محمد سعد
محمد سعد


أمنية

لـ«الشقيانين سلامًا»

محمد سعد

الأحد، 28 مارس 2021 - 07:58 م

بين ليلة وضحاها لا يدرى أحدهم عودته مرة أخرى إلى أحضان أهله وبنيه، يغادرون بيوتهم مودعين دون وداع فربما يكتب القدر عليهم مرارة الرحيل، ربما يكتبهم من الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وهناك من يودع داره وأحبابه مع وميض كل فجر ولا يدرى أيعود إلى أحضان أسرته أم يسبقه الموت فلا يعود، وهناك من تسهر عيونه ملء الجفون لا تغفل تظل تفتش بين خيوط ظلام الليل عن الحلم حتى ينعم أهله وذووه برائحة الأمان والاستقرار فلا يخافوا ولا يهنوا ولا يحزنوا، وهناك من يبذل الدماء الذكية لتسيل على التراب وترويه، وهناك من يحمل بين راحتيه روحه لا يضن بها يودع بها الحياة كى يعيش أبناء هذا الوطن ويعيش على أرضه آخرون.

 

هذه النماذج السابقة هم ضحايا حادث الجمعة الماضية الـ19 الذين صعدت أرواحهم إلى السموات العلا، هؤلاء البسطاء جميعا من دفعوا ثمن الحادث سواء كان متعمداً أو نتيجة إهمال فمازالت ظروفه وملابساته مجهولة وغامضة وجهات التحقيق تعمل دون كلل أو ملل للكشف عن السبب وراء هذه الكارثة البشرية.

 

ولكن بالنظر سريعا على الضحايا من قتلى ومصابين ستجدهم جميعا من البسطاء الكادحين أو كما يطلق عليهم بالعامية "الشقيانين" وجميعهم يؤمنون بالقضاء والقدر لا يهربون مما كتب على جباههم، يواجهون بالرضا والتضحية المصير المحتوم فهم فى سبيل ذلك يبذلون الدم والروح بنفوس راضية مرضية، كتب عليهم الجهاد فى سبيل العيش، يصنعون الخير فيأمن من خلفهم من أكوام اللحم على الاستقرار، ويزرعون الخير بين الناس آناء الليل وأطراف النهار حتى يعيشون فى دار أمن وسلام، ويتحملون ما تنوء به الجبال ويكابدون قسوة الآلام، فتظنهم وحدهم من يؤمنون بالتضحية والرضا بالقضاء والقدر، فهم قطعوا العهد والوعد على أنفسهم وهم رجال أقوياء أشداء، الخوف مات فى جوف قلوبهم وسكنت الشجاعة حنايا صدورهم.

 

حقيقة ما أصعب تلك المشاعر التى تحاول فيها أن تكتب لترثى بعض أبناء وطنك الذين راحوا إما تحت عجلات قطار أو أخذهم أليم أو انهار فوق رؤوسهم عقار، نودعهم بينما نقف عاجزين فقد أراد القدر واستبق ليسترد وديعته ورحلوا وودعتهم العيون لكن لا تتصافح الوجوه مرة أخرى وتترك فراغا موحشا وجراحا غائرة وذكريات تجتر الأحزان، فقد تأكد رحيلهم وتركوا القلوب تنزف وجعا.

 

أضع نفسى موضع أسر الضحايا وأتساءل كيف تكون الحياة إذا غاب عن الوجود رجال يفترشون طريق الخطر لنحيا؟، فاضت أرواحهم حتى ينعم الناس بالحياة، كيف تكون الحياة وهم يعطون للحياة طعما ولونا؟، كيف إذا اختفى من فوق ظهر الدنيا رجال أشداء؟، هم حصن الحياة المنيع فى وجودهم تسكن الطمأنينة النفوس.

 

إلى أهالى الضحايا وذويهم أقول لهم يرحل الأحباب ويتساقطون كأوراق الخريف دون إرادة، انتهى الأمر ولله الأمر من قبل ومن بعد، فالقدر كتب مشهد النهاية وأسدل الستار على رواية الحياة، سيظل موتهم وفراقهم ينزف وجعا، لقد تساقطت أحلامهم كأوراق شجر تعصف بها رياح عاتية، رحلوا قبل أن يشاهدوها واقعا على صفحة الوجود، رحلوا وتركوا دمعة حزن تنزف فى القلوب، لم يتبق منهم سوى الذكرى لا ترحل بالرحيل وكيف ترحل وهى باقية عالقة بالأذهان.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة