د.حنان يوسف
د.حنان يوسف


حوار| رئيس المنظمة العربية للتعاون الدولي: الإعلام مطالب بمساندة القيادة السياسية في مكافحة الإرهاب

راوية عبدالباري

الأحد، 24 نوفمبر 2019 - 12:41 ص

- الخطابان الثقافى والإعلامى يؤثران فى الوعى وتوجيه الرأى العام

فى الوقت الذى أصبح فيه الإرهاب بجميع اشكاله ظاهرة عالمية تخطت أخطارها كل الحدود وأدركت كل دول العالم وشعوبه حتمية تنسيق الجهود لمحاصرته والتصدى له، كان الإعلام حاضراً على الدوام بوصفه محدداً مهماً لتفاقم ظاهرة الإرهاب، وفى ذات الوقت وسيلة مهمة للقضاء عليها.


ومن منطلق ما تعانيه مصر من خطر الارهاب الغاشم اجتمع نخبة من الخبراء فى المجال الإعلامى لمناقشة أداء الإعلام المصرى الرسمى والخاص خاصة بعد حالة الجدل التى أثارها فشله النسبى فى تناول ومعالجة العمليات الارهابية الاخيرة والأداء الإعلامى المرتبك لقضية الارهاب هنا جاءت مبادرة مدنية من المنظمة العربية للحوار والتعاون الدولى برئاسة أ.د.حنان يوسف الاستاذ بإعلام جامعة عين شمس وعميد كلية اللغة والإعلام بالاكاديمية البحرية.حول  المبادرةوأهدافها كان لنا معها هذا الحوار.


 ما الآليات التى تبنى عليها استراتيجية مكافحة الارهاب؟
يجب وضع الضوابط والمعايير لمهنة الإعلام فيما يتعلق بصفة خاصة بالارهاب بحيث تكون جهة ضابطة للأداء الإعلامى على غرار التجارب الدولية المماثلة فى أكثر الدول ديموقراطية فى تناولها لقضايا الارهاب والعمل على انتاج مدونات السلوك والأدلة الاسترشادية الضابطة فى المؤسسات الإعلامية المختلفة فى تناولها لقضايا الارهاب وإعداد الإعلاميين وتأهيلهم للتعامل مع ظاهرة الارهاب وفق مهنية عالية وذلك من خلال تنظيم الدورات التدريبية الإعلامية والحلقات النقاشية وورش العمل الخاصة بمكافحة الارهاب والتطرف بالاضافة إلى ضرورة حرص وسائل الإعلام على عدم المبالغة والتهويل فى تغطية العمليات الإرهابية والتركيز على إبراز الآثار السلبية الناجمة عنها ومناشدة وسائل الإعلام بتوخى الحذر الشديد عند تغطية الاحداث الارهابية واعتبار وسائل الإعلام التى تدعم تلك التنظيمات جزءا من الإرهاب التكفيرى وتطوير التنسيق بين المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة لفضح التنظيمات الارهابية وكشف مصادر تمويلها وتسليحها.
المنظمة العربية 
 بصفتك رئيسة للمنظمة العربية للحوار والتعاون الدولى للحوار وبناء الجسور بين الثقافات والحضارات.. ما رأيك فيما يحدث الآن من الأداء الإعلامى المرتبك؟
انشغلت المنظمة العربية برصد ما تشهده الساحة الإعلامية المصرية الآن من أداء إعلامى الأمر الذى قد يؤثر على مصالح الوطن والدولة المصرية فى هذه المرحلة المصيرية التى تواجهها مصرنا الحبيبة وقمنا بإجراء عدد من الدراسات الإعلامية الميدانية والتحليلية حول أداء الإعلام المصرى والتى اثبتت معظم نتائجها وجود مشكلة حقيقية فى أداء الإعلام المصرى وانه ليس بالمأمول فى هذه المرحلة وبصفة خاصة أمام ما تعانيه مصر من خطر الإرهاب الغادر، ومن هنا كان من رصد ملامح واقع وأداء الإعلام المصرى وتقديم رؤية مستقبلية عن الأداء المأمول الذى ينبغى أن يقدم من قبل الإعلام المصرى فى هذه المرحلة من خلال اجندة واضحة المعالم محددة للخروج بمعطيات مساعدة ليكون الإعلام المصرى أداة رئيسية من أدوات دعم القيادة السياسية ومشروع الدولة المصرية وبصفة خاصة فى مواجهة الإرهاب الغادر الذى يتربص بالوطن.
 وما أشكاليات وواقع الإعلام المصرى؟
رغم أهمية الإعلام كأداة مهمة فى تشكيل وعى ووجدان وسلوكيات أفراد المجتمع مع حدة الأزمات والصراعات الداخلية والخارجية ومخاطر الإرهاب التى يواجهها المجتمع المصرى إلا انه من الملاحظ ان الإعلام المصرى لم يساعد كثيرا فى ترتيب أولويات المواطن المصرى رغم أننا نحتاج  إلى الاصطفاف حول المصلحة الوطنية والحفاظ على الأمن القومى للبلاد وهو مسئولية مجتمعية حاكمة وضرورية للإعلام الوطنى فى أى دولة تواجه الاخطار داخليا وخارجيا مثلما هو الأمر فى الحالة المصرية الآن.


الإعلام المصرى 
وماذا عن مستقبل الإعلام المصرى؟
هذا المشهد يفرض تحديا حقيقيا لإثبات مدى وطنية وجدية الإعلام المصرى فى السعى إلى تقديم خطاب جديد خلال فترات الأزمات والمواقف الاجتماعية الصعبة لتقليل الاختلافات بين أعضاء المجتمع المصرى وتعزيز معدلات الاصطفاف الوطنى وراء مشروع الدولة بدلا من تكريس روح العداء والتفرقة مما يخلق حالة من التشرذم والتفتيت والانقسام ربما لاقدر الله تلتهم فى طريقها الأخضر واليابس على حد سواء، وهنا تأتى مبادرة لرسم ورصد ملامح الإعلام المصرى والسعى إلى تعزيز دوره فى اعادة بناء ابعاد ومكونات الهوية فى المجتمع المصرى من أجل تحقيق هذا الاصطفاف الوطنى والابتعاد عن فخ التشرذم فى اطار استراتيجية اعلامية واضحة لمواجهة الإرهاب.


إننا فى حاجة ماسة لإبراز المشروع المصرى فى وسائل الإعلام بطريقة مهنية وموضوعية تظهر النظام القيمى المصرى وهو ما قد يتطلب معه توظيف جميع آليات زيادة الانتماء للوطن والعمل على النهوض به وابراز القواسم المشتركة التى من شأنها احداث حراك مجتمعى متجانس مكمل لدعم ترسيخ صور ذهنية قومية ايجابية فى تقديم صورة مصر أمام العالم من خلال خطابات الإعلام الموجهة للداخل أو الإعلام الدولى على صعيد الدوائر الخارجية.


رؤية سياسية 
 هل هناك انفصال بين الخطاب الثقافى والخطاب الإعلامى؟
الواقع يؤكد أن الخطابين الثقافى والإعلامى وجهان لعملة واحدة تؤثر فى تنمية وعى المواطن وتوجيه الرأى العام وتكوين رؤية سياسية لما يحدث داخل المجتمع.. ويجب أن نعلم تماما ان الخطاب الثقافى خطاب شامل بل هو المركب الذى يشتمل على المعرفة والعادات والفن والاخلاق والقانون والعقائد وغيرها من القدرات التى يكتسبها الفرد باعتباره عضوا فاعلا فى المجتمع، ومن ثم فإن الخطاب الإعلامى عليه حينما يضع رؤيته ان ينظر إلى هذا المركب الثقافى ليؤكده من خلال برامجه وعروضه الفنية.


والوطن هو الجسم الذى يحتاج إلى معاونة جميع أعضائه لكى ينمو ويستمر ويقوى ويقاوم فلو تخلى عضو عن وظيفته أصاب الجسد خلل شديد، وهذا الخلل هو ما نعيشه اليوم فى صورة تراجع دور الإعلام ودور الثقافة عن ملاحقة ومؤازرة الواقع مما نتج عنه اتاحة الفرصة للفكر المغلوط وللافكار الخطيرة التى تزحم الأدمغة بالمفاهيم المتشددة التى تؤدى إلى الفكر الإرهابى وتكفير المجتمع. ولذلك يحتم الواقع الراهن على مؤسستى الإعلام والثقافة أن تتعاونا فى وضع رؤية صحيحة فاعلة تقوم على محددات المجتمع المصرى وقيمه الايجابية التى تدفع المواطن إلى مزيد من العمل والانجاز.
 ما  الإرهاب وكيف نواجهه؟
الإرهاب هو كونه فعلا من أفعال العنف يتضمن ارتكاب جرائم خطيرة مثل القتل العمد أو الإحراق أو اختطاف الأشخاص وهو غالبا ما يتم تحقيقا لأهداف سياسية للتأثير على سياسات الدول أو ترويع القائمين عليها.
وليس هناك شك فى أن الإرهاب على مستوى العالم أصبح هو القضية التى تملأ الدنيا وتشغل الناس.. ولذلك لابد من انشاء مرصد يقوم عليه مجموعة من الباحثين المتخصصين لرصد الممارسات الإرهابية وصياغة برامج للأمن الفكرى تتناسب مع الأوضاع المجتمعية والاقتصادية السائدة فى الدولة وأن تكون استراتيجية المواجهة للجماعات الإرهابية متعددة الأوجه تستعمل فيها الوسائل الأمنية والثقافية والتعبئة والاجراءات السياسية فى خطة متكاملة.
وقد تكون عملية تجديد الخطاب الدينى من الوسائل الفعالة فى مجال تفكيك الآراء المتشددة وتذويب الجمود الفكرى لأعضاء هذه الجماعات الإرهابية.
والسياسة الثقافية تتعلق بإعادة صياغة العقل المصرى والذى هو عقل تقليدى صاغته برامج التعليم الحريصة على خلق عقل «اتباعى» وليس عقلا نقديا يضع كل أمور الحياة موضع المساءلة، وعلى مؤسسات المجتمع المدنى دور كبير فيمكنها استقطاب الشباب التائهين بغير دور يلعبونه فى المجال العام مع انهم يمتلكون الطاقة والحيوية التى يمكن أن تكون دافعة للنهوض الاجتماعى وخصوصا إذا ما توجهت مؤسسات المجتمع المدنى إلى برامج التنمية والتنوير الثقافى.
وأحد المداخل المهمة لسياسة ثقافية فعالة هو التعريف العلمى الدقيق على ثقافة الشباب ورسم الملامح الدقيقة لرؤيتهم العالم وخصوصا استخدامهم الواسع المرئى لوسائل الاتصال الاجتماعى الجديد والتى أصبحت شبكات فعالة لنشر الأفكار صحيحة كانت أو زائفة وكذلك للترويج للقيم الاجتماعية والتى قد يكون بعضها قيما اجتماعية أو دينية منحرفة.
والمواجهة الفعالة للإرهاب تقتضى ثورة تعليمية وثورة ثقافية تسعى إلى تأسيس العقل «النقدى» وفق قيم اجتماعية جديدة قادرة على التفاعل مع الأوضاع الحضارية للعالم المعاصر.. ولابد من تنقية صورة الدين الاسلامى والصورة المشوهة التى يذيعها الإرهابيون وضرورة أن يقوم الأزهر الشريف بنقد التفسيرات الإرهابية المغلوطة للقرآن الكريم.
ولابد من التركيز على التغيير الجوهرى لنظام التعليم الذى يقوم على التلقين وليس على التحليل وترشيد النظام الإعلامى ليصبح أداة للتفكير الخلاق ويستدعى ذلك فى المقام الأول تغيير نمط التنشئة الاجتماعية لكى يقوم على أساس تنمية الابداع وتشجيع الحوار الخلاق وان العقل هو معيار الحكم على الأشياء.
ويعد الإرهاب الفكرى أخطر أنواع الإرهاب وأكثرها خطورة فهو يسعى لتجميد العقل وقتل الحريات وتكميم الأفواه ومصادرة حريات الآخرين فى الابداع والتفكير وحق الاختلاف.
وكذلك فإن الإرهاب الفكرى هو الخطر الحقيقى على الشعوب فمواجهة الإرهاب الدموى الذى يلجأ إلى القتل والعنف والترويع وحمل السلاح اسهل بكثير من محاولات نزع فكرة مختلفة من عقل انسان.. وهنا تبدو أهمية التفكير النقدى فى كونه أكثر الوسائل فعالية لمواجهة حملات الخداع والتضليل ورفع الوعى الإعلامى للجماهير.
المشاركة الايجابية 
 ما الأدوار الايجابية للإعلام فى مواجهة الإرهاب؟
تقديم القدوة الصالحة والنماذج البناءة التى تعمل لصالح المجتمع وتهيئة روح المشاركة الايجابية فى التنمية.. والاستعانة ببعض البرامج فى الرد على مزاعم المغرضين وصناع الاثارة وتوظيف الدراما فى الكشف عن الوجه القبيح للإرهاب وتوعية الجماهير بالخسائر التى سببها الإرهاب وبأنهم معرضون لهذه الخسائر إذا لم يشاركوا فى مواجهته.. والتأثير على مصير الإرهابيين المحتوم الذى لا فرار منه إلا بالموت لهم والخراب لأسرهم وسخط المجتمع عليهم لما يسببونه من خسائر مادية وبشرية.
ما الأدوار السلبية لوسائل الإعلام؟
تضخيم المعاناة وعدم الاحساس بالرضا والقناعة من خلال بعض البرامج والمقالات التى تتحدث عن الظلم الاجتماعى.. وعدم قيام وسائل الإعلام بدورها فى التنشئة الاجتماعية السوية والتربية الدينية الصحيحة وترك الساحة للمتطرفين فى تفسير الدين بما لا يتفق مع الإسلام الصحيح، اضفاء البطولة الزائفة على الإرهابيين وتسليط الأضواء عليهم من خلال التركيز المستمر فى مختلف الوسائل على تفاصيل العمليات الإرهابية وهو ما يحقق لهم دعاية مجانية واسعة تدفعهم إلى التمادى فيما يفعلون وتدفع بعض الساخطين إلى الانضمام إليهم.. ومن هنا كانت المعادلة الصعبة بين الإعلام الصادق من الأحداث وتجنب الآثار السلبية للتفاصيل المثيرة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة