الكاتب الصحفي ممدوح الصغير
الكاتب الصحفي ممدوح الصغير


الزحام.. صناعة صينية على أرض مصر !

ممدوح الصغير

الإثنين، 16 نوفمبر 2020 - 05:53 م

وسط القاهرة، خصوصًا العتبة والموسكى، يتواجد مئات الباعة الذين تفترش بضائعهم الأرض، وقد تجاوزوا حدود المسموح لهم، مما خلق زحامًا مروريًا، وأعاق حركة السير بالمكان.. سكوت الأحياء وشرطة المرافق على هؤلاء، جعلهم أصحاب حقٍ فى التعديات التى تتم يوميًا، وأصبح رجعوهم إلى النقاط المسموح بها أمرًا مستحيلًا وضربًا من الخيال !!
إن كل ما يُباع فى العتبة والموسكى ،منتجات يتم استيرادها من دول شرق آسيا، خصوصًا الصين التى عَرفت احتياجات المستهلك المصرى، من خلال دراسات علميَّة تم إجراؤها عليه، فأصبحت بكين تُنتج سلعًا تُبهره وتخطف اهتمامه، ودون قصدٍ أسهم المواطن المصرى فى  تدهور صناعة بلده، وارتفاع قيمة فاتورة الورادات من دول شرق آسيا، من خلال إقباله على شراء منتجٍ مستوردٍ له مثيلٌ صناعة وطنية، لا يقل كفاءةً عن المنتج المستورد هذا.
أما المستوى الثقافى لمعظم الباعة، فهو أقل من المتوسط، فهم يعلمون أنهم مجرد خيوطٍ تتحرك لتحقيق مصالح زعيم السوق، المُستورد الكبير المُتحكِّم فى الاستيراد وتوزيع حصص الربح على وكلائه، خاصةً الموزعين الصغار.. كل الباعة الجائلين على أرصفة طرقات وسط القاهرة، لا يعرفون مَنْ هو الرجل الكبير الذى يفوز بالنصيب الأكبر من الأرباح، يعرفون فقط مَنْ يُوزع عليهم المُنتجات بشكلٍ يومى، هم أشبه بحبةٍ فى سبحةٍ طويلةٍ لا تعرف سوى جارتها فقط، لا يعرفون أيضًا أنهم كلما نفذت بضائعهم كان الثراء للدولة المُصنِّعة، صحيحٌ أن التاجر الكبير يُضيف لحسابه عدة ملايين من الدولارات، لكن الدولة المُصنِّعة للمنتجات تُضيف فى حسابات مصانعها مئات الملايين من الدولارات، ولا يكون للدولة المُستوردة أى ربحٍ سوى حصيلة الجمارك التى تُفرض على السلع، والرابح الحقيقى من البضائع المعروضة فى وسط القاهرة، مصانع    دول شرق آسيا.
 لا أُطالب بإلغاء استيراد السلع من دول شرق آسيا، لأننى أعلم أن هناك حركة تبادل تجارى، واتفاقيات، فمثلما تُوجد ورادات، هناك أيضًا صادرات، والتى - للأسف - تُعدُّ ضئيلةً إذا ما قُورنت بحجم ما نستورده، لكنى أُطالب فقط بأن  تكون هناك حصة للصناعات الوطنية، التى حال بيعها يكون الربح للدولة المصرية، ومن ثمَّ يتحقق الانتعاش للصناعة الوطنية.
 مصر تعتمد على 25 % من وارداتها على الصين، فنحن نستورد منها ما قيمته تُقدَّر بنحو 16مليار دولار، وفى شهور حائجة كورونا انخفض الرقم إلى 14 مليار دولار، إذ تستورد مصر أجهزةً كهربائيةً بما يُقارب 3 مليارات دولار، وهناك سلع بـ 2 مليار دولار لها مماثلٌ مصرىٌّ لا يقل كفاءةً عن المُستورد، وكل المطلوب أن يتم عرضه بصورةٍ لائقةٍ؛ لأن بيعه يُسهم فى انتعاش الصناعة المصرية، التى تنهزم بسبب أن سعر المستورد أرخص رغم جودة المُنتج الوطنى.
يجب أن نُثمِّن ثقافة شراء المنتج  المحلى، ونشرح أهمية اقتنائه؛ لأنه يُسهم فى الطلب على الأيادى العاملة، التى حال شَغل فراغها، يكون الازدهار والتعافى للاقتصاد، وتكثر الفوائد، وتنخفض معدلات الجريمة.
الأسبوع الماضى أجبرتنى الظروف على مصاحبة صديقٍ والذهاب رفقته للعتبة والموسكى، وأفزعنى الزحام، وما رأت عينى من منتجات تفترش المساحات المُخصصة للمارة، حيث شاهدت ملامح مَنْ يبيع هذه المنتجات؛ فمن لهجاتهم تعرف أن معظمهم من المحافظات المختلفة، تركوا مدنهم، بحثًا عن فرصة عملٍ، وحلم الثراء يُداعب عقولهم حتى لو كان المُضار هو الوطن الذى يعيشون فيه، وينعمون بالأمن والأمان، الأهم لديهم مضاعفة الربح، حتى تزيد حصصهم منها، لا يعرفون أن زيادة أرباحهم سوف تمنح كبير السوق مساحةً أكبر لمضاعفة أرباحه، وللأسف الرابح الأول ليس كبير السوق هذا أو المُوزع الصغير، بل الرابح غير مرئىٍّ، وهو بلا شك مصانع الدول المُصدِّرة، وإذ أجبرتك الظروف على المرور سيرًا بالعتبة والموسكى، فاعلم أن الزحام الذى تضجر منه حينئذ بأمر الصين، كلما صدَّرت مصانعها، ضجَّت شوارع  وسط القاهرة بالزحام.. حفظ الله مصر وأهلها.
أقرأ أيضأ«إسنا» على صفيح ساخن بسبب الانتخابات

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة