نادر حلاوة
نادر حلاوة


"تورتة" الغضب !

نادر حلاوة

الثلاثاء، 19 يناير 2021 - 05:27 م

في بلد عربي شقيق .. دخل رجل بطريق الخطأ إلى مجلس للنساء ، فما كان من إحدى السيدات إلا أن نهضت بسرعة كمن لدغها عقرب ورفعت ذيل جلبابها الطويل لتخفي به وجهها ، ورغم أن نصف جسدها الأسفل كان عاريا إلا أن السيدة لم تشعر بأي مشكلة فقد نجحت في تغطية وجهها، وهذا هو الأهم، فالسيدة تنتمي لمنطقة قبلية نائية يعتبر سكانها أن ظهور وجه المرأة أمام الرجال مصيبة لا تدانيها مصيبة وعار لا يمحوه إلا الدم .. دم المرأة بطبيعة الحال .

هذه الواقعة حدثت بالفعل ولا تزال تحدث حتى الآن على نطاق واسع بصور مختلفة فهناك مجتمع بأكمله يكشف عن سيقانه المشعرة وعورته المغلظة ليداري وجهه !

هناك مجتمع يعاني من خلل في مفهومه عن الأخلاق، فلا يجد غضاضة في تصريح نائب متطرف يحرض على العنف ضد الفنانين صباحا، لكن براكين غضبه تنفجر مساء بسبب تورتة جنسية ، فالأخلاق تقتصر في هذا المجتمع المنكوب على الجنس خاصة إذا تعلق بالمرأة ، فطبيب «الميكروباص» الشهير الذي كشف عن عورته في مكان عام لم يحظ بنفس القدر من الغضب حين التهمت بعض السيدات عورة ذكورية مصنوعة من الكيك !

يستطيع كل مجتمع أن يضع «التورتة الجنسية» ضمن قائمة محرماته كما يشاء، لكن أن يضعها في أعلى منظومته الأخلاقية فهذا يشبه موقف السيدة التي غطت وجهها وكشفت عورتها المغلظة .

يحتاج هذا المجتمع الذي يمارس الوصاية على أفراده إلى التعرف من جديد على معنى الأخلاق، ويجب هنا أن يذكره من ينبغي أن يذكره بأن الصدق من الأخلاق إذن الكذب انتهاك للأخلاق، وأن الأمانة من الأخلاق إذن الغش والرشوة انتهاك للأخلاق، وأن العدل من الأخلاق إذن استغلال النفوذ والمحسوبية جرائم أخلاقية .

يجب أن يقوم البعض بدوره المعلن في حماية الأخلاق فيذكر المجتمع أن التكفير جريمة أخلاقية لأنها تؤدي إلى إيذاء الأبرياء وترويعهم وإزهاق أرواحهم، يجب أن يشرح للناس أن العفة ليست ثوبًا أنثويًا بل سلوكاً يُطهر الإنسان من دنس أخذ ما ليس حقًا له أو أكل حقوق الناس .

يجب أن يعترف المجتمع الحريص على الأخلاق أن فلان المرتشي ليس «باشا» وأن السيارة الفارهة التي تركبها زوجة السيد المسئول في الحي دفع ثمنها على أقساط من الانتهاكات الأخلاقية .. ولأن عبارة «الانتهاكات الأخلاقية» ليس لها تعريف لدى هذا المجتمع سوى ما يتعلق بالجنس فيجب التوضيح هنا أن السيدة زوجة مسئول الحي سيدة شريفة بمعنى أنها لم ترتكب أي فعل جنسي محرم لكنها فقط استغلت نفوذ زوجها في تكوين ثروة ..هل هذا هو مفهوم الشرف الذي يرتاح له المجتمع ؟!

الرجل شريف ولو أكل مال «قارون» بالباطل ، والسيدة شريفة ولو احترفت النميمة والوقيعة بين الناس، هذا هو حكم المجتمع على أفراده، وهذا ما يفسر غضبة قطاع منهم إذا قامت نفس هذه السيدة بخلع حجابها فطالما شعرها مستور فكل شيء على ما يرام .

ربما يحتاج هذا المجتمع نفسياً إلى ما يطمئنه على أخلاقه فيجد ضالته في مقطع «تيكتوك» أو «تورتة» يفجر فيها غضبه ويثبت لنفسه أن شبكة أخلاقه أمتن من شبكة الصرف الصحي في الإسكندرية شتاء!

فما هو إذن معيار الانتهاكات الأخلاقية وما هي عقوباته ؟

تُقاس الانتهاكات الأخلاقية بقدر أثرها على المجتمع نفسه فتتراوح العقوبة بين اللوم والتأنيب إلى المحاكمة والسجن .

لذلك عليك أن تسأل نفسك وأنت تتعايش مع هذا العدد المهول من أدراج الموظفين المفتوحة في كل مصلحة حكومية عن تأثير الرشوة على المجتمع وهنا عليك أن تضع الرشوة على معيار الانتهاكات الأخلاقية، فتعلن عن غضبك الشديد أو لا ..هذا شأنك

عليك أن تعرف ما هو تأثير «الواسطة» على نفسية شاب كفء مقبل على الحياة وهنا يمكن أن تغضب بشدة أو لا كما شئت

وعليك أيضا أن تبحث عن تأثير مكالمة سمعتها صدفة بين مواطن قريب لسعادة الباشا وهو يلغي مخالفاته المرورية أو يعين ابنته ذات الصوت الأجش مذيعة في الإذاعة كيف تقيس ذلك على معيار الانتهاكات الأخلاقية ؟

وكيف تصنف أخلاق ذلك المقاول الذي شيد برجًا سكنيًا فوق  أساسات مخصصة لثلاثة أدوار ..هل ثمة انتهاك أخلاقي هنا؟ أم أن توزيع هذا المقاول لهدايا العودة من العمرة يمنحه شرفاً لا تستحقه أي فتاة تتعرض للتحرش علناً في الشارع ؟! 

وكيف تفسر هذا التفاوت بين عدد القضايا المتعلق بسلوك النساء وبين عدد القضايا المتعلقة بالمحسوبية مثلا ؟.. من السهل هنا الوصول لإحصائية قضائية رسمية لتكتشف أن الوضع المعكوس للأولويات الأخلاقية قد ينقل بعض المجتمعات من المقدمة إلى المؤخرة .

وهنا لا تستغرب من تقاعس المحامي الهمام «سمير الوحش سمير»عن رفع أي قضية تتعلق بالانتهاكات الأخلاقية الحقيقية التي يصمت عنها المجتمع رغم ضررها البالغ، فالسيد «سمير الوحش سمير» رغم مسيرته الطويلة في مستنقعات الفساد المالي التي استخرج منها ثروته الطائلة إلا أنه رجل شريف بشهادة المجتمع نفسه

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة