عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

عن العدل فى تقسيم الأرزاق نتحدث

بوابة أخبار اليوم

السبت، 23 نوفمبر 2019 - 06:33 م

تؤكد المعطيات والحقائق أن مؤشرى الفقر والغنى فى العالم مرتبطان ارتباطا وثيقا وشديدا، فما أن يتململ أحد المؤشرين إلا ويتداعى له المؤشر الآخر، لكن، إذا كان هذا الترابط طبيعيا وتلقائيا، إلا أن ما هو غير عاد ويعاكس منطق الارتباط، هو أن ينحصر التفاعل الناتج عن هذا الترابط فى منحى واحد، بحيث بالقدر الذى تتوجه فيه معدلات الفقر فى العالم نحو الارتفاع المهول، بما يعنى ذلك من تدنى مستويات العيش الكريم، لدى مئات الملايين من الأشخاص فى مختلف بقاع المعمورة فإنه بالقدر نفسه تزداد دائرة الأغنياء ضيقا، وترتفع قيمة الثروات حيث تواصل هذه الفئة القليلة من المحظوظين مراكمة مزيد من الثراء.
ولعل التقرير الحديث الصادر عن معهد (كريدى سويس للبحوث)، خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضى يثبت هذه الحقيقة، ويعرضها للرأى العام الدولى مجردة من أية رتوشات تجميل أو تنميق، حيث تؤكد مضامين هذا التقرير، أن 46٫8 مليون شخص من سكان العالم استحوذوا إلى غاية منتصف السنة الجارية،على ما قيمته300 158 مليار دولار أمريكي، أي ما يمثل نسبة44 بالمائة من إجمالي قيمة الثروات العالمية، وهذا يعني أن أقل من 47 مليون شخص يملكون حوالى نصف الثروة الرائجة فى العالم، بيد أن أكثر من 7٫5مليار شخص بأصقاع المعمورة يتصرفون في النصف الآخر من الثروة العالمية، وفي هذا المعطى الصادم تأكيد على الاختلالات العميقة والفظيعة، التي تشوه بنية توزيع الثراء العالمي بين سكان الكرة الأرضية. وغني عن البيان، أن أسبابا كثيرة تفسر وجود وسيادة هذه الاختلالات، إذ إن النظام الاقتصادى العالمى المبنى على أداء الشركات العابرة للقارات، التى تتحكم فى الدورة الدموية السائلة داخل أوعية جسد النظام الاقتصادى العالمي، ووجود مصارف عملاقة تقبض بأنظمة الصرف وتوجه الاستثمارات، وتحدد أسعار الفوائد، وتقدم القروض مقابل شروط معينة، وسيادة قوانين وقواعد التبادل التجارى العالمى تنظم سريان المصالح الاقتصادية والمالية وهيمنة الاستثمارات العملاقة، التى تكرس الاحتكار وتتحكم فى سوق الشغل العالمية، كل هذه الأسباب تحدد هدفا واحدا لها يتمثل فى تكريس واستمرار هذا النظام الاقتصادى العالمي، الذى يمكن الكبار من مواصلة التحكم فى مصادر الصغار.
لذلك، حينما يؤكد التقرير الصادم أن قيمة الثروة العالمية ارتفعت خلال السنة الفارطة، بنسبة 2٫6بالمائة لتصل إلى360 تريليون دولار (360ألف مليار دولار)، فإن هذا الارتفاع لم يكن عادلا ليطال كل سكان المعمورة، بل إن تأثيراته اقتصرت على المحظوظين والمستفيدين مما هو سائد، وهكذا يزيد التقرير فى التوضيح، أن التوزيع المنصف لهذا الرصيد الضخم من الثروة العالمية يفرض أن يستفيد كل شخص من سكان العالم، عبر امتلاكه ما معدله 85070 دولارا، وهذا ما يفيد أن هذا المعدل زاد بنسبة 1٫2 عما كان عليه فى السنة السابقة،إلا أن هذا العدل لايتحقق فى التوزيع، ذلك أن أقل من47مليون شخص فى العالم يستحوذون على حوالي نصف هذه الثروة العالمية،وأن هذه الأقلية المحتكرة للثراء العالمى من الأفراد فائقى الغنى، متمركزة فى أمريكا الشمالية ( حوالى 50 بالمائة )، وفى أوروبا ( 20 بالمائة )، وفى بعض بلدان آسيا والمحيط الهادئ ( 14 بالمائة )، بيد أن الأشخاص الذين يعيشون خارج هذه المناطق وتحديدا فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض مناطق آسيا، لا يملكون إلا الفتات مما تبقى من الثروة العالمية بنسبة لا تتعدى 18 بالمائة، ولا مجال للمقارنة بين إحدى دول هذه المناطق، الشاسعة فى العالم التى اتجه فيها معدل الفقر نحو الارتفاع، وبين المعدل المرتفع جدا لنمو ثروة الأسر المعيشية بدولة أوروبية صغيرة فى حجم سويسرا والتى زادت خلال السنوات الممتدة من سنة 2000 إلى 2019 بنسبة 45 بالمائة، وأضحت بذلك بلاد المصارف تتربع على مقدمة ترتيب الدول، بالنسبة لمعدل امتلاك الشخص الواحد للثروة، والذى زاد بـ 144 بالمائة لتصل قيمته إلى 650564 دولارا، بيد أنه يجرى نقاش صاخب فى العشرات من أقطار المعمورة حول السبل الكفيلة للرفع من مستوى دخل الفرد اليومي، الذى يقل عن دولارين اثنين مما يجعل مداخيل أفرادها تحت عتبة الفقر المدقع.
وفى هذا الصدد يشير التقرير إلى أن الفقراء والذين يملكون أقل من 248 دولارا للفرد الواحد يمثلون 20 بالمائة من سكان العالم، وهذا يعنى أن أقل من 47 مليون شخص، وكلهم ينتمون إلى الدول المحظوظة، يملكون 600 مرة أضعاف ما يملكه مليار شخص فى العالم، وهذا وحده كاف للتدليل على الاختلالات الفظيعة، فى توزيع الثروة العالمية بين سكان يشتركون فى الانتماء إلى نفس الأرض، وإلى المجتمع البشرى الواحد، وتغطيهم نفس السماء، ويمارسون نفس الحياة، إلا أن طبيعة النظام الاقتصادى الظالم قسمت الأرزاق بينهم، فمنهم من يشكو من تخمة الثراء الفاحش، ومنهم من تعوى بطونهم من الجوع ويقتات بعضهم من حاويات الأزبال.
 نقيب الصحافيين المغاربة

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة