تريند
تريند


تحدي السوق العقاري

محمد عبدالمقصود

الجمعة، 13 نوفمبر 2020 - 01:25 م

مع كثرة القرارات التاريخية التي اتخذتها الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم تعد كثير من القرارات التاريخية، و الني ستسهم في حدوث تغيير حقيقي في الأداء الداخلي لكافة مؤسسات الدولة للأفضل، تنال ما تستحق من إشادة أو اهتمام إعلامي أو نقاش مجتمعي.

وأحدث هذه القرارات المظلومة إعلاميا، ما أعلنه السيد الدكتور/مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء حول تكليف كليات الهندسة بجميع محافظات مصر بإصدار تصاريح البناء بدلا من المحليات، و التي أصبح الحديث عنها و عن فسادها مكررا و مملا، و كانت البداية مع المحافظات المليونية و الأكثر ازدحاما، القاهرة و الاسكندرية و الجيزة.

 

و يأتي هذا القرار استكمالا لمجموعة من القرارات المتصلة بالثروة العقارية مؤخرا، ما يعكس رغبة الدولة المصرية في تنظيم العمل بالسوق العقاري، و تعظيم قيمة الممتلكات العقارية المصرية، و هو ما سيساهم في زيادة جودة الحياة و الخدمات المقدمة لكل المصريين، فضلا عن خلق بيئة محلية مناسبة لتنشئة جيل جديد من المصريين ينعمون فيها بالإهتمام و الرعاية و الحياة الكريمة، اضافة إلى جذب الاستثمارات المحلية و الدولية لهذا السوق، الذي عانى كثيرا من العشوائية و الإهمال و غياب الرؤية المستقبلية.

 

كما يفعل هذا القرار مبدأ الاعتماد على العلم في تنظيم شئون حياتنا اليومية، وينجو بمصر من كارثة البناء المخالف و اغتيال الأراضي الزراعية، فضلا عن كارثة عشوائية البناء و التوسعات الغير مخططة، و التي ينتج عنها بيئة مشوهة، في ظل افتقاد هذه التجمعات للخدمات التي تستوعب الكتل البشرية التي تعيش فيها، و التي ينتج عنها مشكلات أمنية و اجتماعية عديدة يصعب حصرها.

 

و لكي تتحقق هذه الأهداف في أسرع وقت ممكن، و لكي يلمس المواطن كل هذه الأهداف، نأمل أن تستعين كليات الهندسة بكل أقسامها و فروعها في تنفيذ هذا التكليف الوزاري الهام، و ألا يكتفى في تنفيذه بأقسام العمارة و المدني فقط، على أن يتم ذلك وفقا لضوابط تخطيط المدن وفقا للمعدلات العالمية، و التي شملت مؤخرا مفهوم "المباني الخضراء" الموفرة لمواد البناء و استهلاك الطاقة، و ذلك بالتوازي مع تسويق المنتج العقاري المصري بفئاته الثلاث، الاسكان الاجتماعي و المتوسط و الفاخر.

 

فإن كانت الشروط الصحية و الانشائية و الجمالية اللازمة لتوفير مسكن صحي و آمن و ملائم معروفة، و هي شروط لطالما تجاهلها  و تلاعب بها مقاولي السوق الحر بالتعاون مع فساد المحليات، و نتج عنها مئات الآلاف من الوحدات السكنية الغير آدمية و الغير آمنة، فإن الاحتياج لتنمية فكرة السوق العقاري الآن أصبح احتياجا مجتمعيا لا يقل أهمية عن اشتراطات الأمان و الصحة، و ذلك للاعتماد عليها في قوانين الضرائب العقارية و الايجار بفرعيه القديم و الجديد، و تشجيع حركة البناء و التعمير بالمدن الجديدة، فضلا عن حماية السوق العقاري و تأمينه من باقي المخاطر و الجرائم التي تصيب باقي الاسواق كالنصب والاحتيال و غسيل الاموال.

 

و يستوعب السوق العقاري في مصر حجم استثمارات يصل إلى 200 مليار جنيه تقريبا، و هو ما يمثل 20% من حجم الاقتصاد الكلي الرسمي المصري، كما يمثل نحو 10.5% من حجم رأس مال البورصة المصرية، و هي الأرقام التي تعكس أهمية تطوير هذا السوق، و ما سينتج عن ذلك من فوائد لكل المصريين.

 

و تستوجب تنمية السوق العقاري عدد من الاجراءات الهامة، و أهمها أن يتم التعبير عن كل مستوى من مستويات السكن في مصر بمؤشرات رقمية واضحة، سواء كانت هذه الأرقام فيما يخص العقار أو فيما يخص مدى توافر الخدمات بالمجتمع المحيط به.

 

و تعكس هذه الأرقام حجم الخدمات المتوفرة في كل مربع سكني، و عدد الوحدات السكنية و التجارية فيه، و نسبة الوحدات المشغولة بالسكان من المغلقة، اضافة إلى استهلاكات قاطنيه من كهرباء و مياه و مصادر طاقة و اتصالات، و حركة البيع و الشراء وغيرها من الإحصائيات التي ستخدم كثيرا فكرة السوق العقاري، و تجعله أكثر قدرة على جذب المستثمرين المحليين و الاجانب.

 

إن البدء في هذا الحصر اعتمادا على قواعد البيانات المتاحة بشركات الكهرباء و المياه و الاتصالات بكل محافظة ضروري و هام جدا قبل أن نفكر فيما هو قادم من مباني و وحدات سكنية، ناهيك عن تفعيل مبدأ الطاقة الاستيعابية لكل مربع سكني، ثم لكل حي، ثم للمحافظة في مجملها، و بناءا على كل هذه الحسابات سيكون من السهل على كل أطراف السوق و أصحاب المصلحة أن يتخذوا قراراتهم السويقية بنسب مخاطرة أقل.

 

كما سيساهم هذا الحصر في تحديد أوجه القصور و النقص في باقي الخدمات داخل كل مربع سكني، مما يوفر امكانية التطوير و تحديد الاحتياجات العاجلة و المستقبلية لكل حي، خاصة و أن خدمات مثل المستشفيات و المدارس و الجامعات و النوادي و المسارح و مراكز الشباب و المرور و ساحات انتظار السيارات أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة المواطنين، و كلما ساهمنا في توفيرها بشكل مناسب، كلما انعكس ذلك على سلوك و أخلاقيات الانسان الذي سيخرج من هذه التجمعات السكانية.

 

و رغم ما يبدو من صعوبة هذا الأمر، إلا أنه بالاعتماد على طلبة كليات الهندسة، و بالتعاون مع باقي الكليات الأخرى، و كذلك التوسع في الاعتماد على أعضاء مراكز الشباب و الجمعيات الاهلية في تنفيذ هذا الحصر، مما سيجعل مخرجات هذا العمل أكثر أهمية و عمقا من استصدار التصاريح فقط، و سيكون نواة حقيقية لتغيير حقيقي يلمسه المواطن في شئون حياته اليومية، و كذلك تفعيل مبادئ عديدة هامة كالتخطيط العمراني و حوكمة السوق العقاري و تنمية المجتمع، فضلا عما سينتجه هذا العمل من فرص عمل قائمة على تلبية احتياجات المناطق المحرومة من الخدمات.

 

و من الطبيعي في النهاية أن يقترن كل هذا الجهد بموقع اليكتروني يعرض نتائج كل هذه الاعمال، اضافة الى ميكنة عملية التصاريح و الاعتماد على محددات الاعتماد على الخرائط الالكترونية في و نتائج كل مربع سكني في عملية اصدار التصريح من عدمه.

 

لقد بدأت مصر بالفعل مشوارها الطويل في مكافحة العشوائية والقبح و نشر الجمال، و كذلك قرر المصريون خوض تحدي السوق العقاري، و أن تعود مدن مصر لموقعها الطبيعي في صدارة أجمل مدن العالم، و نأمل أن يكون هذا القرار الرائع خطوة فاصلة و مهمة في هذا الطريق، لا ينقصنا فقط سوى الايمان بأهمية هذا الهدف، و الذي لو توافر، فإن تنفيذه في أقرب وقت ممكن سيكون أمرا هينا و ممكنا و سريعا أيضا.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة