غسان محمد عسيلان
غسان محمد عسيلان


نقطة ارتكاز

هل نحن إرهابيون حقًّا؟!

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 02 نوفمبر 2020 - 07:18 م

د. غسان محمد عسيلان

كلنا يعلم أن المشاهد الدرامية التى نراها فى فيلم سينمائى أو مسلسل تليفزيونى ما هى سوى مجرد صناعة احترافية تُقَدَّم فى حبكة معينة للتأثير فى عقل ووجدان المشاهدين، ورغم علمنا المسبق بأنها مَشَاهد تمثيلية وليست حقيقية إلا أننا نتأثر بها بالفعل، وربما تصل درجة التأثر النفسى والوجدانى والانفعالى بهذه المَشَاهد التى نراها إلى درجة النشوة والفرح والسعادة فى المَشَاهد المفرحة، أو البكاء وربما حتى الحزن الشديد فى المَشَاهد المحزنة!!
ومنذ عقود من الزمن تزداد فى الغرب وتيرة التخويف من الإسلام والمسلمين ويتم تصويرهم على أنهم دعاة عنفٍ وقتلٍ وإرهاب، وتقوم جهات معينة،بعيدًا عن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهَّرة،بتزوير أدلة من خيالها المريض، أو من واقع المسلمين المرير؛ لإثبات أن الإسلام دين عنف وإرهاب، وأن المسلمين جهلة عدوانيون يعيشون خارج إطار الحضارة الإنسانية، ويحبسون أنفسهم فى شرنقة من التعاليم البالية والأفكار المتخلفة، ولا تكتفى هذه الجهات بتشويه المسلمين وتصويرهم على أنهم رعاع همج، بل يشوِّهون الإسلام نفسه ويشوِّهون نصوصه وتعاليمه ويتطاولون على نبى الإسلام الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ويفترون عليه الكذب مدَّعين أنه ودينه سبب العنف والإرهاب والقتل والخراب فى العالم!!
ولكن هل نحن المسلمين إرهابيون حقًّا؟! هل يدعونا الإسلام إلى ذبح أعدائنا وإبادتهم؟! هل ألقى المسلمون القنابل النووية على أعدائهم وأبادوا مُدنًا كاملة وأزالوها من الوجود ببشرها وحيوانها ونباتها وجمادها؟! هل يصنع المسلمون أسلحة الدمار والخراب ويوزعونها على جميع أنحاء العالم؟! هل المسلمون هم الذين أبادوا الهنود الحمر، وأزالوا حضارات: المايا والأزتيك والإنكا من الوجود؟! هل المسلمون هم من دمَّرُوا الشعوب الأصلية فى أستراليا والأمريكتين وغيرها؟! هل المسلمون هم من تسببوا فى قتل عشرات الملايين من البشر فى الحربين العالميتين الأولى والثانية؟! هل المسلمون هم من قتلوا نحو نصف مليون إنسان فى صراع وحرب إبادة بين قبيلتين مسيحيتين فى راوندا هما (الهوتو والتوستي)؟! وهل... وهل...؟!!
إننا إذا راجعنا نصوص القرآن الكريم لا نجد سوى العدل، والرحمة، والتسامح، وقبول الآخر، وعدم رفضه والتعايش معه بكل مودة، ومن هذه النصوص قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13] وقوله سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107] وقوله عز وجل: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)﴾ [الممتحنة: 8].
إن الإسلام يستوعب البشرية كلها، والمسلمون يؤمنون بكل أنبياء الله تعالى ورسله الكرام، فنحن نؤمن بإبراهيم وموسى وعيسى وباقى الرسل عليهم جميعا الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 136] والمسلمون يحترمون أهل كل دين ويستوعبونهم، ويضمنون لهم حرية الاعتقاد ليعيش الجميع فى عدل وسلام فى ظل العقيدة التى يختارها كل إنسان لنفسه، يقول عز وجل: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256] ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29] ولا يجبر الإسلام أحدًا على اعتناقه والإيمان به، قال تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 6]
بل يدعونا الإسلام إلى حماية المشرك الذى يقاتلنا إن هو استجار بنا، فنحن حينئذٍ ملزمون بأن نجيره، ونتركه يستمع إلى القرآن الكريم إن أراد ذلك، وهو حر فى اختياره فإن أعجبه الإسلام واعتنقه فالحمد لله، وإن لم يعجبه دينُنا فهو عندنا فى مأمنٍ حتى يذهب حيث يشاء، وإن انتقص ديننا لا نؤذيه مادام فى جوارنا، بل نحن ملزمون بإعادته إلى قومه فى أمنٍ وسلام، قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 6].
فى الواقع أن القتل والعنف ليس من الإسلام فى شيء، ولكن القتل والسلب والنهب والتدمير والتخريب هو عقيدة للآخرين، ومن يؤمن بالكتاب المقدس وعهده القديم يؤمن بهذه العقيدة ويمارسها عن قناعة؛ ففى (سفر التثنية): «وحين تتقدَّمُون لمحاربةِ مدينةٍ فادعُوها للصُّلْحِ أولًا، فإن أجابتكم إلى الصلح واستسلمت لكم، فكلُّ الشعبِّ الساكنِ فيها يصبحُ عبيدًا لكم، وإن أَبَت الصلحَ وحاربتْكُم فحاصرُوها، فإذا أسقَطَها الربُّ إلهكم فى أيديكم فاقتلُوا جميعَ ذكورِها بحدِّ السيف، وأما النساءُ والأطفالُ والبهائم وكلُّ ما فى المدينة من أسلابٍ فاغنمُوها لأنفسكم، وتمتَّعُوا بغنائم أعدائكم التى وهبها الربُّ إلهُكم لكم».
وفى (سفر التثنية) أيضًا: «هكَذَا تفعلون بكلِّ المدنِ النَّائيةِ عنْكُم التى ليسَت من مُدن الأمَم القَاطنة هُنا، أَمَّا مُدُنُ الشُّعُوبِ الَّتِى يَهَبُهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لَكُمْ مِيرَاثاً فَلاَ تَسْتَبْقُوا فِيهَا نَسَمَةً حَيَّةً، بَلْ دَمِّرُوهَا عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهَا، كَمُدُنِ الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ».
إن بذورَ الإرهاب فى الحقيقة ليست من الإسلام فى شيء، ولم تنبت فى تربتنا ولا فى تراثنا، بل إن جذور الإرهاب ومصانعه لدى من أبادوا الحضارات ودمروا الشعوب الأخرى وعرَّضُوها للانقراض، ومن حقنا أن نسأل: لمصلحة مَنْ إيهام العالم بأن المسلمين دعاة عنف وإرهاب، وأن دينهم يحرِّض على قتل الآخر واستئصاله؟!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة