عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

دليل آخر على هشاشة منظومة القيم الإنسانية

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 22 نوفمبر 2020 - 07:31 م

عبدالله البقالى

يرتقب أن يعيش المجتمع الدولى امتحانا حقيقيا بأبعاده الإنسانية.. فقد زادت وتيرة تسابق القوى العظمى نحو إعلان جاهزية لقاح مضاد لفيروس كوفيد 19 بشكل لافت خلال الأيام القليلة الماضية، إذ ما أن أعلنت إحدى الشركات عن هذا الاكتشاف حتى توالت الأخبار المفرحة التى تؤشر على نهاية محتملة لهذا الوباء، الذى أحدث هزة عنيفة فى الأوضاع العالمية بصفة تكاد تكون غير مسبوقة، بل وانتقل هذا التنافس إلى إعلان السبق فى الاكتشاف إلى نسبة فعالية اللقاح، حيث ما إن بشرت إحدى الشركات الساكنة فى العالم بأن نسبة فعالية اللقاح الذى اكتشفته وصل إلى 90 بالمائة، حتى سارعت شركة أخرى بعد ساعات إلى التبشير بأن فعالية لقاحها المكتشف تصل إلى 92 بالمائة، لتليها ثالثة بعد ساعات، مؤكدة أن نسبة فعالية لقاحها تتجاوز 94 بالمائة، ولازال سوق المزادات مفتوحا، وقد تفاجئنا شركة من الشركات المتنافسة بأن نسبة فعالية لقاحها تصل إلى 100 بالمائة.
دعنا من هذا السباق الذى وصل أمتاره الأخيرة، ولسنا معنيين بالمتسابق الذى يدخل أولا ولا من يلحقه فى الوصول، لأن زاوية النظر هذه تهم أكثر الجهات المعنية بعوالم المال والأعمال ومراكمة الأرباح، والذى يشغل اهتمام الغالبية الساحقة من سكان العالم يتمثل أساسا فيما يمكن أن نسميه (عدالة مواجهة وباء كورونا) بمعنى هل سيتحلى العالم بفضيلة العدالة والمساواة فى تمكين مختلف شعوب العالم من الاستفادة من هذا اللقاح، الذى يرتقب أن يقضى على كورونا، خصوصا فى مرحلة البداية، أم أن العالم سيتجرد من هويته الإنسانية ويفسح المجال لمعيار القوة فى هذه الظروف الدقيقة والصعبة التى يجتازها العالم ؟.
المعطيات المتواترة حتى الآن تكشف عن نزوع العالم نحو إعمال التمييز بين شعوب العالم، وأن الشعوب المنتمية للدول الغنية والقوية ستكون محظوظة بأن يكون لها السبق والأفضلية فى الاستفادة من اللقاحات المضادة لوباء كورونا، أولا لأن شركاتها العملاقة هى التى نجحت فى هذا الفتح العظيم، وثانيا لأنها الشعوب التى لها القدرة المالية الكافية لتغطية التكاليف المالية التى سيتطلبها اقتناء هذا اللقاح، خصوصا فى مرحلة البداية التى ستتميز بضعف كميات الإنتاج. وقد كشفت الأخبار الواردة من العواصم الغربية القوية أن اتفاقات الشراء المسبق الموقعة مع شركة (فايزر) مثلا والتى تهم اقتناء 1،1 مليار جرعة تمت مع حكومات الدول الغنية، مما يعنى أنه لم يبق الشيء الكثير للدول الأخرى.
وقد استحضرت منظمة الصحة العالمية هذه القضية البالغة الأهمية وبادرت بإعلان ما سمته (مبادرة كوفاكس) لضمان التوزيع العادل للقاحات، وهى مبادرة تجمع العلماء والحكومات وممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع المدني، وإن علمنا أن هذه المبادرة تم الإعلان عنها قبل حوالى سبعة أشهر من اليوم، فإن ذلك يعنى أن الدول الغنية لم تكترث للأمر، وسارعت فعلا إلى الاستحواذ على أكبر كمية من اللقاحات قبل خروجها إلى العلن.
مهم أن نشير هنا إلى أن باحثين فى جامعة (نورث إيسترن) فى الولايات المتحدة نشروا أخيرا دراسة هامة تطرقت إلى موعد وصول اللقاحات وارتفاع معدلات الوفيات الناجمة عن وباء كورونا، وأشاروا فى هذا الصدد إلى ما قد يحدث إذا ما احتكرت 50 دولة غنية أول مليارى جرعة من اللقاح، حيث لن تنخفض نسبة الوفيات إلا بـ 33 بالمائة، بيد أنه إذا ما تم توزيع اللقاح على أساس معايير عدد سكان كل دولة بدلا من القدرة على دفع ثمن اللقاح، فإن نسبة انخفاض الوفيات ستصل إلى 61 بالمائة، أى حوالى ضعف السيناريو الأول، الذى تشير إليه الاحتمالات مع كامل الأسف.
الأكيد فى ضوء كل هذه المعطيات وغيرها كثير، فإن معالم فشل المجتمع العالمى فى هذا الاختبار الحقيقى بدأت فى الاتضاح والتجلي، بحيث كشفت هذه الجائحة عن الهشاشة الكبيرة فى منظومة القيم الإنسانية، بحيث ما إن واجه العالم خطرا حقيقيا حتى برز منطق الذاتية المفرطة والأنانية المبالغ فيها، مما مكن الأقوياء من مواجهة الخطر والتصدى إليه، فى حين ترك الضعفاء والفقراء لمواجهة مصائرهم.
< نقيب الصحفيين المغاربة

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة