مؤمن خليفة
مؤمن خليفة


بدون أقنعة

مشاعر الأبناء

مؤمن خليفة

الأحد، 14 مارس 2021 - 06:27 م

شعرت بالأسى والحسرة وأنا أستمع إلى الأم التى بلغت من العمر أرزله " 88 سنة" وهى تشكو أن ابنتيها لا تسألان عنها ولا تردان على تليفوناتها.. الأولى تعيش فى القاهرة والثانية فى المنصورة وأنها تعيش أسبوعا عند ابنها وأسبوعا عند ابنها الآخر وأنهما يقولان لها لابد أن تشارك شقيقتاهما فى الحمل الثقيل.. وتسأل أحد المشايخ فى برنامج تليفزيونى : "هل ربنا بيعذبنى.. بس أنا معملتش حاجة ".. كانت الكلمات تخرج منها بصعوبة أبكتنى ونزلت الدموع من عينى.

هل يستحق هؤلاء الأبناء أن يكونوا من جنس البشر.. هل هذا جزاء الأم العجوز التى سهرت الأيام والليالى بجوارهم تداويهم وتحنو عليهم.. ما تفعله الابنتان من قطع صلة الرحم مع أمهما خطأ كبير لا يغتفر مهما كانت الأسباب.. عقوق الوالدين ذنب عظيم عند المولى سبحانه وتعالى ويتنافى مع كل القيم الإنسانية.

تذكرت صديقى الذى كان يشغل مركزا مرموقا وخرج على المعاش قبل سنوات وهو يتألم بشدة من معاملة أولاده الذين لم يحرمهم من شىء وكافح كثيرا من أجلهم.. كانت دموعه تسبق كلماته البائسة وهو يتحدث معى عما آل إليه حاله : هل كنا نعامل والدينا كما يتعامل معنا أولادنا الآن؟

قلت له أنت أديت رسالتك فى الحياة نحو أولادك ولا تنتظر منهم شيئا.. كلنا نؤدى نفس الرسالة ولا نهتم بتبلد مشاعر أولادنا.. فنحن نعلم أن إيقاع الحياة السريع وقلة خبراتهم واهتماماتهم بحياتهم الجديدة يجعلهم يبتعدون عنا !

رد الصديق المصدوم فى أولاده وعيونه تدمع : كنت إذا غاب ابنى عشر دقائق بعد موعد عودته أتصل على تليفونه وإذا لم يرد أتصل مرات ومرات ولا أتوقف إلا عندما أطمئن عليه.. بينما أنا أخرج أحيانا وأغيب بالساعات ولا أحد منهم يفكر فى السؤال عنى.. وفى إحدى المرات اتصل بى ابنى ولا تعلم مقدار فرحتى فقد ظننت أنه يطمئن على وإذا به يطلب منى مبلغا لحاجته إليه.. لقد أصبت بخيبة أمل شديدة.. فى هذه اللحظة سألت نفسى.. لماذا مطلوب منى أن أضحى لأجلهم فهم لا يستحقون منى كل هذا الحب.

لحظات صمت أنتابتني.. توقف لسانى عن الرد.. وفى مثل هذه الحالات التى تصادفنا نلتمس الأعذار ونرد بردود من عينة " ربنا يخليك لهم.. إحنا لازم نستحمل " و" كل العيال بيعملوا كده.. معلشى لسه صغيرين ".. أعلم أننى أكذب عليه.. وأعلم أنه على حق فى غضبه وأعرف كم كابد المعاناة ولم يعش حياته بالطول والعرض وكان كل همه أن يسعد أولاده ليضمن لهم حياة كريمة وأنه يتمنى أن يعيشوا حياة أفضل مما عاشها وهو ابن الطبقة الوسطى وأنه فعل الكثير من أجلهم.. صديقى الطيب يكاد يبكى وهو يتحسر على ما فات من عمره وهو يكد ويشقى ويخرج من عمله لعمل آخر غير عابئ بصحته ويعود منهكا ليستعد لليوم التالى واستطاع أن يوفر لأسرته الكثير ولم يتأخر عن مساعدتهم فى زواجهم.

كان الرجل يبدو حزينا جدا.. تشعر وأنت تنظر إليه أنه كبر عشرات السنين.. أعلم عن يقين أنه محق وأن أولاده لم يكن يستحقون أن يكافح من أجلهم وأنهم متبلدو المشاعر وأن صديقى يشعر الآن أنه لم يعد له دور فى الحياة وهذا شعور قاس لمن هم فى مثل عمره !

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة