عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

التـــوريــط بالأفعـــال

عمرو الخياط

الجمعة، 21 أغسطس 2020 - 06:32 م

انتبه جيداً قد تكون سائراً فى طريقك معتقداً أن خطواتك تنتقل على امتداده بمحض إرادتك الحرة، قد تكون معتقداً أنك من حدد المسارات واتجاهها ومنتهاها، هذا ليس صحيحا فى كل الأحوال، فقد تكتشف بعد فوات الأوان أنك قد تورطت فى اختياراتك الإجبارية

ولا تندهش من التناقض الظاهر بين كلمتى هذا المصطلح، لأنك فى لحظة ما تعتقد أنك قد اخترت مساراً محدداً ولكن ذلك ليس صحيحاً لأنك دُفعت لا شعورياً نحوه من خلال موجات متتالية من رسائل الجذب المكثقة ومن خلال محفزات الانجذاب نحو ذلك الاختيار والتى أصبح تدفقها متاحاً مع تطور وسائل التواصل الاجتماعى التى دعمتها تطور بنية الاتصالات، هنا تجد نفسك قد بدأت الخطوة الأولى بعد أن وقعت فى أسر شهوات الإثراء السريع أو الشهرة أو القدرة المذهلة على التأثير، هنا تظن أنك فاعل مؤثر ولكنك مفعول به بات يحمل أسفاراً إعلامية لا يفهم مغزى مستهدفاتها وتأثيراتها، ولكنك أبداً لن تستطيع الانسحاب حتى لو اكتشفت الخدعة فقد وصلت لمرحلة التوريط والتورط بالأفعال، إنها عملية تجنيد متدرجة تهدف لنشر خلايا إلكترونية وإعلامية نشطة قادرة على مخاطبة كتل جماهيرية ضخمة فى زمن قصير، كما ان مكافأة هذا التورط تكون فورية من أجل منحك القدرة على تجاوز محطات التوقف عند قلبك أو عقلك أو ضميرك، الآن أنت أسير مجند وضحية لتكتيك استخباراتى معروف باسم التوريط بالأفعال «involved action».
كلما تقدمت بخطواتك فى مسارات كنت تظن أنها اختيارية زادت درجة تورطك وبالتالى لن تستطيع العودة لأنك ستتعرض لحملة ابتزاز أو فضح ممنهجة بعد أن تورطت فى مساحات من الآثام الأخلاقية أو المالية أو الوطنية.

لا نتكلم هنا عن نظرية المؤامرة بل نتكلم عن واقع وعن أسلوب تجنيد عملى أصبح يمارس طوال الوقت بعد أن أتاحت وسائل التواصل الاجتماعى ذلك ومنحته غطاءات العمل الصحفى أو الإعلامى أو الفنى الذى يدر عائداً من المال والشهرة لم تعرف البشرية مثيلا لسرعته.
وقد تظن أن مشاركاتك منفصلة عن سياقها المحيط بها وبالتالى لم تكتشف حقيقة الخداع إلا بعد اكتمال عملية التوريط، لأن مشغله الخفى يكلفك بمهمة محددة لايمكن اكتشاف خطورتها وهى منفردة لكن المشغل من طرف خفى هو وحده القادر على تجميع تلك الفسيفساء التى ستجسد كياناً ضخماً يمكن تسميته بالدولة الإلكترونية البديلة، التى تجعل ضحاياها خاضعين لولاءات بديلة مدفوعة الأجر.

نعود إلى نموذج الأيقونة المصنعة التى تتطور إلى محمية سياسية، والتى ظهرت بوضوح من خلال حالة الإعلامى الساخر باسم يوسف الذى ما لبث أن كشف عن حقيقته أمام الجمهور المصرى فى آخر حلقات برنامجه الشهير، فأصبح عميلاً إعلامياً معطلاً فغادر على الفور متجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد ان تلقى الإشارة بأن مكانته ومستقره ومقامه ووظيفته ومنزله محفوظون فى الولايات المتحدة الأمريكية مركز التصنيع والتشغيل بل وإعادة التدوير.
لا نستطيع هنا أن نقول إن باسم التقى مشغله فى جهاز استخبارات أمريكى لكنه تورط فى مسارات كان معتقداً أنه اختيارى خاصة وأنه قد تم التقاطه من مساحات التواصل الاجتماعى التى بدأ الظهور عليها، وصولاً إلى كونه صاحب تأثير على كتلة جماهيرية ضخمة آنذاك، حتى وصل الأمر إلى أن جاءه الأمريكى جون استيوارت ليقول للجميع ان باسم يوسف هو رجلنا فى مصر.

لقد استمتعت شريحة كبيرة من الجمهور المصرى بالعرض المسرحى الإعلامى الذى كان يقدمه باسم يوسف لأنه كان يشبع احتياجهم بكشف حقيقة الإخوان، ولكن ذلك لا يعنى أنه كان ضد الفكرة الإخوانية، إنما كان مهتماً بخلق كتلته الجماهيرية وتوسيع رقعتها من أجل تمرير رسائله الجديدة بعد ان يقوم مشغله بتطوير التكليف بتقديم رسالة إعلامية ترسخ مايلى:
< تسفيه أى أفكار جادة قد تتيح أى فرصة لتوعية وتفهيم الجمهور.
< السخرية من نظرية المؤامرة من أجل إبطال الفكرة وبالتالى القضاء على فرص مقاومة هذه المؤامرة إن وجدت لأن من سيتعرض لها سيواجه حملة سخرية ممنهجة.
< إسقاط الهيبة وبالتالى القيم والمعانى.

هذا مافعله باسم إن كان مدركاً، أو ما فُعلَ به إن كان مغيباً بعد أن تم توريطه فى أفعال جعلته أسيراً لما حققه من ثروة وشهرة وتموضع متميز فى المجتمع.
يتكرر نفس النموذج مع السيناريست الإخوانى الساخر بلال فضل الذى فُتحت له صفحات جريدة الدستور ما قبل ٢٠١١ من أجل تكريس ثقافة التسفيه الممنهج من المقام الرئاسى، ثم راح يكتب أفلامه التى ارتكزت فكرتها على خلق صورة ذهنية تقول ان الأصل فى ضابط الشرطة أن يكون فاسداً، ليخلق التأثير التراكمى لتلك الرسائل حالة غضب مهولة كادت أن تعصف بالدولة إلى حافة الهاوية عام ٢٠١١.

وبرغم أن بلال لا يجيد حرفاً واحداً من الإنجليزية وقتها إلا أن دور نشر أجنبية عديدة قد تواصلت من أجل ترجمة أعماله وبهدف توريطه أيضا فى مسارات إجبارية كان يظن أنها محض اختياره، فلما انكشفت الحقائق سارع مشغله بإنقاذه فانتقل بلال فوراً هو وأسرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد توفير مسكن وفرصة عمل ومصدر للدخل.
ربما لم يلتق بلال بأحد كوادر الاستخبارات وربما لم يتواجد فى أحد الأروقة الاستخباراتية لكنه كان مراقباً من طرف خفى مستمتعا بتقدمه فى المسارات التى رُسمَت له، فتحول هو ومن على شاكلته إلى كيانات بشرية مسيرة لا تقل خطورة عن الطائرات المسيرة.

تلك الكيانات المسيرة ظلت كامنة لسنوات بفعل سطوة وقوة ثورة الدولة الوطنية المصرية فى ٣٠ يونيو، إلا أنها الآن انتقلت من مرحلة الكمون إلى مرحلة التسخين السياسى وتمركزت على خطوط التماس فى انتظار نتيجة الانتخابات الأمريكية التى ربما قد تفرز إدارة جديدة قادرة على وضع خطة لإعادة التشغيل، كما لو كانت مصر رهينة لأيديولوجيات دولية متصارعة، متناسين أن ٣٠ يونيو قامت فى وجود إدارة أمريكية كانت ظهيراً دولياً لتنظيم الإخوان الإرهابى.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة