تعاون الرئيسين التركى والأذربيجانى ضد أرمينيا قضى على نفوذ طهران فى القوقاز
تعاون الرئيسين التركى والأذربيجانى ضد أرمينيا قضى على نفوذ طهران فى القوقاز


هزائم مؤلمة لإيران فى حرب القوقاز

أرمينيا ليست الخاسر الوحيد بعد معركة الأسابيع الستة

آخر ساعة

الخميس، 31 ديسمبر 2020 - 08:16 ص

علاء عزمى

انتهت حرب القوقاز الأخيرة بهزيمة مذلة لأرمينيا وانتصار ساحق لأذربيجان، فضلًا عن حليفيها روسيا وتركيا، بيد أن إيران، ورغم أنها لم تشترك فى المعارك أو مساعى الحلول الدبلوماسية، من قريب أو من بعيد، فقد مُنيت بخسائر موجعة، ربما ستدفع ثمنها لعدة عقود وأجيال مقبلة.
بالقطع، تجاوزت خسائر حرب الأسابيع الستة بالنسبة لطهران، الأبيات الشعرية المسيئة التى نظمها الرئيس التركي، أردوغان، بينما كان يشارك نظيره الأذري، إلهام علييف، احتفالات بلاده بالانتصار القذر فى منطقة مرتفعات كاراباخ.

ويرصد تقرير لصحيفة «فرايتاج» الألمانية الخسائر الإيرانية العديدة لطهران ونظام الملالى الحاكم، فيشير إلى أنها وعلى المستوى السياسى قد انتزعت منها آخر أوراق التأثير والنفوذ فى المنطقة، فيما تتنوع قائمة الخسائر بأكثر من ذلك بكثير.
علاقات وثيقة
وتتمتع الجمهورية الإسلامية بعلاقات وثيقة مع أرمينيا، وهى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تزود يريفان بالسلع، بما فى ذلك الأسلحة، عن طريق البر مباشرة.
فى المقابل، تعمل «يريفان» على المستوى السياسى والاقتصادى كبوابة دعم وتحالف بالنسبة إلى طهران المعزولة دوليًا منذ عقود، حيث لا يُسمح لها باستيراد العديد من السلع بسبب العقوبات العديدة.
وعلى عكس ما توقعته طهران، تركت موسكو إيران على جانب الطريق فى حرب القوقاز هذه وعملت بدلاً عن ذلك مع أنقرة، التى بدورها تتمتع بعلاقات وثيقة مع «باكو».
كما انتهت الحرب على حقيقة مُرة، تجلّت فى فقد طهران فرصة تمركز قواتها المسلحة على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، بل بدت طهران مجبرة على أن تراقب صاغرة، كيف تتعاون باكو بشكل وثيق مع تل أبيب، العدو اللدود لبلد الملالي، لتنتصر فى الحرب ضد أرمينيا من خلال الاستخدام الممنهج للطائرات الإسرائيلية بدون طيار.
محاولات حفظ ماء الوجه
تشعر طهران بالخداع وتحاول منذ ذلك الحين حفظ ماء الوجه وإظهار القوة. فبالإضافة إلى الهجمات على المستويين السياسى والدبلوماسى على عملية التسوية للنزاع، فإن إيران حاولت تبنى ردود انتقامية ذات طبيعة اقتصادية. وربما ليس من قبيل المصادفة أنه فى اليوم الذى احتفل الرئيس الأذربيجانى علييف ونظيره التركى أردوغان بالنصر على أرمينيا فى باكو، قام رئيسا إيران وأفغانستان، حسن روحانى وأشرف غني، بافتتاح خط جديد للسكك الحديدية فى المنطقة الحدودية المقابلة بطول 220 كيلومترا، ويربط مدينتى خاف فى إيران وجوريان فى أفغانستان. وعلى المدى الطويل، يجب أن يكون الخط جزءًا من اتصال أكبر يمتد من أوروبا إلى الصين.
ورغم ذلك، تخشى إيران إمكانية تقييد حركة المرور عبر الحدود مع أرمينيا. الأهم من ذلك هو حقيقة أن النفط والغاز من أذربيجان يمكن أن يصل بشكل دائم إلى تركيا وأوروبا عبر جورجيا.  بالتالي، لم تعد إيران موضع اهتمام كمورد للغاز لتركيا.
ولم يخف على أحد خلال الأيام القليلة الماضية، أن خطة نقل ومواصلات يجرى الإعداد لها على أعلى مستوى لربط تركيا بأذربيجان، وكذلك عبر بحر قزوين مع دول آسيا الوسطى، التى ينحدر سكانها أيضا من أصل تركي.
وضع مدمر
كان الوضع فى إيران مدمراً منذ سنوات. الاقتصاد يضعف بسبب العقوبات الأمريكية، كما تتصاعد معدلات البطالة المرتفعة أصلًا. يرغب الشباب المتعلمون بشكل جيد الهجرة إلى الغرب لأنهم يفتقرون إلى الأفق فى وطنهم الأم. هناك نقص فى الحرية للرجال والنساء، وكذلك للجماعات العرقية غير الفارسية فى البلاد. وبحسب وزير الخارجية الإيرانى السابق على أكبر صالحي، فإن 40% من الإيرانيين يتحدثون «التركية»، وهم السكان من أصل تركي.
وعلى الرغم من أن الدستور الإيرانى يمنح جميع الأعراق الحق فى استخدام لغاتهم وثقافاتهم، فإن الواقع مختلف. وبقدر ما تختلف الجمهورية الإسلامية فى نواحٍ عديدة عن النظام الملكى البهلوي، الذى ورثته فى عام 1979، فإن التمييز والقمع المنهجى للجماعات العرقية غير الفارسية لهما تقليد طويل فى إيران ممتد من أيام الإمبراطورية إلى زمن آيات الله. ومنذ الإطاحة بالقاجار من أصل تركى فى عام 1925، لم يكن ذلك هدف البهلويين فحسب، بل هدف الإسلاميين والقوميين الفارسيين العاملين معهم فى طهران أيضًا، بحيث تتحول إيران متعددة الأعراق إلى دولة قومية فارسية بحتة، وبحيث تصبح اللغة الفارسية الوحيدة التى يجرى التحدث بها.
إن حقيقة ردة الفعل الغاضبة من جانب الإسلاميين والقوميين الفارسيين فى طهران تجاه أردوغان وقصيدته التى استشهد بها فى أذربيجان، والتى تشير إلى أمجاد الانفصاليين الأتراك تجاه الإمبراطوريات الإيرانية والفارسية الزائلة، إنما هى فى الأصل إشارة واضحة على انعدام الشعور بالأمان، بل والشعور بالخوف من السكان الإيرانيين من أصل تركي، الذين حرمتهم السلطة المركزية فى العاصمة لما يقرب من مائة عام، من التعبير عن أنفسهم سياسياً وثقافياً.  
من التجارب المؤلمة المهمة للإيرانيين من أصل تركى ذكرى جمهورية أذربيجان المتمتعة بالحكم الذاتى فى شمال غرب إيران، والتى كانت موجودة فى 1945/46 وتم حلها من قبل الحكومة الإيرانية بعد انسحاب القوات السوفيتية. وقد قتلت قوات محمد رضا بهلوى حشودًا من الإيرانيين من أصل تركي، وأغلقت الجامعات الناطقة باللغة التركية، وأحرقت كتبًا باللغة التركية.
طريق مسدود
اليوم، تقف إيران سياسياً واقتصادياً وشعبيًا فى طريق مسدود، وتعانى ثقافياً أزمة هوية ضخمة يجرى قمعها من قبل نخب السلطة. كما فقدت القيادة دعم قطاعات كبيرة من سكانها، لذلك فهى تعتمد على اللعب بورقة القومية الفارسية من أجل ربط الفرس بأنفسهم على الأقل.
لقد غرّد وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف فى 14 ديسمبر قائلًا: «لقد خاض جميع الإيرانيين - بغض النظر عن عرقهم أو لهجتهم أو معتقدهم - أكثر من 444 حربًا فُرضت عليهم خلال تاريخنا المبجل الذى يعود إلى آلاف السنين. فهل من المستغرب إذن أن إيران هى أقدم أرض موجودة للحضارة الإنسانية؟».
لكن فى ضوء الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وإعدام المعارضين على طريقة المدون روح الله زام فى 12 ديسمبر، فإن تصريحات مثل التى غرّد بها ظريف، تبدو ساخرة ومهينة.
الواقع يقول إن هناك نقطة غليان كبيرة فى إيران. لقد غيّرت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان فى ميزان القوى الذى كان يومًا فى صالح طهران، بالتالى زاد الضغط على الملالي. إضافة إلى أزمة الهوية الإيرانية المطروحة الآن أمام العالم. من ثم فقد عبّرت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، ثم القصيدة محل النزاع مع أنقرة وأردوغان، وبشكل غير مباشر، عن مطالب شرائح بالملايين تعانى التمييز والاضطهاد.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة