د. غسان محمد عسيلان
د. غسان محمد عسيلان


نقطة ارتكاز

حرب أكتوبر.. انتصار للعرب

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 12 أكتوبر 2020 - 07:28 م

د. غسان محمد عسيلان

ستظل حرب أكتوبر (حرب العاشر من رمضان) حيَّةً فى عقول ونفوس العرب جميعًا، فقد كانت هذه الحرب ملحمةً عربية سطَّر فيها الشعبُ المصرى الأصيل وقواتُه المسلحة أسمى آيات العزة والفخار، وشاركهم أخوتُهم العرب خوض المعركة كلٌّ بما يستطيع، وسوف تبقى ذكرى هذه الحرب شاهدًا حيًّا ودليلًا دامغًا على أن العرب بتوحدهم قادرين على صنع المعجزات، وستبقى حرب أكتوبر نصرًا عربيًّا مجيدًا، وسجلًا خالدًا مشرقًا ناصعَ البياض لانتصار مصر وأشقائها العرب على عدوهم الطامع فى أراضيهم وخيرات شعوبهم.
ومن أبرز الدروس المستفادة فى هذه الحرب قدرة الجيش المصرى على محو أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر، فبعد أن باغت جنود مصر البواسل العدو ببدء الحرب قاموا بتحطيم خط (بارليف)، وعبور قناة السويس، ولقد تمكَّنت القوات المصرية والسورية ببراعة من القيام بالخداع الإستراتيجى للجيش الإسرائيلي، وتوجيه ضربة له على كلتا الجبهتين المصرية والسورية، ففى ظهيرة يوم السادس من أكتوبر عام 1973م وتحديدًا عند الساعة الثانية ظهرًا استطاعت القوات المصرية التغلب على تحصينات خط (بارليف) المنيع واختراقه بكل بسالة، والعبور إلى شرق قناة السويس، والتوغل فى أراضى سيناء المحتلة آنذاك نحو 20 كيلومترًا، كما تمكَّنت القوات السورية على الجانب الآخر من التوغل فى مرتفعات الجولان.
والدرس الثانى الذى سجَّلته ملحمة أكتوبر هو وقوف الأشقاء العرب مع الشقيقة الكبرى مصر فى حربها العادلة مع إسرائيل ومساندة جيش مصر، فقد شارك السودان بأول كتيبة عربية فى المعارك، وقدَّم العراق 16 طائرة عسكرية شاركت فى حرب أكتوبر على الجبهة المصرية، كما شاركت ليبيا بطائرات (ميراج)، وكذلك شاركت كلٌّ من الجزائر وتونس والمغرب.
ولن ينسى التاريخ الموقف البطولى للملك فيصل بن عبدالعزيز-رحمه الله-الذى كان له دور كبير فى نصرة أشقائه فى مصر وسوريا، حيث استخدم النفط كوسيلة ضغط لنصرة العرب، ففى 17 أكتوبر من عام 1973م دعا الملك فيصل لاجتماع عاجل لوزراء البترول العرب فى الكويت، وقرر العرب فى هذا الاجتماع تخفيض الإنتاج الكلى للنفط العربى فورًا بنسبة 5%، وتخفيض الإنتاج الشهرى منه بنسبة 5% حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل الخامس من شهر يونيو عام 1967م، بل قررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كليةً إلى الدول التى يثبت تأييدُها ودعمُها لإسرائيل.
وفى 8 نوفمبر عام 1973م وعلى إثر هذه القرارات سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال وزير خارجيتها (هنرى كيسنجر) فى زيارة عاجلة إلى الرياض لمقابلة الملك فيصل، وذلك فى محاولة لإثناء المملكة العربية السعودية عن موقفها الداعم لمصر وسوريا، لكن محاولات السياسى والدبلوماسى الأمريكى المخضرم كسينجر لم تُجْدِ نفعًا، ولم يجد له سبيلًا لإثناء الملك فيصل عن رأيه، بل أعلن الملك فيصل-رحمه الله-للعالم وأكَّد فى حضور وزير الخارجية الأمريكى أن «استئناف تصدير النفط-فى ذلك الوقت-للولايات المتحدة الأمريكية مرهون بانسحاب إسرائيل من الأراضى العربية المحتلة».
ولم تقتصر مشاركة المملكة العربية السعودية فى ملحمة أكتوبر على استخدام النفط فقط كوسيلة ضغط، فلما رأى الملك فيصل تقدم الجيش المصرى على الجبهة المصرية، وضعف الجبهة السورية وتصاعد الضغط الإسرائيلى عليها أَمر-رحمه الله-بمشاركة القوات السعودية فى الحرب ضد إسرائيل على الجبهة السورية، وسجَّل التاريخ خوض الجيش السعودى معارك فى مواجهة الجيش الإسرائيلى فى الجولان وتل مرعي، وماتزال قبور الشهداء فى هذه البقعة من الأرض العربية خير شاهد على أن حرب أكتوبر كانت ملحمة عربية بامتياز، بطلها الأول هو الجيش المصرى.
وفى الواقع لقد كان نصر أكتوبر نقلة نوعية فى (الصراع العربى الإسرائيلى)؛ حيث أدَّى إلى إذعان إسرائيل وقبولها للتفاوض لاسيما بعد هزيمة جيشها، وأسْر المئات من جنوده وقادته، وتدمير مئات الآليات والدبابات والمدافع والطائرات الإسرائيلية، وغيَّر نصر أكتوبر دفة هذا الصراع، وأسكت صوت المدافع والبنادق بعد هزيمة إسرائيل غير المسبوقة فى تاريخها العسكرى منذ قيامها على الأرض الفلسطينية، وأرغم هذا النصر إسرائيل على الانسحاب من سيناء خلال اتفاقات السلام التى جرت بعد الحرب.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة