؤساء يشكلون المجلس الرئاسي، حيث تُمثل كل طائفة برئيسٍ لها في المجلس الرئاسي، وتنتخب كل طائفة ممثلها في المجلس.

مدة ولاية المجلس الرئاسي 4 سنوات، ولا يجوز إعادة انتخاب ممثل الرئاسة عن كل شعبٍ من الشعوب الثلاثة إلا لمرةٍ أخرى فقط.

ويتناوب الرؤساء الثلاثة على رئاسة المجلس كل ثمانية أشهر، بواقع مرتين لكل ممثل، إلى حين انقضاء الولاية الرئاسية.

أما بالنسبة للبرلمان، فهو يتشكل من مجلسي النواب والشعب، فمجلس النواب يتألف من 42 عضوًا، ينتخبون جميعهم بنظام التمثيل النسبي، وتبلغ حصة كل طائفة 14 مقعدًا، ويتم انتخاب صرب البوسنة لحصتهم البالغة 14 مقعدًا بمفردهم، في حين يُنتخب الـ28 عضوًا، الممثلين لكيان اتحاد البوسنة الكرواتي، الذي يضم مسلمي البوشناق والكروات، مجتمعين على حدٍ سواء، بمنأى عن صرب البوسنة.

وبالنسبة لمجلس الشعب، فهو يتألف من 15 عضوًا، تبلغ حصة كل طائفة عرقية خمسة أعضاء، بالتساوي بين الطوائف الثلاث.

ومسألة اتخاذ أي قرار في البرلمان سواء في مجلس النواب أو مجلس الشعب تبقى من الأمور المعقدة، ففي مجلس النواب، علاوةً على ضرورة تصويت الأغلبية المطلقة لصالح أي قرار (نسبة الـ50%+1")، والتي تبلغ 22 عضوًا على الأقل، ينبغي أن يُصوت ثلث كل طائفة على الأقل لصالح هذا القرار، بواقع خمسة أعضاء من كل شعبٍ كحدٍ أدنى.

أما في مجلس الشعب، فينبغي موافقة تسعة أعضاء على الأقل على مشروع أي قرار من أصل خمسة عشر، على أن يكون كل طائفة قد صوت ثلاثة من ممثليها لصالح هذا القرار أو مشروع القانون.

يشار إلى أن الكيانين الممثلين لدولة البوسنة والهرسك سواء الاتحاد البوسني الكرواتي وجمهورية صرب البوسنة لهما برلمانهما الوطني المستقل لكلٍ منهما، ويبلغ أعضاء برلمان الاتحاد البوسني الكرواتي 98 عضوًا، وجمهورية صرب البوسنة 83 عضوًا.

وخلاصة القول أن نظام المحاصصة السياسية في البوسنة والهرسك لا يتمتع فيه المسلمون، أصحاب الأكثرية، بأي ميزةٍ بالنسبة لعددهم، سواء في التمثيل داخل البرلمان أو تصدر مشهد الحكم.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة