كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

نبنى.. ثم نهدم.. ثم نهدم !

كرم جبر

السبت، 05 سبتمبر 2020 - 06:53 م

ما الفائدة فى أن تبنى دولة جديدة وتهدم الدولة القديمة؟، تقضى على العشوائيات بنهاية هذا العام، ثم تزحف العشوائيات بسرعة أكبر من البناء، وأن تشق الطرق والكباري، ثم تنشأ على جانبيها تعديات تحول الإنجاز إلى فوضى؟
الهدم عادة مصرية قديمة، وتنشط وتنتعش فى مواسم معينة أهمها الانتخابات، فتتزايد حالات الاعتداء على الأراضى الزراعية وممتلكات الدولة، ثم تأتى الحكومات وتغض الطرف أو تتصالح، جرياً وراء الأصوات الانتخابية.
أصبح قانوناً غير مكتوب، أن تُرتكب كل جرائم التعديات قبل الانتخابات، ثم تأتى الحكومات وتقنن التعديات، وتقوم بتوصيل المرافق والمياه والكهرباء، وكأنها تقدم مكافأة لكل معتد.
هل يعقل أن تكون المقابر المحيطة بالقاهرة والمدن أماكن للسكنى، وفيها مياه وكهرباء وصرف صحى وورش سمكرة ونجارة وبقالة وكل أنواع الأنشطة، وهى فى الأصل مخصصة لدفن الموتى وليس لسكن الأحياء؟
قد نلتمس عذراً لسكان العشوائيات لعدم توافر مسكن مناسب فى سنوات سابقة، ولكن لم تعد هذه الحجة قائمة، فى ظل بناء أكثر من مليون وحدة سكنية لسكان المناطق الخطرة فقط، تضارع أرقى الأحياء والشوارع والملاعب والمساجد والكنائس والأسواق، وغيرها من مستلزمات الحياة الآدمية النظيفة.
فى مصر مناطق صحراوية غير مأهولة تساوى أكثر من 90% من مساحة البلاد، وأصبحت الآن تحت المنظار، لاختيار ما يصلح منها للتوسع العمرانى والمدن الجديدة، المخططة وفق أحدث النظم العصرية، قبل أن تنفجر مصر على نفسها ويجرى العمل الآن فى أكثر من مدينة جديدة، تخلص المدن القديمة من أمراضها المزمنة.
قال الرئيس إن فى مقدور الدولة أن تقدم شقة لكل من يطلب، ووصلت قدرة البلاد فى البناء والتشييد أقصى درجاتها، وفى استطاعتها أن تلبى احتياجات مختلف الفئات للحصول على مسكن، وبأسعار التكلفة الحقيقية، وفى وقت محدد، ولم يعد هناك مبرر للتعدى على الأراضى الزراعية وتحويلها إلى عشوائيات صعبة الرؤية.
لو استمرت التعديات بنفس المعدلات الكبيرة التى تحدث الآن، فسوف يأتى يوم لن تجد فيه مساحة خضراء فى القرى والأرياف، وتتحول تدريجياً إلى ما يشبه علب الصفيح.
كل المصائب تأتى من العشوائيات، والقضاء عليها لا يجمِّل وجه الحياة فقط، وإنما يحمى الناس من الأمراض العشوائية الخطيرة، وفى صدارتها الجرائم الأخلاقية والمخدرات والسرقة، ففى بعض الأحياء العشوائية الشهيرة، من المستحيل أن تدخلها سيارة مطافئ أو إسعاف، وتتراص المساكن بجوار بعضها مثل علب الكبريت، وكأن الجار يسكن فى شقة جاره.
الدولة ليست بلدوزر لا يعرف الرحمة، ولكنها تبنى قبل أن تهدم، وتحمى وهى تنفذ القانون، وتنقذ البلاد والناس من ويلات العشوائية التى نمت وترعرعت وأصبحت شوكة فى ظهر المستقبل.
التصدى للعشوائيات يجب أن يكون مسئولية المصريين جميعاً، حتى لا يأتى يوم لا تجد فيه مكاناً تدخله شمس أو هواء.

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة