جمال فهمى
جمال فهمى


من دفتر الأحوال

يميـن فى يميـن

جمال فهمي

الخميس، 28 يناير 2021 - 08:59 م

ونحن نحتفل هذه الأيام بمرور عشرة أعوام على ثورة 25 يناير العظيمة والمهدرة والتى نكابد حاليا ضياع أهدافها بعد السطو عليها من عصابات إرهابية وطائفية تعادى تماما كل شعاراتها النبيلة.

وبهذه المناسبة، وبعيدا عن الاجتهادات العديدة فى محاولة رصد أسباب إخفاق ثورة يناير، عقب سرقتها من جمهورها، فإننى لطالما أشرت إلى الخطر الشديد الراقد فى أحشاء ظاهرة أن الجدل والصراع السياسى فى بلادنا بات يدور حصرا تقريبا بين أنواع مختلفة ومتفاوتة البشاعة من قوى وجماعات اليمين فقط، إذ لا وجود لليسار فى هذا الصراع، ومن ثم غابت قيمه وشعاراته التقدمية الأكثر التصاقا بمعاناة الأغلبية الساحقة من أعضاء المجتمع خصوصا جحافل الفقراء والمعدمين منهم.

قد يقول قائل إن ظاهرة ضعف اليسار وغيابه لا نتفرد بها بين أمم الدنيا فى المرحلة الراهنة، وأنها تكاد تكون سمة قبيحة تعانى منها، فى السنوات والعقود الأخيرة )بدرجات مختلفة( اغلبية مجتمعات العالم.. طبعا وللأسف الشديد، هذا الكلام فى عمومه صحيح، غير أنه لابد من الاعتراف بأننا "حالة خاصة" إذ نتميز بأن الصراع السياسى والاجتماعى فى مجتمعنا يغيب عنه تماما كل ما له علاقة بقيم وأفكار التقدم المشهور علاقتها الحميمة بقوى اليسار، بمعنى أننا وإن كنا نشارك الإنسانية حاليا فى مرض ضعف الحضور اليسارى اقتصاديا واجتماعيا، فإننا فى الحقيقة نعانى )مع مجتمعات أخرى قليلة جدا على هذا الكوكب( من أعراضً "أنيميا" حادة جدا فى الحضور اليساري.

هذا الغياب يجعل هدف التقدم بسرعة معقولة نحو مجتمع جديد ناهض يتمتع فيه خلق الله بالحرية والعدالة وأسباب الحياة الكريمة، مجرد حلم لذيذ نحلق به فى فضاء الخيال ونحن نحتفل بذكرى ثورة كان شعارها المدوي: عيش، حرية، عدالة اجتماعية.

وفى هذا السياق، دعنى عزيزى القارئ أختم بإشارة مختصرة جدا إلى مسرحيتين شهيرتين كلتاهما عنوانها يبدأ بكلمتى "فى انتظار.."، الأولى أبدعها المسرحى الأيرلندى ذائع الصيت صمويل بيكت )1906 − 1989( ونشرها تحت عنوان "فى انتظار جودو"، وهذا الأخير شخصية وهمية تبدأ المسرحية وتنتهى من دون أن نعرف من هو، ولماذا ظل بطلاها يتحدثان ويثرثران عنه وينتظرانه حتى انطفأت انوار المسرح وهبط ستاره عليهما؟.. ولا تبرير لذلك إلا أن بيكت كان نجما بارزا جدا فى تيار مسرح العبث الذى آل مبدعوه على أنفسهم مواجهة مآسى الوجود الإنسانى وعدميته المؤلمة بالمحاكاة الدرامية لهذه العدمية.

 أما المسرحية الثانية فقد كتبها المسرحى الأمريكى كليفورد أوديتس )1906 − 1963( ورغم انه نشرها فى العام 1952 أى فى عز السعار الرجعى والقمعى للمكارثية التى كانت تضرب المجتمع الامريكى بعنف آنذاك إلا أن عنوانها بدا واضحا وسافرا ومباشرا تماما، "فى انتظار لفتى".

و"لفتى" هذا مع أنه فى المسرحية اسم شخص، لكن حروف كتابته منقولة حرفيا عن كلمة "يسار" بالإنجليزية!!

ذلك الوضوح وتلك المباشرة فى العنوان كانت تناسب حال أوديتس الذى لم يكن يدارى أبدا انتماءه السياسى الصريح لليسار )بعكس مراوغة "بيكت" وزملائه العبثيين( كما أن هذه المباشرة تجاوزت العنوان إلى مضمون المسرحية التى كُتبت من فصل واحد وخمسة مشاهد، وحكت حكاية مجموعة من العمال الغلابة يسعون لتنظيم إضراب احتجاجى فى مواجهة الاستغلال الواقع عليهم وسوء وبؤس أوضاعهم، لكنهم ينتظرون زعيمهم "لفتى" الذى، مثل "جودو" بيكت لم ولن يأتى ابدا.. لأنه ببساطة تعرض لحادثة اغتيال ومات.. أو هكذا أُشيع فى أوساط زملائه العمال.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة