نص الدنيا و كل المعاناة
نص الدنيا و كل المعاناة


نص الدنيا وكل المعاناة

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 13 يناير 2021 - 11:46 م

هي شرقٌ جميلة بطعم الثراء، ثرية في كل شيء، تحمل كل ميراث أرضها عمقاً وتأثيراً ووجعاً.. تولد كما تولد مثيلاتها في أي مكان في هذا الكوكب.

لكنها شرقاً تولد مختلفة بإحساس بالتمييز السلبي- قطعاً ليس تعميماً لكنه واقع للأغلبية الساحقة باستثناءات تنير درب الأمل في أن تتحول هذه الاستثناءات لتسود - فحياتها من ساعة الميلاد حتى الممات سلسلة طويلة من العقبات، الإحباطات، الخيبات والمخاوف.

تولد ومعها محاذير على كل شيء بحجة التربية، محاذير تبلغ عنان السماء اعتادت أنها تخصها وحدها دون أخيها وكأنه رفع عنه القلم في الدنيا والآخرة وكأنها ستحمل أوزار البشرية جمعاء بالرغم من أن عقاب خالقهم لا يختلف تبعاً للجنس.

تعيش طبقاً لطريق حدد سلفًا فتحفظ محاذيرها وطريقها كحفظها لملامحها و كف يدها، النظرة بحساب الكلمة لها ألف حساب الحركة لها تخطيط مسبق وتوقيعات وأذونات وأختام أيضا.

هي تصنيفاً أنثى لكن لا تستخدم هذا الوصف إلا في اختيارات النوع في الأوراق الحكومية وعلى صفحات الإنترنت، غير ذلك فهو وصف غير لائق فهي أي شيء غير طبيعتها.. هي ابنة، أخت، زوجة وأم لكي يُنفى عنها حقها الأنثوي ككائن مشارك في الحياة.

هي ترزحُ تحت ضغط هائل يجثم علي صدرها يقيد أحلامها يزداد يوما بعد يوم متولد من قيود لا تصلح حتي لأسرى الحرب.

هي مسئولة من يوم ميلادها حتى مماتها، فهي من تساعد أمها و ترعى أباها وأخاها ثم تكبر لتمارس هذا الدور بجانب دورها كزوجة و أم و دورها في عملها ثم تسألونها لماذا هي محبطة؟!.. يوم واحد تعيشه في مكانها كفيل بالرد فما بالكم بميراث الخيبات والأوجاع والخوف.

فالخوف مكون رئيسي من مكوناتها كأنثى شرقية ، الخوف من بطش الأهل ، من نظرة الأقارب ،  من همسات الجيران ، من عيون المارة ، من زملاء العمل ، من صديقاتها ، من وعود بآمال تصدقها برغم تأكدها من كذب أصحابها، من أسئلة لا إجابة لها حتى عند أعتى الفلاسفة.. لماذا لم تتزوجي؟، لماذا لم تنجبي؟ لماذا لم تنجبي اخاً لابنتك؟ لماذا ترتدين ألوانا لا تناسب سنك أو كونك أم؟ لماذا تضحكين بصوت عالٍ؟.. وقائمة طويلة تجعلها تخاف من كلمة لماذا وما بعدها.

هل تتخيل أن يستنكر غيرك حقك في اختيار ألوان ملابسك!! ولا يحق لها الاعتراض، بل إن الرد المناسب الذي يشفي الغليل يصنف من الأهل بأنه قلة ذوق و ضعف تربية.

لكن هذا ما تربت عليه وإن أنكرته أو استنكرته واعتادت أن تعيشه وتتعامل معه.

خوف يلازمها من الطفولة تظن في فترات أنها تغلبت عليه وانتصرت ليعاود  الظهور ثانية على نحوٍ أشرس وأبشع، تقابل شريك حياتها وتظن أنها انتصرت وأصبحت كائنا غير معاق متساوٍ في الحقوق والواجبات، تُقبل على حياتها الجديدة بسعادة المُفرج عنه والذي أخيرا سيمتلك أمره لتكتشف خيبات من نوع جديد. 

فقليل جدا من يحاول احتواء شريك حياته و مراعاة خلفياته ، و هي تعلمت كل شيء إلا أن تكون أنثى لأنه في عرف الشرق أن تكون كلمة أنثى مرادفا للعيب ، فيعود الخوف ليجثم من جديد على العلاقة و معه الجميع في احتفال مهيب لرجوع سيطرة الخوف ، يأتي ليحتفل و يلهو برأسها و إحساسها و معه الشك،الظن و الإحساس القاتل بعدم الأمان ... الأمان الذي تتمناه في حضنه أولا و عندما لا تجده تكتفي بأمان السقف الذي يجمعهما لأنها خائفة من الفشل ، من نظرة أهلها ، من المجتمع ، من صديقاتها، بل وحتى من  اولادها 

هي شرقٌ خُلقت من خوف و لن تستقيم الحياة إلا بتحررها من هذا المعوق الذي يعوق حياتها و حياة من حولها

هذا الخوف التراكمي نتج عنه طباع مكتسبة من المراوغة و اللؤم في محاولة منها لنيل ما عجزت عن أخده بمجرد الطلب، مع صبغ وجهها بعبوس دائم محمل بكل اوجاع و ميراث الشرق و الذي تتحمله هي دون غيرها .

تدفن خوفها في أعبائها وتتحمل ما لا يطيقه بشر حتى لا تختلي إلى نفسها وتتذكر أنها أنثى.

خُلقت له وخُلق لها ليكتملا... ولو كانت الحياة تدور بأحدهما دون الآخر لما  خُلق الآخر من الأساس.. فساعدوا وتفهموا وحاولوا استيعاب الاختلاف، وأخيراً.. ارحموا لعلكم تُرحمون.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة