نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

سجين العمر

نوال مصطفى

الأربعاء، 29 يناير 2020 - 07:40 م

تنفذ عيناه إلى السماء من خلال طاقة نور صغيرة تخترق جدار الزنزانة، يتشبث بالأمل فى أن يستجيب الله لدعائه، يستدعى بعد صلاة الفجر عمرًا انقضى فى هذا المكان، يومها كان عمره عشرين عامًا حينما وطئت قدماه باب السجن، وحكم عليه بالمؤبد، الآن وبعد اثنين وعشرين عاما يستعيد شريط حياته الذى قضى أكثرها فى هذا المكان.
يتذكر كيف عاش الأيام الأولى فى ذهول مما حدث، وما هو فيه. ثم السكينة التى حلت بقلبه بعد فترة طويلة تأقلم فيها على هذه الحياة التى سوف تصبح حياته لمدة خمسة وعشرين عاما قادمة، يكون قد ودع خلالها أجمل سنى عمره.
يستدعى تلك الذكريات بألم وأمل، فقد أكرمه الله بالهداية فى محبسه، فأصر على أن تكون تلك السنوات العجاف فى حياته فترة علم، ثقافة، وقرب من الله، عسى أن يجد له مخرجا. فحفظ القرآن، تخرج فى الجامعة، وحصل على دبلوم دراسات عليا.
شهد له الجميع خلال تلك السنوات التى تقترب الآن من الربع قرن بحسن السير والسلوك، والرغبة الحقيقية فى التقويم وتنمية قدراته ومؤهلاته العلمية حتى يخرج من محبسه مواطنا صالحا لنفسه، بلده، ومجتمعه.
فى يوم من الأيام جاءه خبر سعيد ظن أنه الفرج يدق بابه، استدعى من سجن برج العرب للسفر إلى القاهرة لمقابلة مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، فرح، وملأ الأمل قلبه، وهناك عرف أنه ضمن المكرمين من السجناء الذين يثبتون حسن السير والسلوك، ويكملون تعليمهم فى السجن.
بالفعل تلقى التكريم، وعاد مرة أخرى إلى محبسه حزينا، فقد كان يأمل فى أن يناله العفو مثل باقى زملائه المحكوم عليهم بالمؤبد، وتم الإفراج عنهم لأنهم طبقا للقانون المعدل بلغوا سن الخمسين.
يقول السجين ناصر عيد عواد سليمان فى رسالته التى أرسلها إلىّ من زنزانته: هل سأقضى ثمانى سنوات أخرى من عمرى فقط لأننى لم أبلغ الخمسين؟ هل هذا عدل؟ لقد فعلت طوال الإثنى وعشرين عاما الماضية كل ما يمكننى حتى أستحق العفو، فلماذا لا تطبق روح القانون؟ ولماذا لا ينظر لحالة أمى التى عانت معى الأمرين فى زيارات مرهقة لها ماديا وجسديا، لقد بلغت الآن من العمر خمسة وثمانين عاما وأصبحت لا تقوى على الحركة، أبكى من قلبى لحالها، أنا ابنها الذى كان المفروض أن يرعاها ويحنو عليها فى شيخوختها وضعفها، أقف عاجزا لا أستطيع أن أفعل ذلك، وكذلك لا تستطيع هى أن تمتنع عن زيارتى ورؤيتى.
هذه كانت رسالة السجين ناصر عيد عواد سليمان، التى أتوجه بها إلى اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، وكلى ثقة أنه لا يرضى بأن تعانى أم مسكينة فى هذا العمر بسبب سجن ابنها، خاصة أن الشاب قضى العقوبة شبه كاملة، ولو كان قد أتم الخمسين لكان الآن فى بيته يرعى أمه المريضة المسنة، لكنه القانون الذى يحتاج إلى دراسات ومراجعات كثيرة ودقيقة، والتى أطلب من الرئيس إعادة توجيه المشرعين وخبراء القانون للقيام بهذه المهمة التى لا تحتمل التأخير.
أما لجان التفتيش فى السجون، والمراجعات للسجناء والسجينات، رجاء ارفعوا مثل هذه الحالات الصارخة إلى المسئولين عن العفو الرئاسى دام فضلكم، كلنا نحترم نصوص القانون، لكن روح القانون وعدالته هى الأهم والأبقى.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة