الجمعة، 29 يناير 2021 - 11:48 م

بقلم/ يسرى الفخرانى

أعذب نقطة ماء فى النهر.. هى التى جرفها التيار مسافات طويلة، طول المشوار بين صخور ورمال وصعود وهبوط، تجعلها نقية نقاء من هذبته التجارب وعلمته الحكمة...، (المشوار صعب دائمًا، لكن الوصول للهدف ليس مستحيلاً).

خلقنا الله لكى نصنع الرحلة، لكى نحب الرحلة مهما كان فيها من مفاجآت حلوة ومُرة، إنها رحلتنا تشبه أفكارنا وأحلامنا وأمانينا، تشبه كل خطوة مشيناها لكى نمضى إلى الأمام نُغير ونَتغيَّر، نُعلم ونَتعلَّم، نَعشق ونُعشق. 

عذُوبة الحياة فى صعوبة مشوارها، إننا حصاد ما نمر به وما يمر علينا من وجوه الحياة وتَقلباتها المستمرة، لا شىء يبقي، وكل نهاية بداية ولكل بداية نهاية، والألم مهما كان عظيما نَمر به لكى نتذوق حلاوة الشفاء ونعمة الصحة ونعرف أن العافية لها سحر أجمل بكثير مما نتصور.

لا حزن يَدوم لا فرح يستمر، لا بكاء يَقْتُل ولا ضحك يُحيي، والرحلة الشاقة إليّ ما نتمنى مستمرة، وهى عند أنقياء القلوب وأصحاب الأرواح المُرهفة رحلة ممتعة بقارب فى نهر طويل يخفى الخير ويخفى الخطر، مستمرة نحو مجهول نكتشفه لكى تصبح للحياة معني.

كل يوم هو عمر جديد، الحمد لله على أننا نبدأه ونملأ الوقت بما يجدد علاقتنا بالحياة.. حياة أنت فيها القارب والكاتب والنور والبحار والسؤال، وكلنا نجتهد لكى نُبحر ونَكتب ونرى ونذهب ونجد الإجابة التى نقتنع بها أن ننتظر غدًا.

لو مَلَت الأمهات من وجوه أطفالهن.. ما بدأت رحلة جديدة تسعة أشهر من العذاب والألم والانتظار.

لكن (كما صبر الأمهات) نتحمّل وننتظر لكى يَخْلُق الله لنا من الصَّبر حياة أجمل.

لا تُمل رحلة أولياء الله نحو نوره بصبر وحب وامتنان ويقين.. أن كل غائب عائد وكل مُنتظر قادم وكل ألم زائل وكل خَوْف يُمحى وكل خطوة لله لا تَضيع فى كَوَّن الله وخَلقه، لا يَتوه أبدًا الحالمون بالخير لا ترتبك خطواتهم لا تنحنى ظهورهم لا تَنكسر أمانيهم التى تَدلهم على الطريق.

كما تلك النقطة من ماء جاءت من بعيد.. من سماء لم نَعد نجومها.. لكى تَقطع مسافة طويلة طويلة فتستقر فى نهاية رحلة قَبضة ماء فى يَد طفل فيشرب أو تسقى بذرة مجهولة ضائعة فى الأرض فتنمو وتصبح شجرة.

نحن هذه النقطة التى تَجْرِي.. لكى تَصنع من الحياة حياة.

يا صديقى إنها الحياة..

ما أصعبها رحلة 

وما أروعها رحلة.