صبرى غنيم
صبرى غنيم


رؤية

مفيد فوزى.. منحنى شهادة أضفتها إلى ميراثى

صبري غنيم

الأحد، 16 أغسطس 2020 - 07:14 م

أن تترك لأسرتك فى ميراثك السيرة الطيبة عن أعمالك، هو أجمل شيء بعد الوجود، قد يكون هذا الشيء أفضل ما يكون لك من ذكرى عن ملايين الدنيا، ولأنى لا أمتلك من هذه الملايين إلا الستر، فيكفينى أن أترك لأسرتى جانب الميراث شهادة كتبها لى كاتب كبير.. هو بين الكتاب قيمة وقامة، وبين عباقرة الزمن الجميل المحاور الأوحد «مفيد فوزى»، إذ وصفه أستاذنا محمد حسنين هيكل بأنه ألمع نجوم الحوار، ووصفه عملاق الصحافة مصطفى أمين بالسؤال.. لأنه يملك ذكاء النكش كما جاء على لسان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب..
وقد صدقت الأديبة سعاد الصباح وهى تقول إن مفيد فوزى لا يستأذن فى السؤال.. ومن يعود بشريط الذكريات ويستمع إلى برنامج «حديث المدينة» والذى كان يقدمه أسبوعيا على شاشة القناة الأولى فى تليفزيون الدولة، يجد حواراته كلها تبدأ بسؤال.. وسؤاله عادة كان يبدأ بغير استئذان، سواء كان الضيف عالما أو أديبا، أو كاتبا، أو مسئولا فى الدولة، وكم سعدنا بحواراته مع هذه الشخصيات التى جمع بعضها فى كتابه الأخير وكان عنوانه «اسمح لى أسألك» يعنى سعاد الصباح لم تكذب ولم تتجمل، قالتها عن تجربة معه وعن متابعة لحواراته، لذلك اكتسب من السؤال صفة المحاور البارع..
معنى الكلام أننى محظوظ عندما يمنحنى كاتب كبير مثل الأستاذ مفيد فوزى هذه الشهادة، الجميل أنه اختارنى من بين أسماء كتاب المقال وهو يصفنى بصاحب المقال «الأذكى» الذى يعبر عن الناس، ويهتم بشئونهم وهمومهم، وكان قد بدأ حديثه قائلا «إن معظم كتاب المقالات فى الصحافة المصرية تستطيع أن تتنبأ بما يكتبون، والأوفر حظا فى الكتابة هى القضايا العامة وهو ما درجت عليه المهنة، وربما تقرأ خمس مقالات حول موضوع واحد وأشعر أنهم يتسابقون فى تأدية الواجب.. وقال لعل أحمد رجب هو الكاتب الوحيد الذى قال كل شيء فى كلمة ونص وربما نص كلمة..
وتبدأ شهادة كاتبنا الكبير التى منحنى إياها قائلا «لقد دخلنا عصر الثوانى.. فى كل ثانية خبر، أحداث السياسة تتجمع فى ثوان، تلك هى طبيعة العصر، والمقال الأذكى والذى يكتب هذا المقال بحب واهتمام هو واحد من هؤلاء الكتاب.. هو الأستاذ صبرى غنيم، إنه يكتب عن «بطن الدولة» لا يهمه الأسلوب المنمق، ولا تهمه بلاغة المقال ولا التشبيهات أو الاستعارات.. يهمه المعلومة ويقرأ عذابات الناس جيدا.. ولهذا تأتى مقالات صبرى غنيم بعناوين مباشرة.. أما الفن الصحفى الذى يتقنه صبرى غنيم هو «عرض وسرد» ما لديه من معلومات.. والمعلومة موثوقة عند صبرى غنيم لكى يكتبها ويقدمها للمسئول.. لا أدرى لماذا غابت المقالات المدافعة عن حقوق الناس، إن كثيرين لهم قضايا لا تتكلم فيها الصحف مع آن أباء الصحافة علمونا أن الصحافة انعكاس للمجتمع وصارت مقالات الصحف حول القضايا العامة، ولكن صبرى غنيم أخذ يفتش فى بطن الدولة، ويسمع أنين المظلومين، ويكتب للمسئول»..
لم يخطئ كاتبنا الكبير وهو يتحدث عن آباء المهنة، فعلا تعلمنا منهم أن الصحافة انعكاس للمجتمع، لسان حاله لكن للأسف اختفت صحافة الزمن الجميل، عندما كانت القصة الإنسانية له مكانتها.. أذكر فى الزمن الجميل عندما تبنى المرحوم الكاتب العملاق على أمين قصة «ليلى».. وليلى كانت مريضة بالسرطان، وأجمع الأطباء أنها لن تعيش أكثر من ستة أشهر، وتبنى على أمين قصتها، حقق لها جميع أمنياتها من لقاء مع كبار الفنانين، غنى لها محمد عبد الوهاب وعبدالحليم حافظ واستضافتها أم كلثوم فى بيتها، واشترى لها جميع احتياجاتها، فقد كانت تعشق لعب الأطفال مع أنها كانت فى العشرينات، وبالحب للحياة عاشت، ولوجه الله استجابت لكن بعد ثلاث سنوات وليس ستة أشهر!..
ولهذا السبب، جعلنى الأستاذ على أمين أكتب يوميا تحت عنوان «قصة إلى قلبك» حتى رصدت من مكافأة خدمتى وديعة لجائزة سنوية قيمتها خمسة آلاف جنيه باسم القصة الإنسانية تمنحها نقابة الصحفيين لمن يفوز بها.. ومع ذلك تختلف صحافة اليوم عن صحافة الزمن الجميل التى تحدث عنها أستاذ مفيد فوزى..

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة