عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

الخوف من الندم على ما قبل كورونا

بوابة أخبار اليوم

السبت، 18 أبريل 2020 - 08:49 م

عبدالله البقالى

موازاة مع استفحال انتشار وباء (كوفيد 19) فى كافة أرجاء الخريطة العالمية، ومع الارتفاع المهول فى أعداد الضحايا الذين يسقطون بعشرات الآلاف كل يوم، ومع استمرار التداعيات الاقتصادية التى ألقت بظلالها على العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية، والتى تسير بها فى اتجاه أزمة خانقة تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخ البشرية الحديث، ارتفعت وتيرة اهتمامات الرأى العام الدولى مركزة بصفة استثنائية على السيناريوهات المحتملة التى سيكون عليها العالم فيما سيأتى من أشهر وسنين، حيث تؤشر المعطيات المتوفرة لحد الآن عن إمكانية حدوث تغييرات عميقة فى النظام العالمى، بدأت فى التجلى عبر تحولات جذرية فى ميكانيزمات الليبرالية السائدة فى العالم.
وباء كورونا المستجد (كوفيدـ19)، طرح لأول مرة وبصفة جدية النقاش حول متانة وقوة النظام الاقتصادى السائد فى العالم، وقدرته على مواجهة الأزمات الطارئة والتصدى لتداعياتها، بما يكفل حماية منظومة الإنتاج والتوزيع واستفادة المواطنين والمواطنات من عائدات المنظومة الاقتصادية العالمية، وخلف هذا النقاش والاهتمام لحد الآن، أسئلة مقلقة وحرجة، دون أن تتمكن أى جهة من طرح مشاريع أجوبة مقنعة تكون قادرة، على الأقل، على تخفيف حدة المخاوف الجدية التى تشغل بال الرأى العام.
ما حدث فى القارة العجوز، أوروبا، جراء تداعيات هذا الوباء الخطير يمثل عنوانًا بارزًا للحظة امتحان حقيقى واجهه الاتحاد الأوروبى، حيث سارعت كل دولة على حدة إلى البحث منفردة واعتمادًا على إمكانياتها الذاتية، فى البحث عن سبل التصدى للأزمة، وبدا الاتحاد فى صورة مفتتة ومشتتة عادت به إلى عهد ما قبل اتفاقية ماستر يتشت، وألقت به إلى ما قبل زمن شينجين، حيث أقفلت الحدود من جديد، وتوقفت حركة الطيران، وانتهى المصير إلى بروز لافت لظاهرة القرصنة الجديدة، حيث تسابقت كل دولة إلى محاولة الاستيلاء، ولو بالقوة، على ما يمكن أن يساعد على التخفيف من حدة التداعيات. بيد أن الولايات المتحدة الأمريكية التى تسيدت النظام الاقتصادى العالمى لحقبة طويلة من الزمن بقوة اقتصادية هائلة، وجدت نفسها فى لحظة ضعف غير مسبوقة، ولنا فى الصورة المعبرة التى لاقت حاملة الطائرات الأمريكية (تيودورروزفلت) نفسها عليها خير مثال على الهشاشة الكبيرة للقوة الاقتصادية والعسكرية المزعومة، ليتضح أن القوة الفتاكة التى تحوزها الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن مواجهة لحظة أزمة قد تكون عابرة.
هل يتعلق الأمر بموت مفاجئ لنظام العولمة وعودة مرتقبة لمفهوم الدولة الوطنية القطرية، حيث يتضح أن دور هذه الدولة لازال مجديًا، بل وملحا، إذ لا مناص لوجود دولة وطنية حاضنة لانشغالات شعبها، قادرة على الاستجابة الفورية لحاجياته فى جميع اللحظات والأزمنة، خصوصًا فى فترات الأزمات الطارئة، وهذا ما قد يستوجب إعادة الاعتبار للسياسات العمومية المركزة على القضايا الاجتماعية، خصوصًا فى مجالات التعليم والبحث العلمى والصحة والرعاية الاجتماعية وفى الغذاء، بما يقوى المناعة الاجتماعية لجميع الفئات لتكون قادرة على مجابهة الفترات الصعبة، بما يؤشر على بروز مصالحة بين الدولة والمواطن فى العديد من أقطار العالم؟ أم أن الأزمة الحالية تؤشر على عودة النظام العالمى الثنائى القطبية، الذى لن يكون التنافس فيه محمومًا ومحتدًا هذه المرة على امتلاك الأسلحة الفتاكة، خصوصًا النووية منها، بقدرما سيركز هذا التنافس على مجالات الجراثيم والفيروسات والذكاء الاصطناعى الذى يمثل أكبر وأخطر تهديد لمستقبل البشرية جمعاء؟ وسيتمثل هذا التقارب المتوقع بين التنين الصينى من جهة والولايات المتحدة ومعها الغرب من جهة ثانية، بما قد يجسد لحظة انفجار مدوية للتجاذب الاقتصادى الذى احتدم بينهما خلال السنين القليلة الماضية؟
طبعًا، لا أحد بإمكانه الجزم فى مجمل هذه السيناريوهات المطروحة، ولكن المؤكد، فإن الأزمة الخانقة التى تقبض بأنفاس الناس فى مختلف أرجاء العالم ليست بريئة من مجمل الشكوك التى تناسلت لحد الآن، وأدخلت الجميع إلى بيوتهم خوفا من وباء خرج إليهم فجأة، وليست مجردة من خلفيات سيكشف عنها الزمن الآتى.
الخوف كل الخوف أن تنتهى الأزمة بالبشرية إلى نظام عالمى مستجد، ولد من رحمها، يكون أقل ازدهارًا، وأقل حرية فى التنقل وفى الملكية وحتى فى التفكير والتعبير، بسبب الفشل فى تخطيط غير ملائم لمواجهة أزمة طارئة بقيادة غير كفؤة مجسدة فى طبقة سياسية جديدة وصلت إلى مراكز القرار بخطاب شعبوى، مستغلة قنط ويأس الناخبين من مدارس سياسية تقليدية عجزت عن تجديد نخبها وخطابها وتحيين برامجها الاقتصادية.
الخوف كل الخوف أن يسود لدى الناس فى المستقبل المنظور ندم عن زمن ما قبل كورونا.

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة