عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

لجائحة كورونا أثرياؤها

بوابة أخبار اليوم

السبت، 25 يوليه 2020 - 07:50 م

عبدالله البقالى

إذا كانت جائحة كورونا خلفت كوارث ومآسى فى العالم بأسره، من مئات الآلاف من الأشخاص الذين فقدوا حياتهم، إلى عشرات الآلاف الذين يتربص بهم الموت فى غرف الإنعاش الطبي، إلى الملايين من المصابين الذين يعيشون قلقا دائما، ينتظرون ما يمكن أن يصنع بهم القدر، إلى ملايين آخرين وجدوا أنفسهم فجأة عرضة للتشرد والضياع بعدما لفظتهم مواقع الشغل، إلى إقفال عدد لا يحصى من الشركات، إلى الخسائر المالية الفادحة التى تكبدتها مختلف الاقتصادات العالمية، بما فيها الاقتصادات القوية التى كانت تعتبر نفسها محصنة ضد جميع الهزات المحتملة. وسط هذه الأوضاع المتردية التى سيكون لها ما بعدها من تداعيات عنيفة وقوية على مصير الإنسانية جمعاء، ظهرت حقائق أخرى موازية تتعلق بما يمكن أن نسميهم ب (أثرياء جائحة كورونا) الذين مثلت المصائب التى لحقت بالعالم فوائد تجسدت فى الفرصة السانحة التى مكنتهم من جنى أرباح طائلة لم تكن متوقعة.
تقدمت شركات التكنولوجيا فى العالم، خصوصا بالنسبة للشركات الكبرى التى تسيطر على هذا المجال الجهات المستفيدة من المأساة. وفى هذا الصدد تكشف المعطيات المؤقتة المتوافرة لحد الآن، أن أسهم هذه الشركات حققت مكاسب هائلة جدا، فقد تسببت الجائحة فى تغيير جذرى وعميق فى الأنماط السلوكية للأفراد والجماعات، حيث احتمى الجميع فى حجر صحى إجبارى ترك العدو الفتاك المتمثل فى الوباء يصول ويجول وحيدا فى جميع الفضاءات العامة المفتوحة والمغلقة، ولم يكن من سبيل أمامهم لملاحقة الأخبار والمستجدات المتعلقة بالجائحة غير شبكات التواصل الاجتماعى التى كانت مكتظة بالأخبار، كان يصعب التمييز بين الغث والسمين منها، وغير الجرائد الورقية التى أجبرت الجائحة كثيرا منها على التحول إلى النسخة الإلكترونية، كما فرض الفراغ القاتل الناتج عن الشعور بالعزلة التامة الالتجاء إلى مختلف أشكال التسلية من ألعاب وأفلام، ناهيك عن أن الحجر الذى قطع حبال التواصل المباشر وصلة الرحم بين الأفراد والجماعات الشيء الذى زاد من الإقبال على المكالمات الهاتفية. كل هذا كان كافيا للتأكيد على أن منتوجات شركات التكنولوجيا الحديثة توافقت تماما مع احتياجات المستهلكين فى وقت تميز بأزمة عنيفة، وأنها نجحت فى استثمار عامل الخوف والهلع الذى حاصر الأشخاص، وبالتالى غنمت مكاسب كبيرة وهائلة من قواعد الالتزام فى المنازل. ولعل هذا ما يفسر ما ذهب إليه رأى الخبراء المتخصصين بالقول إن (شركات التكنولوجيا هى جانب اليقين فى فترة الضعف الاقتصادى).
وتشير المعطيات المحصلة من فترة تداعيات الوباء الفتاك إلى أن الغالبية الساحقة من القطاعات والشركات تكبدت جراء الظروف الصعبة السائدة خسائر فادحة جدا لم يسبق لها مثيل، من ذلك أن قطاع الطيران الذى كان قبل اكتساح الجائحة العالم، يمثل قطاعا استراتيجيا مربحا خصوصا بعد التهاوى المتوالى لأسعار النفط فى السوق الدولية، هوت به الجائحة نحو هوة عميقة يجهل لحد الآن كيف سيتخلص منها، وتكشف لغة الإحصائيات أن القطاع تراجع نشاطه بأكثر من 90 بالمائة، وأن خسائره تجاوزت هذا المعدل، كما الشأن بالنسبة لقطاع السياحة الذى تجاوزت خسائره 95 بالمائة، وغير ذلك كثير من الأدلة الكاشفة للنكسة الكبيرة التى طالت مختلف الاقتصاديات. ولنا أن نستدل على استغلال شركات التكنولوجيات الحديثة للظروف الصعبة التى قبضت بأنفاس العالم، أن كوفيد19 اللعين مكن شركات عملاقة أخرى على غرار (أمازون) و(نيتفليكس) التى ارتفعت قيمتها السوقية فى مدة وجيزة إلى أكثر من 20 بالمائة، وبالتالى حققا معا مكاسب مالية مذهلة. كما ألقى الوباء الخبيث بشركات صناعية كبيرة إلى الخلف، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لشركة (هارلى ديفيدسون) لتصنيع الدراجات النارية ومتجرى (نوردستروم) و(ومايسز) وحلت محلها شركات كانت قبل الجائحة صغيرة ومغمورة على غرار شركة ( تايلر للتكنولوجيا ) الأمريكية.
هذه الطفرة مكنت شركات الاتصالات التى ساعدتها تداعيات الجائحة على الزيادة فى وتيرة سرعة اكتساحها المتواصل للنظام الاقتصادى العالم»، حيث أضحت أكثر الشركات تحقيقا للأرباح بأقل تكلفة ممكنة، أعادت إلى مقدمة النقاش العمومى الخطورة الكبيرة التى أضحى يشكلها تنامى احتكار شركات معينة لقطاع الاتصالات، ودفع هذا الاهتمام الكونغريس الأمريكى إلى استدعاء الرؤساء التنفيذيين لكل من آبل وجوجل وفيسبوك وأمازون للمثول أمام أعضائه فى جلسة استماع برمجت لنهاية الشهر الجاري، وعلق خبراء على هذا التطور بالتساؤل عما إذا كان الأمر يتعلق بمجرد لفت انتباه، أم أن الموضوع يتجاوز هذا الحد والشروع فى تفكيك الاحتكار المتنامى لهذه الشركات ؟.
هكذا إذن يتضح أن مصيبة كوفيد19 التى جثمت على أنفاس البشرية لشهور طويلة تحولت إلى فوائد بالنسبة لشركات الاتصالات، التى أجادت وتفوقت فى استغلال الاحتياجات الطارئة للشعوب، التى أحكمت إقفال أبواب منازلها خوفا من العدو الذى كان يتربص بها فى كل مكان، والخطير أن هذا العدو كان يرى فريسته ويــلاحقها فــى تفاصيــل حياتها، بيــد أن الفريسة لاتــراه وتجهــل عنــه كــل شيء، ولا تدرى متى وأين يمكن أن يتمكن منها.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة