طارق عبيد
طارق عبيد


الدين والدولة.. نقاط التماس الحرج

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020 - 06:02 م

ترك النبي محمد(ص) لأصحابه دينا يقوم السلوك ويهذب النفس وفق قيم لخصها في الحديث الشريف إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. لكنه لم يقدم لهم نموذجًا او نظرية للحكم، ولم يوصي النبي محمد أصحابه بنظام حكم معين، لذلك ظهر الصراع مبكرًا على من أحق بالحكم وما هو معيار اختيار الحاكم، هل هو تدينه أم مقدار قربة من النبي، هل يكون قرشيًا أم مدنيًا.

بدأ الصراع بقتل عثمان بن عفان على يد من أسماهم البعض ثوار و وصفهم البعض الآخر بالخوارج، ثم تطور الصراع إلى حرب بين كبار الصحابة فيما بينهم انتهت بإقرار توريث الحكم لمن يملك القوة بفقه الإمام المتغلب، وكل من تمكن من الحكم وظف الدين سياسيًا في خدمته. فلا هم أنتجوا نظرية سياسية للحكم ولا نأوا بالدين بعيدًا عن صراعهم على العروش.

مع تطور مفهوم الدولة في العصر الحديث اختلفت الرؤى وتباينت المواقف هل الأفضل فصل الدين عن الدولة وكيف يتم هذا الفصل في ظل تنامي جماعات دينية تريد إحياء تراث قديم تجاوزه الزمن، استطاعت هذه الجماعات في غفلة أو تغافل من الدولة أن تنشئ  لها حاضنة مجتمعية واخترقت الوعي الجمعي واستطاعت أن تحدث فصلًا وجدانيًا بين الدولة وشعبها.

تطور هذا الصراع حتى وصل ذروته بوصول الإخوان المسلمين أكبر الجماعات الإسلامية وأخطرها إلى السلطة في 2011، لحظة فارقة في عمر الصراع بين الدولة والدين السياسي، انتهت بإقصاء الإخوان بثورة شعبية عارمة قادتها الدولة المصرية بكل أركانها في لحظة توحد نادرًا ما تتكرر.

شاهد أيضا : فيديو| عمر هاشم: الأحاديث النبوية هي المبينة والشارحة لأحكام القرآن

لكن الصراع لم ينته بإقصاء الإخوان من الحكم بل اتخذ شكلًا أخطر، صراع مسلح يتغذى على دعاية كاذبة مفادها أن الدولة المصرية دولة كافرة وأن الصراع هو بين الكفر والإيمان، دعاية روجتها أدواتهم الإعلامية والاستخباراتية  لكن ما هي خطورة هذه الدعاية على الأمن القومي؟ للإجابة على هذا السؤال لابد أن ندرك أن هذا الصراع هو حرب مكتملة الأركان ولكل حرب جيشها ولكل جيش عقيدته العسكرية. فما هي العقيدة العسكرية للجيوش وما هو التماس بينها وبين عقيدة الفرد.

العقيدة العسكرية للجيوش:

هي المبادئ والنظم والانحيازات الحاكمة للعمل العسكري داخل الجيوش والتي غالبًا ما تتحدد وفق المهام القتالية المطلوبة وطبيعة الصراع ونوعية العدو،على سبيل المثال لو كان الصراع مع دولة معادية على حدود أو أرض أو مناطق نفوذ فالخطاب العسكري ونوعية السلاح واستراتيجية القتال سوف تختلف لو أن هذا الصراع مرتبط بقتال جماعات إرهابية/دينية آو تمرد في بيئة مدنية ومسرح عمليات مختلط.

الدين والبناء المعنوي للجيوش:

كل حرب تحتاج إلى مشروعية وغطاء أخلاقي يحفز الجنود على خوض المعارك بعزيمة، فإذا فقد الجندي دافعه الأخلاقي ضعفت عزيمته وأصبح نقطة رخوة يسهل اختراقها أو تحييدها، وغالبًا لن يقدم الجندي روحة في معركة يراها غير عادلة أو غير أخلاقية أو تناقض قيمه وهذا يعني قطعًا خسارة المعركة.

تسمح معظم الجيوش في الدول الوطنية لأفرادها بحرية ممارسة الشعائر الدينية ، بل أن بعض الجيوش كالجيش الأمريكي يحرص على وجود قساوسة ووعاظ وحاخامات في صفوفه لتحفيز الجنود على القتال وعلامة على حرية المعتقد والمساواة. إلا أن هناك خيط رفيع يفصل ما بين ممارسة الأفراد لشعائرهم الدينية ووبين الطابع الوطني للجيوش والذي يميل غالبًا للشكل العلماني المتجرد من أي انتماءات إلا الانتماء للوطن.

الشكل السابق للجيوش يختلف عن الجيوش ذات الطابع الديني، حيث تكون العقيدة العسكرية مبنية على مفهوم ديني من حيث طبيعة الصراع ومسارح العمليات العابرة للحدود ونقاط التمركز الدينية، وهو عادة ما يكون خاضعًا لسلطة رجال الدين (الجيش الإيراني نموذجا).

التماس بين الدين والدولة في الحالة المصرية:

بعد قيام ثورة 30 يونيو على محاولة الإخوان المسلمين تغيير الهوية المصرية ، وقعت الدولة المصرية بين مطرقة التيار "التنويري" الذي يتهم الدولة بأنها لازالت تحت سيطرة جماعات الظلام الدينية وبين سندان جماعات الإسلام السياسي التي تتهم الدولة بالكفر ومعاداة الإسلام.والحقيقة أن كلا الطرحين خاطئ ويعبر عن جهل بطبيعة المجتمع من  جانب التيار التنويري و عن إجرام وتدليس من جانب تلك الجماعات الإرهابية.خطورة تلك الرؤى القاصرة أنها لا تراعي أن قوام الجيش من الجنود والضباط هم من أفراد الشعب الذي يمثل الدين جزء من تكوينه. كيف سيواجه أفراد هذا الجيش جماعات تقاتل الدولة  باسم الدين وتقدم بفهمها الخاطئ غطاءا شرعيا لإجرامها  صنعته عقول مختلة ونفوس معتلة؟

كان لابد من أن تقدم الدولة رؤيتها للدين ،لأنها ببساطة لو توقفت عن تفنيد وتفكيك الخطاب الإرهابي/الديني للعدو واستبدلته بمفاهيم سليمة فإنها تترك منطقة رخوة في البناء النفسي والمعنوي للجنود ،إن لم يتم اختراقها فعلى الأقل سوف تؤثر على الروح المعنوية و على المشروعية و الغطاء الأخلاقي للحرب.

هذا ما فرضته علينا طبيعة الصراع، أدوات جديدة تناسب طبيعة الحرب ونوعية العدو بعيدا عن مزايدة أصحاب الفهم القاصر والنظرة الأحادية من ناحية وعن تدليس القتلة تجار الدين من ناحية أخرى، دون المساس بالعقيدة العسكرية للجيش قلب الدولة الصلب، تلك العقيدة التي كانت المحرك الأعظم لثورة30 يونيو والمستمدة من مفهوم وطني جامع ومحدد للأمن القومي ،بعيدا عن اي انحياز طائفي او ديني او عرقي مهما حاول البعض التشويش على تلك الصورة بالجهل مرة وبالإفك مرات.

هذا التماس بين الدين والدولة سوف يستمر حتى نتخلص من الروافد الني تغذيه وأهمها القضاء على كل جماعات الإسلام السياسي التي تسببت في هذا الارتباك و التي كانت لعقود سبب في عدم إتمام عملية التحول الديمقراطي، هذا الطرح ليس تبريرا ولا محاولة للتغطية على أخطاء كثيرة في المعالجة، لكنها مقاربة واقعية لحالة نعيشها. نحتاج وقت لفك هذا الاشتباك بين الدين والدولة وفق رؤية واضحة وخطة عمل تجنبنا الصدام مع المجتمع او خسارة معاركنا.ربما نجد الحل في إعادة قراءة نظرية الدكتور عبد الوهاب المسيري عن العلمانية الجزئية، تلك النظرية العبقرية التي أوجدت  خليطا متوازنا بين الحفاظ على الدين كمعتقد يخص أفراد المجتمع وبين الدولة ذات الطابع المؤسسي العلماني الذي يرى كل المواطنين سواء دون تمييز..ومصر دائما من وراء القصد..

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة