ماكرون: القانون لا يحارب الأديان ولكنه يتصدى للتشدد والكراهية
ماكرون: القانون لا يحارب الأديان ولكنه يتصدى للتشدد والكراهية


مع محاولات التسلل التركى المتطرف إلى فرنسا

ماكرون يفكك لغم الإسلام السياسى

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 28 فبراير 2021 - 05:21 م

كتبت: دينا توفيق

تقف فرنسا على أطراف أصابعها.. تنتفض فى وجه الإسلام السياسى والفكر المتطرف.. عراك وعزم على محاربة أيديولوجية تعتبرها عدواً لجمهوريتها.. حالة من الترقب الشديد وسط مواجهة مفتوحة مع ما يسمى "تيار الإسلام السياسي" داخليا وخارجيا.. التيار الذى تمثله الجماعات الإسلامية بعضها تابع لجماعة الإخوان المسلمين وأخرى للتيارات السلفية.. محاولات من أجل الحفاظ على الحرية والتعايش السلمى داخل مجتمعها وحمايتها بعد العنف الشديد والهجمات الإرهابية التى شهدتها البلاد منذ عام 2015.. ووسط سعى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لكسب تأييد التيارات المعارضة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فى 2022.
بعد جدل واسع فى الساحة السياسية الفرنسية، أقر مجلس النواب بأغلبية ساحقة قانون "تعزيز المبادئ الجمهورية"، الذى جعلته المأساة ضرورة أخلاقية ملحة، حيث يضمن حاجة البلاد للعلمانية ويحمى ضحايا النزعة الانفصالية سواء كان ذلك جسديًا أو عبر الشبكة العنكبوتية، ويشدد الرقابة على التمويل الأجنبى للجمعيات ويضع آليات لتمويل أنشطة الطوائف الدينية. كما يهدف القانون لمواجهة التطرف واجتثاثه من البلاد ويضيق الخناق على نشر الكراهية، التى تتسلل عبر الخدمات العامة والجمعيات وبعض المدارس بهدف تقويض القيم الوطنية، بالإضافة إلى محاربة تيار اليمين المعادى للمهاجرين، بحسب ما ورد فى موقع "The Local" الفرنسى. لكنه أثار جدلاً وسط تحذيرات من أنه قد يقيد الحريات العامة. 

مسلمون يؤدون الصلاة فى شوارع باريس
وكان البرلمان الفرنسى بدأ مناقشة القانون ضد ما وصفه وزير الداخلية جيرالد دارمانان بـ"مرض" التطرف الإسلامى الذى يصيب الوحدة الوطنية فى البلاد، معربا عن أن هذا النص لا يحارب الأديان بل يحارب الإسلاميين المتشددين. وعكس القانون، الذى هاجمته تركيا ودول إسلامية أخرى، وانتقده مبعوث الولايات المتحدة المعنى بالحرية الدينية الدولية ووصفه بـ"شديد القسوة"، عزم ماكرون على معالجة سلسلة من الهجمات الإرهابية التى خلفت أكثر من 260 قتيلا فى فرنسا منذ عام 2015، ودفع بالتشريع، وسط احتجاجات شديدة تبديها أحزاب المعارضة أيضًا، وفى مقدمتها أحزاب اليسار، وجزء من كتلة الوسطيين المتحالفة مع حزب الرئيس الفرنسى "الجمهورية إلى الأمام".
وكان القانون قيد الإعداد قبل مقتل معلم الثانوى صموئيل باتي، فى أكتوبر الماضي، إثر قطع رأسه فى الشارع بعد عرض كاريكاتور عن النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) أثناء أحد الفصول الدراسية، وفقاً لقناة "فرانس 24"، لكن الجريمة أيقظت مشروع القانون وأعطته دفعة جديدة، بعد الهجمات المتعددة التى تلقتها البلاد من قبل أطراف خارجية متطرفة.
ويعكس القانون أولوية للرئيس الفرنسى، الذى رسم فى خطاب ألقاه عقب مقتل باتى صورة قاتمة لما وصفه بـ"الانفصالية"، التى تشق طريقها بهدوء وخلق "مجتمع مضاد"، يقوم بتلقين الأطفال عقائدهم وينكر مبادئ "المساواة بين الجنسين والكرامة الإنسانية."
وقدَّم ماكرون وحكومته برئاسة جان كاستكس، القانون الذى كان يعرف باسم "محاربة النزاعات الانفصالية" قبل أن يطلق عليه "تعزيز المبادئ الجمهورية"، بهدف حماية القيم الديمقراطية والعلمانية فى فرنسا ومكافحة التوظيف السياسى للدين الإسلامى واستئصال ما يسميه "الانفصاليون". وقال كاستكس إن القانون "قانون حرية، وحماية، وتحرر من الأصولية الإسلامية أو أيديولوجيات أخرى تسعى لتحقيق نفس الأهداف". لافتاً إلى أن مشروع القانون أدخل أيضاً تعديلات على قانون 1905 الذى يفصل بين الكنيسة والدولة ويضمن قيام دولة علمانية من أجل تحديث وتوضيح مسائل العقيدة. 
ويتمحور المشروع الجديد حول أربعة بنود قوية، من ضمنها الإشراف على عمل الجمعيات والمساجد، بما فى ذلك حظر تمويل الجمعيات من قبل دول أجنبية، فى حين أن التمويل الأجنبى للمساجد غير محظور، بشرط الإعلان عن المبالغ التى تزيد على 121 ألف دولار. وهناك أكثر من 2600 مسجد، والتى غالباً ما تكون ملحقة بمدارس قرآنية، وتعمل حاليا وفقاً لقواعد الجمعيات. كما سيتعين على الجمعيات التوقيع على ميثاق "احترام القيم الجمهورية" للحصول على دعم حكومى.

فرنسا ومعاناة كبيرة من العديد من الهجمات الإرهابية
وانتقد زعيم المنظمة الإسلامية الرئيسية فى فرنسا، تحركاً "أحادياً" من جانب ثلاث جماعات إسلامية بعدم التوقيع على ميثاق مكافحة التطرف الذى أيده الرئيس ماكرون، حيث أعلنت كل من لجنة التنسيق للمسلمين الأتراك فى فرنسا (CCMTF) واتحادات مثل "ميللى جوروش" التركية، و"الإيمان والممارسة" (القريبة من جماعة التبليغ) عدم التوقيع. ووفقًا لوكالة "أسوشيتد برس" قال مصدر قريب من القضية، طلب عدم نشر اسمه، إن الجماعات الثلاث التى ترفض التوقيع على الميثاق قلقة بشأن تعريف التدخل الأجنبى فى الدين وتعريف الإسلام السياسي. ويأتى الخلاف فى وقت تشهد العلاقات بين فرنسا وتركيا توترات دبلوماسية حادة، وانتقاد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مراراً محاولة ماكرون قمع المسلمين فى البلاد. ويُنظر إلى "ميللى جوروش" التركية، على أنها مستوحاة من أفكار رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان، الذى يُعتبر والد الإسلام السياسى فى تركيا ومعلم أردوغان. 
وكشفت صحيفة  Le Journal du Dimanche الأسبوعية فى تحقيق لها بعنوان "كيف تسلل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى فرنسا؟" العديد من التقارير التى أرسلتها أجهزة المخابرات الفرنسية إلى الإليزيه التى تثير القلق من التأثير المتزايد للقوة التركية على الأراضى الفرنسية. ولا يخفى أردوغان استخدام خطاب الإسلام السياسى المتحالف مع الإخوان المسلمين، ويعتبر الرئيس التركى مسلمى أوروبا رعاياه، فى يناير عام 2018، أثناء استقبال المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية أو CFCM لأردوغان فى زياته الرسمية إلى باريس، قال الأخير فى رسالة تحذيريه، إن "مسلمى فرنسا تحت حمايتي.. ومن يلمسهم يمسني". وبعد ثلاث سنوات، وفى الوقت الذى تصاعدت التوترات بين الرئيس التركى ونظيره الفرنسى حول السياسة الفرنسية لمحاربة الإسلاموية، فإن المعلومات التى جمعتها أجهزة المخابرات الفرنسية تؤكد حقيقة النشاط التركى داخل البلاد.

الصحافة الفرنسية ترفض تدخلات أردوغان
وتم إرسال العديد من التقارير إلى قصر الإليزيه من قبل المديرية العامة للأمن الداخلى (DGSI) والمديرية العامة للأمن الخارجى (DGSE) فى نهاية أكتوبر 2020، التى كشفت عن نطاق وأشكال وأهداف استراتيجية تسلل أنقرة عبر شبكات تديرها السفارة التركية ووكالة المخابرات التركية (MIT) وأشار الخبراء الفرنسيون إلى أن النفوذ التركى لا يقتصر على المهاجرين، ولكن أيضاً من خلال المنظمات الإسلامية، ومؤخراً فى الحياة السياسية المحلية، والدعم المقدم للمسئولين المنتخبين.
ومن المساجد إلى الجمعيات، هناك تنظيم قوى وراء جهود تركيا للسيطرة القسرية على المسلمين فى فرنسا، وتهدف هذه المنظمات إلى تلقين الأجيال الجديدة عقيدة الإسلام الراديكالى والقومية التركية. وتمارس أنقرة قوة جذب حقيقية لكثير من المسلمين لأنها تصوِّر نفسها كدولة ديناميكية ذات طموحات اقتصادية وعسكرية ضخمة تمكنت من معارضة الغرب فى المسائل المتعلقة بالإسلام بينما يسترضيها الغرب فى نفس الوقت. ويقود أردوغان الآن الإدانات ضد جهود فرنسا للتصدى للتيارات المتطرفة وعلى رأسها الإسلام السياسى، حتى أنه أطلق مقاطعة دولية ضد جميع المنتجات الفرنسية، انضمت إليها عدة دول إسلامية. وجاء ذلك احتجاجاً على غضب الرئيس الفرنسى من الإسلام الراديكالى بعد حادث باتى.
ومن خلال أيديولوجية الإخوان المسلمين، تواصل تركيا بسط نفوذها عبر الشبكات الإسلامية فى فرنسا، المساجد والمدارس القرآنية والجمعيات ومجموعة كاملة من المنظمات التى هى جزء من مشروع أردوغان، وفقاً للمحلل الجيوسياسى، بول أنتونوبولوس، بالإضافة إلى تمويل تدخلاتها العسكرية فى ليبيا وسوريا والعراق.
واعتبرت الصحيفة أن أنقرة "خانت التعاون الجيد" مع باريس، واستحضرت تصريحاً لرئيس الوزراء الفرنسى الأسبق مانويل فالس (2012 ــ 2014) الذى تحدث فيه عن حجم التنسيق بين بلاده وتركيا لـ"مراقبة نشاطات حزب العمال الكردستانى المعارض للنظام التركى" على الأراضى الفرنسية، وكذلك التعاون بينهما فيما يتعلق بحركة اللاجئين ومكافحة الإرهاب. لكنه يضيف واصفاً خداع أردوغان لفرنسا بـ"خدعة أردوغان المزدوجة"، مشدداً على أن "الحرب الأهلية فى سوريا سرعان ما كشفت عن وجه أردوغان ونواياه الحقيقية". ووفقاً للتقارير الفرنسية، فإن النظام التركى استطاع اختراق الداخل الفرنسى عبر 650 جمعية ينسقها اتحاد كونفدرالى "تسيطر عليها الجالية التركية" فى فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا ودول أخرى. 
ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2003، تمتع أردوغان بشعبية كبيرة فى فرنسا وجميع أنحاء شمال أوروبا، ما سمح له فى الوقت نفسه بالمزيد من التدخل من خلال استثمار الحكومة التركية فى بناء شبكة من المدارس لتعليم الأطفال وفقاً لمبادئ حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامى المحافظ الذى أسسه أردوغان وتولى قيادته. ويتم التدريس من قبل مُعلمين أتراك، جميعهم تابعون للحزب، فى إطار نظام Elco تدريس اللغة وثقافة الأصل، الذى يريد ماكرون إنهاءه. كما أنه يقوم على أساس مؤسسة تسمى "معارف" التركية التى تُثار حولها الشكوك، ويتم تقديم هذا الهيكل كشبكة من المؤسسات الخاصة، وله فروع فى 60 دولة رسمياً "للتأثير الثقافى لتركيا". وتراقب المخابرات الفرنسية عن كثب مؤسسة "معارف" التى تعد "وكراً لنشر الأيديولوجية الإخوانية" لحزب أردوغان، والأخطر أنها "أماكن لجمع المعلومات الاستخباراتية".
وتؤكد إحدى الملاحظات التى تم نقلها للإليزيه أن المدرـسين المعــارين من تركــيا لــElco من المرجح أن "يجمعوا معلومات استخباراتية أو يوفرون غطاءً لضباط الاستخبارات التركية". ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فى الآونة الأخيرة، ناقش السياسيون أهمية تدريب الأئمة فى فرنسا بدلاً من تركيا، التى تدرب وتسيطر على العديد من الأئمة الذين يخطبون فى فرنسا، ومن ثم يخدمون المصالح التركية وليس الفرنسية.
منظمة أخرى تخضع للتدقيق من قبل الأمن الفرنسي، هى الاتحاد الدولى للديمقراطيين (UID)، الذى تم إنشاؤه عام 2006، للإشراف على 7 جمعيات محلية مسئولة عن تعزيز السياسات المؤيدة لأردوغان من أجل "تحسين صورة" النظام التركى وتقديم "الدعم اللوجستى لحزب العدالة والتنمية"؛ والمنظمة لديها حركة شبابية، يقودها فرانكو تركى يبلغ من العمر 32 عاماً، بالإضافة إلى قسم نسائى، بقيادة مهاجر تركى يشتبه أن يكون له علاقة مباشرة مع خبير سابق فى معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا". وكما يقوم الاتحاد بالدعاية الأيديولوجية لنشر الإسلام السياسD، التى تنظمه حركتان: لجنة التنسيق للمسلمين الأتراك فى فرنسا (CCMTF) واتحادات مثل "ميللى جوروش" التركية. ووفقًا للمخابرات الفرنسية، فإن هاتين الحركتين تهدفان إلى "التأثير فى الهيئات الرسمية للإسلام بفرنسا". وخلال الفترة من عام 2017 إلى 2019، نجح CCMTF فى جلب شخصية تدعى، "أحمد أوجراس"، كرئيس CFCM، هذا المهندس الذى لم يتلق الكثير من التدريب الدينى تحوَّل إلى وكيل سفريات، ثم نفى أى تبعية لأنقرة، لكنه وصف أردوغان بأنه "نموذج للديمقراطية". وإذا لم يعد للحركتين والاتحاد التركى نفس التأثير، فقد أظهر أنصارهم ثقلهم فى ديسمبر الماضى من خلال عرقلة صياغة "ميثاق القيم" الذى طالب به ماكرون.
وبالإضافة إلى ذلك، تواصل تركيا دعم اليمين المتطرف، رغم قيام وزارة الداخلية الفرنسية بحل جماعة "الذئاب الرمادية" التركية التى تتصرف كميليشيا ليس فقط فى تركيا، وإنما أيضاً فى الدول التى توجد فيها جاليات تركية كبيرة، مثل ألمانيا وفرنسا وغيرهما، والتى تشن غارات فى الأحياء الأرمنية فى فرنسا. 
ومن خلال التدخل بقوة فى الشتات التركى والمجتمع المسلم فى فرنسا، يأمل أردوغان فى حشد الدعم لحزبه "العدالة والتنمية" فى الانتخابات المستقبلية، وأن يكون قادراً على التأثير فى الانتخابات الفرنسية من خلال كونه صوت ملايين المسلمين فى البلد. وكان التنافس الفرنسى التركى ذات يوم صراعاً ثنائياً، لكن مع تشجيع تركيا على الهجمات الإرهابية فى فرنسا، أجبر أردوغان أوروبا فعلياً على دعم ماكرون بقوة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة