أسامة السعيد
أسامة السعيد


خارج النص

بأى ذنب انتحروا!!

د. أسامة السعيد

الإثنين، 23 ديسمبر 2019 - 07:42 م

للزعيم السوفيتى جوزيف ستالين مقولة مؤثرة هي: «موت فرد مأساة، موت مليون مجرد إحصائية»، وبالفعل عندما يتحول البشر إلى مجرد أرقام يكون ذلك بداية المأساة، وهذا ينطبق بقوة على معدلات الانتحار فى مصر التى بات كثيرون منشغلين بها مؤخرا، فرغم أن مصر ذات المائة مليون مواطن لا تتجاوز حالات الانتحار بها سنويا ٣٨٠٠ حالة وفق منظمة الصحة العالمية، ورغم أنها تأتى فى ذيل القائمة بعد عشرات الدول الغنية والكبرى، لكن ذلك لا يعنى ألا نهتم.. فكل نفس تذهب هباء وبتلك الطريقة التى تشير إلى اليأس من الحياة هى مأساة حقيقية، خاصة أن معظم المنتحرين من الشباب، ومعظم حالات الانتحار الأخيرة كانت لشباب لا يكاد يجاوز العشرين من العمر، وفى تقديرى فإن هذا الفئة العمرية قد تعرضت لحالة من التشوه الفكرى والوجدانى والعقائدى، فضلا عن ضغوط نفسية وعصبية هائلة ربما تكون أحد الأسباب الرئيسية فيما وصلوا إليه من هشاشة.. أقول ذلك وأنا أراقب مئات الشباب الذين أتعامل معهم فى مواقف مختلفة فى الجامعة والتدريب الصحفى والندوات والمؤتمرات، كثير منهم يعانون من فراغ فكرى وعزلة اجتماعية فادحة، ففى الوقت الذى كان هؤلاء الشباب يحتاجون إلى التنشئة الفكرية والروحية المتسامحة والمعتدلة، كانت مصر كلها تمسك فى تلابيب بعضها البعض خلال السنوات التى أعقبت ٢٠١١، فالدين تحول إلى «خناقة سياسية»، دون الالتفات إلى دور المؤسسات الروحية فى بناء عقيدة هذه الأجيال الناشئة، والإعلام أصبح ساحات لتصفية الحسابات، دون الانتباه إلى من يشكل وعى ووجدان هذه الملايين الصاعدة، والمؤسسات الثقافية أصابها الشلل تحت وطأة التحولات والتغييرات العميقة خلال السنوات الماضية.. لم يجد ملايين الشباب ملاذا يلجأون إليه سوى وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك لا تبنى فكرا ولا تصنع وعيا، بل تنضح سوداوية وسطحية وفراغا مفزعا، وسط انشغال العائلات بكفاحها اليومى من أجل لقمة العيش، فتخبط الشباب فى ظلمات الصمت والعزلة والالتصاق بواقع افتراضى حولهم إلى كائنات لا تقوى على مواجهة الحياة الحقيقية..قد يتحمل المنتحرون وزر يأسهم من الحياة.. لكن المجتمع كله يتحمل وزر عدم منحهم حياة لا تدفعهم إلى اليأس!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة