د. محمود عطية
د. محمود عطية


من باب العتب

«العتبة والموسكى والجلاء» بلا كورونا

د.محمود عطية

الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 09:03 م

بمرورك أو تواجدك فى مناطق العتبة أو الموسكى أو حتى شارع الجلاء.. سيصدمك زحام بشرى تكاد تتلاصق فيه الأجساد وتتعانق فيه الرءوس زُرافات ووُحدانًا وليس مودة ورحمة.. وستتحلل دون إرادة منك من نصيحة التباعد الاجتماعى وتفقد ذاكرتك معنى الكمامة..وستظن أن زلزالا يدفع الناس للهرولة بالمكان متخبطين خارج منزلهم خوفا من انهيارها فوق رءوسهم أو كأن المرء يفر من أخيه وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تُؤْوِيهِ.

أو تحسب أن تلك المناطق يرتادها بشر ذوو طبيعة مغايرة عن بقية البشر، وكل منهم فى شأن وتجزم بأن هؤلاء البشر بالتأكيد لم يخبرهم أحد بأن هناك وباء يجتاح العالم تحت مسمى فيروس كورونا.!

وربما يذهب بك سوء الظن أن تلك المناطق لا يسرى عليها تحذيرات وتعليمات البلاد..فكل شىء مباح ومجاز ولا وجود لما يسمى الأحياء أو المحليات.. فالباعة الجائلون من كل صنف يغتصبون الأرصفة من تحت أرجل المارة ويلقون بهم وسط الطريق.. وربما يشطح بك الخيال العلمى وتتصور أن تلك المناطق ربما تكون مصنوعة حتى تكون بيئة حاضنة للفيروس.

من يصدق أن ميدانى العتبة والموسكى كانا يوما ما مقصدا للطبقات الراقية، حيث المحلات الأنيقة والأزياء الحديثة وحديقة الأزبكية التى كانت بيتا للموسيقى.. يتحول إلى عشوائيات من الباعة الجائلين يحتلون الميدان والشوارع المحيطة ويحولونه إلى صخب وصياح همجى وعراك ببضائعهم سيئة الصنع فى كثير من الأحيان ومجهولة المصدر فى أحيان أخرى.. ويتحول المكان إلى كابوس يؤكد تراخى الجهاز المحلى. مع أن هذا الازدحام البشرى وعلى مدار اليوم والذى لا يمكن تخيله إلا يوم الحشر العظيم..استطاع حى الموسكى فى الموجة الأولى إخلاءه من نحو 40 ألف بائع تنفيذًا لقرار الحكومة بمنع الاختلاط فى الشوارع ومواجهة التكدسات بين المواطنين.!

أما فى شارع الجلاء حيث صيدلية الإسعاف ومستشفى الجلاء للولادة فلا مكان للعقل هرج ومرج وصخب وخلافات وتدافع بالأيدى وتحرش.. أرصفة تم انتهاكها ونهر شارع تحت سطوة سائقى الميكروباصات ما بين مناداتهم على اتجاهاتههم ومعاركهم على الزبائن وألفاظ نابية تتطاير من أفواهم.. ويوم السعد لو استطعت المرور لدخول شارع الصحافة.. فسوف تقابل بالعديد من العوائق فوسط الميدان أمام الإسعاف لن تجد موضع قدم لنفسك ما بين باعة يفترشون الرصيف وميكروباصات تغتصب وسط الميدان وتجد من يصيح فى وجهك "عمارة عمارة..جامعة دول جامعة دول.. هرم هرم".

ومأساة تذهلك وتفجعك حول واحدة من أعرق وأقدم مستشفيات القاهرة الجلاء للولادة حيث يتم تطويقه من كل جوانبه وعلى اتساعه من قبل باعة الملابس المستعملة والباعة الجائلين فى تحد غير مسبوق.. حتى سد المدخل باستندات باعة الملابس.. والأغرب ان تجد بعض رجال الأمن حول المستشفى لا يحركون ساكنا.. وكأن الوضع بات عاديا.. والتكدس غير الإنسانى حول المستشفى يحيل العاقل إلى مجنون..أتساءل فى حسرة كيف تحولت تلك الميادين إلى نموذج للقبح يخرج لسانه لنا فى بلاهة ويتحدى المدنية والفيروس القاتل.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة