عبدالله البقالى نقيب الصحفيين المغاربة
عبدالله البقالى نقيب الصحفيين المغاربة


حديث الأسبوع

قلـــق ممـا هــــو قـــادم

الأخبار

السبت، 30 يناير 2021 - 09:05 م

بقلم/ عبدالله البقالى

هل أضحى الأسوأ وراءنا؟ سؤال مركزى يتردد على أكثر من لسان وفى مختلف الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد فترة زمنية تعتبر من أصعب الفترات فى تاريخ البشرية جمعاء، حيث هزت الأزمة الصحية الطارئة التى اجتاحت العالم بصفة مباغتة أركان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى مختلف أرجاء المعمور.

المعطيات كثيرة ومتضاربة، فجمهور المتفائلين يرى فى اللقاحات التى تم اكتشافها وتحضيرها، فى زمن قياسى غير مسبوق فى تاريخ الصناعة الصيدلانية والطبية فى العالم، مؤشرا قويا على قدرة المجتمع الدولى على تجاوز هذه المرحلة السوداء فى حياة البشرية، وبارقة أمل فى عتمة الظلام التى سادت طيلة سنة كاملة، والتى سيكون بمقدورها ضمان العودة التدريجية لممارسة الحياة الطبيعية التى اعتاد البشر عليها. والفضل كل الفضل فى ذلك، فى تقدير هذا الجمهور، يعود إلى العلم والعلماء، وإلى البحث العلمي، وليس إلى قطاعات أخرى تستحوذ على النصيب الأوفر من المال، الذى يسخر بتفاهة كبيرة لتحقيق الرغبات فى الفرجة والتسلية وغيرها من القطاعات الهامشية.

بيد أن فريقا آخر لا يخفى تخوفه الكبير والعميق من استمرار التداعيات العميقة والقوية لهذه الجائحة التى لا يمكن تجاوزها بحلول وتسويات علمية قد تقضى على الفيروس الفتاك، لكنها لن تكون قادرة على التصدى للتأثيرات الكبيرة له على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلى مواجهة مخلفاته على منظومة القيم والمبادئ والمثل التى تعرضت إلى هزات مهولة.

القادم من الأيام والشهور والسنين سيكون، برأى هذا الفريق، مخالفا لما اعتادت عليه البشرية، فحرب اللقاحات ستضع أوزارها وستتم محاصرة الوباء، وقد يصبح جزءا من الماضى فى المدى المنظور، ولكن العنوان المركزى للمستقبل المنظور والمتوسط سيرتبط لا محالة بقدرة المجتمع الدولى على تجاوز المخلفات وتضميد الجروح الغائرة التى تسبب فيها الفيروس فى جسد النظام العالمى السائد.

دعنا نستحضر ما كشف عنه تقرير حديث، صادر قبل أيام عن منظمة )أوكسفورد( حمل عنوان )فيروس، عدم المساواة( من معطيات صادمة ومخيفة حتى، فقد أكد مثلا أن القيمة الإجمالية لثروات 10 من أثرياء العالم زادت منذ بداية تفشى وباء كورونا بقيمة 540 مليار دولار، وتكمن أهمية هذا الرقم المذهل فى التأكيد على أنه كفيل بحماية جميع سكان العالم من الوقوع فى الفقر بسبب تداعيات هذه الجائحة، وأن هذا المبلغ الكبير قادر على ضمان تحمل تكلفة اللقاح ليستفيد منه جميع البشر على قدم المساواة. كما أوضح التقرير أن 1000 شخص من المحظوظين فوق هذه البسيطة قد تمكنوا من استعادة الخسائر، التى تكبدوها جراء انتشار الوباء فى غضون فترة زمنية لم تتعد تسعة أشهر فقط، لكن معالجة ما ترتب عن الجائحة بالنسبة للفقراء قد تستغرق أكثر من عقد من الزمن. ويستعرض التقرير مدى قدرة الجائحة على مفاقمة ما سماها بـ )اللامساواة الاقتصادية( فى جميع البلدان تقريبا فى وقت واحد، ولا تعنى اللامساواة هذه غير عودة الأشخاص الذين يعيشون فى حالة فقر إلى المستويات التى كانوا عليها قبل بداية انتشار الوباء، مما قد تستغرق، حسب معدى التقرير، 14 مرة ضعف ما تطلبه تعافى ثروات 1000 شخص، معظمهم من الذكور البيض ومن مراكمى الثروات.

إن هذا الاختلال العميق الذى تسببت فيه الجائحة ستكون له تأثيرات على وتيرة وحجم المداخيل الفردية والجماعية، لأن ميزان هذه المداخيل اختل بصفة كبيرة، وليس بمقدور أىٍّ كان أن يتوقع مدى وعمر هذا الاختلال، وبالتالى عودة هذا الميزان إلى وضعه الطبيعى الذى كان عليه قبل خروج هذا الوباء إلى الوجود. ثم إن ركود وجمود وخمول بنية الاقتصاد العالمى لفترة ناهزت السنة ستلقى بالملايين من البسطاء خارج مواقع الشغل، ولن ينجح فى الخلاص من التداعيات المترتبة إلا ذوو القدرة المالية المخزنة، ولن يكونوا سوى الأثرياء الذين انحنوا أمام العاصفة إلى أن مرت، لينهضوا من جديد.

تقرير منظمة )أوكسفورد( يقترح وصفة علاجية، لكنها تبدو مثالية ليست قابلة للتطبيق، بأن يتم فرض ضريبة مؤقتة على الأرباح الزائدة التى حققتها 32 شركة عملاقة فى العالم فى زمن الجائحة، مما سيمكن من توفير 104 مليارات دولار فى سنة واحدة، وهذا المبلغ سيكفى لتوفير تعويضات عن البطالة لجميع العمال فى العالم، والدعم المالى لجميع الأطفال والمسنين فى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وهذا ما تؤكد جميع المؤشرات الواقعية، استحالة تطبيقه فى الزمن الراهن، لأن هذه الشركات التى تفننت فى استثمار المآسى المترتبة عن الوباء لاتزال ماضية فى نفس الطريق التى حققت لها ما حققته من أرباح طائلة وخيالية.

لذلك كله وغيره كثير، لا يمكن الاطمئنان بعفوية التى قد تصل حد السذاجة، إلى ما هو قادم من أيام، ببساطة شديدة لأن المجتمع الدولى لم ينجح فى الاتفاق على استخلاص نفس الدروس والعبر من الجائحة، بل إن كل طرف، وكل جهة، اقتطعوا من هذه التجربة القاسية التى تعيشها البشرية ما ارتأوا وقدروا أنه يخدم مصالحهم بالدرجة الأولى، والأدهى من ذلك فإن النظام العالمى سيعتمد فيما سيأتى من زمن على هذه التقديرات المتباينة والمختلفة، وبذلك ليس من السهل الجزم اليوم بأن الأسوأ قد تجاوزناه.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة