جمال فهمى
جمال فهمى


من دفتر الأحوال

مظهرنا ومخبرنا

جمال فهمي

الخميس، 09 يناير 2020 - 04:43 م

للأديب والشاعر الأيرلندى «أوسكار وايلد» (1854 ـ 1900) رواية رائعة، تحمل اسم «صورة دوريان جراى»، ورغم أنها رواية تبدو محملة برسالة فلسفية بالغة العمق إلا أن ذلك لم يؤثر على متعة الحكى الفائقة التى يغرق فيها القارئ من أول سطورها.
أما عنوان الرسالة فى هذه الرواية، فمن الممكن اختصارها فى العلاقة بين «الشكل» الجميل و»القبح» الراقد فى المضمون.
بطل رواية «دوريان جراى» شاب وسيم جدا وبهى الطلعة، وحكايته تبدأ عندما يتعرف عند صديقه الرسام الطيب «باسيل» على اللورد «هنرى» الشرير صاحب الآراء المنحرفة، ويبدى هذا الأخير إعجابه الشديد بلوحة رسمها باسيل لصديقه الشاب تصور وتبرز وسامته وجماله، وإذ يدور بين الثلاثة حوار فإن دوريان فى لحظة يبكى أمام صورته المرسومة وهو يقول إن جمال وجهه سيبقى فى الصورة لكنه فى الواقع سيتآكل بمرور الزمن وسيتشوه ويشيخ ويهرم، وتمنى أمام رفيقيه أن تحدث معجزة فتظهر مفاعيل الزمن على الصورة المرسومة وليس على صفحة وجهه التى يطالع الناس بها.
المهم.. تتحقق المعجزة فعلا عندما تتوثق علاقة الشاب الوسيم باللورد الشرير، ورغم تحذيرات صديقه الرسام من هذا الرجل إلا أن دوريان يبدو أسيرا لآراء «هنرى» وفلسفته المنحرفة فى الحياة، فينطلق فى ارتكاب الآثام والذنوب، وكلما أمعن وذهب بعيدا فى ارتكاباته القبيحة ظهر القبح على اللوحة كما تمنى.. وقد تجلى سوء سلوكه خصوصا فى طريقة تعامله مع ممثلة شابة تدعى «سيبيل» كان أبدى إعجابا بها وخطبها، غير أنه فى الواقع لم يكن يحبها حبا صادقا، وإنما كان يريد الاستحواذ عليها فحسب.
وفى إحدى الليالى فوجئ دوريان وهو يرى خطيبته تؤدى دورا على المسرح بأنها فقدت حرارتها، فذهب إليها بعد العرض فى حجرتها وعنفها بقسوة شديدة حتى بكت وهى تبرر انخفاض آدائها بأنها لم تعد فى حاجة «لتمثيل» دور الحبيبة بافتعال زائد.. لماذا؟، لأنها صارت فى الواقع تحب حبا حقيقيا يغنيها عن الافتعال وقالت: «إننى أحبك يا دوريان، يكفينى هذا، لكننى أعدك أن أبذل فى المرة المقبلة جهدا أكبر على المسرح لكى ترضى».. لكن دوريان المغرور لا يبدى أى اكتراث ويترك خطيبته تسبح فى دموعها.
يلاحظ دوريان أن صورته المرسومة تزداد قبحا وبشاعة يوما بعد يوم، فلا يفعل شيئا إلا أن يرفعها من على الحائط ويخفيها عن عيون الناس فى مكان قصى فى بيته، من دون أن يهتم بالسبب ولا بأن الصورة أصبحت تعكس قبح سلوكه وفساد روحه.. غير أن اختفاء اللوحة من مكانها يلفت نظر صديقه «باسيل» الذى رسمها فيسأله عنها بإلحاح ولا تقنعه إجابات دوريان، ويبدأ اليقين يتسرب إليه بأن صديقه الذى كان جميلا وقع فى «فخ الشرور» التى يبثها اللورد هنرى وأصبح قبيحا وأن هذا القبح يظهر على الصورة، ومن جانبه فإن دوريان أصبح مقتنعا بأن حقيقته التى تغزو ملامح اللوحة المخفية، انكشفت وانفضحت أمام صديقه، لهذا قرر قتله ليدفن سره معه، ونفذ قراره فعلا.
ظل «دوريان جراى» بعدما تخلص من صديقه، يغوص فى وحل الشر والقبح، وذات يوم ذهب إلى حيث يخفى «صورته» فوجدها تنطق ببشاعة مروعة ولا تطاق، عندئذ استل سكينا وظل يطعن اللوحة لكى يمزقها ويتخلص منها، وسمع الخدم فى بيته صوت صرخات مدوية، فلما هرولوا إلى حيث مصدر الصوت وجدوا رجلا دميما بشع الخلقة يرقد جثة هامدة وسط الدماء بينما تنتصب بالقرب منه لوحة سيدهم القديم تنطق بالحسن والجمال!!

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة