محمد سعد
محمد سعد


أمنية

«بت شمال»..!

محمد سعد

الأحد، 05 يناير 2020 - 07:37 م

"ويبقى الجانى مجهولا" هكذا الحال دائماً فى أى واقعة تحرش، فالجريمة فضفاضة والاتهام شائع والجناة مجهولون، وسلطة التحقيق يدها مغلولة بين قانون عتيق لم يحدد معالم الجريمة ويكيف مركزها القانونى وبين فتاة تخشى على سمعتها من الفضيحة، وتكون أمام أمرين لا ثالث لهما، إما التنازل عن القضية أو عدم تعرفها على الجناة ومن هنا يأتى الشيوع فى الاتهام الذى تعجز معه النيابة العامة أو محكمة الموضوع فى إثبات الواقعة.


السبت الماضى ذهبت فتاتا المنصورة إلى مقر النيابة العامة وتنازلنا عن المحضر بكامل إرادتهما، وأغلب الظن أنهما حاولنا تلافى الفضيحة، فجريمة التحرش هى الوحيدة التى تنال من المجنى عليه مرتين الأولى أثناء وقوع التحرش والثانية عقب التشهير بالضحية على وسائل التواصل الاجتماعى.


وبصرف النظر عن وجود خطأ لدى الفتاة من عدمه بسبب ملابسها المثيرة، فلا يمكن أبداً عقابها وعقاب أسرتها بهذا الشكل، وأعتقد أنه حتى لو تم تحديد هوية الجناة وتم الحكم عليهم بالسجن فإن عقوبة الفتاة أكثر قسوة وأكبر وطأة وستظل تلازمها لسنوات طويلة وربما طيلة حياتها، أى منطق هذا الذى يقول إن فتاة لم يتعد عمرها الـ 20 ربيعا خرجت للاحتفال بالعام الجديد تواجه كل هذا الكم من الانحراف الأخلاقى خلال دقائق معدودة وأقل ما وصفت به خلالها أنها "بت شمال"، ذلك كله لأن ملابسها قصيرة ولم تحافظ على أخلاق وعادات المجتمع الريفى المتواجدة فيه بسبب دراستها.


اللافت للنظر فى كل وقائع التحرش السابقة والقادمة أن الجناة فى عمر الزهور لم تتخط أعمارهم الـ 20 ربيعا وأغلبهم فى مراحل التعليم الثانوى أو الجامعى، ولنأخذ من حادث المنصورة مثالا حيا، فالمتهمون 7 أشخاص 4 منهم طلاب فى عمر الـ 18 و3 يبلغان الـ 20 منهم جامعيان وآخر ماسح أحذية، هذه الفئة العمرية تعطى للمجتمع الضوء الأخضر ينذر بوجود خطر كبير وخلل فى طريقة التعامل معها وتنشئتها.


مشكلة هذه الفئة تؤكد غياب دور المدرسة فى التربية وتقصير متابعة الأهالى لأبنائهم سواء الصبية أو الفتيات، كما يؤكد نقص شديد فى التوعية المجتمعية والمنوط به الأول وسائل الإعلام ودور الثقافة على اختلاف أشكالها، كما تؤكد الظاهرة وبجلال تراجع الأخلاق والنخوة والشهامة، كل هذه الغيابات أثرت على فكر النشء وتوجهاتهم لنجد أن ظاهرة التحرش أصبحت عبئا على الدولة ككل ويتم وضعها فى الاعتبار عند تأمين كل مناسبة أو عيد.


فتاة المنصورة لم تكن "بت شمال"، كذلك مثيلتها فى وقائع التحرش السابقة ولا المجنى عليهن فى الجرائم اللاحقة، بسبب ملابسهن أو هيئتهن وخير دليل على ذلك فتيات الستينات والسبعينات التى انتشرت فيهن موضة الملابس القصيرة ولم تسجل أى واقعة تحرش واحدة.


- مسك الختام
فتاة المنصورة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة طالما استمر غياب دور المدرسة والمنزل والإعلام والثقافة والدين، فالمنظومة واحدة حلقات متصلة ببعضها البعض أن تلفت أحدهما وخرجت عن مضمونها فرط باقى العقد.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة