هبة عمر
هبة عمر


وجع قلب

موكب على النهر

أخبار اليوم

الجمعة، 02 أبريل 2021 - 06:54 م

حين يمر اليوم موكب أعظم ملوك وملكات مصر القديمة على ضفة نهر النيل فى طريقه المرسوم نحو متحف الحضارة، قد يكون مفيدا أن نوقظ ذاكرة التاريخ لنتعلم مما قدموه لهذا النهر وما قدمه لهم، هذا النهر الذى قدسوه وحرصوا على طهارته من كل دنس، كواجب مقدس يستدعى التخلى عنه غضب الآلهة، وكان دفاع المصرى القديم عن نفسه أمام الآلهة، كما رسمه على جدران المعابد، «أنا لم ألوث ماء النهر... لم أمنع الفيضان فى موسمه... لم أقم سدا للماء الجارى... أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى»، كان قسماً يقدر الحياة التى كان النيل شريانها، والنماء الذى نشر خيره حول ضفافه وساهم فى صنع أعظم حضارات الأرض، وأصبح اليوم رهينا لمطامع سياسية بغيضة لا تحترم عهدا ولا يلزمها إتفاق ولا تعنيها حياة البشر.
بدأت أثيوبيا صراعا حول نهر النيل بمشروعها لبناء سد النهضة لتوليد الكهرباء، وليس بغرض تخزين المياه لأن الزراعة بها تعتمد بنسبة ٩٩٪ على مياه الأمطار الغزيرة، والتى تزيد على ألف مليار متر مكعب سنويا، ورغم توقيع مصر والسودان على اتفاق المبادئ بشأن السد بشرط عقد إتفاق قانونى ملزم بعمليات الملء والتشغيل يحقق لأثيوبيا هدفها من تنمية مواردها ويجنب مصر والسودان المخاطر المتوقعة، لكن إثيوبيا رفضت الإلتزام وتعاملت بتعنت واضح وتذبذب موقفها بين قبول وساطة دولية ثم رفضها وإفتعال معارك كلامية بلا معلومات حقيقية، ثم نفذت فجأة الملء الأول العام الماضى وأعلنت تنفيذ الملء الثانى يوليو القادم بعيدا عن التنسيق مع مصر والسودان، وبغض النظر عن حجم الضرر الذى يتوقع حدوثه، وبدون الاعتراف بأى إتفاقات أو مواثيق دولية تنظم التعامل مع الأنهار المشتركة بين عدة دول.
ورغم أن مصر تفاوضت بصورة مباشرة مع اثيوبيا، وقبلت وساطة أمريكا والبنك الدولى فى مباحثات جرت فى واشنطن، وقبلت مقترح السودان لفتح التفاوض الثلاثى مرة أخرى بين الدول الثلاث، فإن المراوغة الإثيوبية أغلقت الطريق أمام نجاح المفاوضات فى كل مرة، ورغم الغضب الشعبى من هذه المراوغة ظلت مصر تسعى للتفاوض بكل ما تملك من وسائل، حتى أعلنتها أخيرا «لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر»، ربما تدرك إثيوبيا أن فرض الأمر الواقع لن يجدى مهما طال الزمن، وأن النهر الذى أقسم به المصريون القدماء سوف يظل من حق أحفادهم.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة