جمال فهمى
جمال فهمى


من دفتر الاحوال

عمارة حسن فتحى

جمال فهمي

الثلاثاء، 06 أبريل 2021 - 06:22 م

يكثر الحديث هذه الأيام عن أن ثمة خطة وضعتها الدولة لمشروع كبير يستهدف تطوير عدد ضخم من القرى المصرية وإعادة بنائها بحيث تصير أكثر جودة من حيث نوعية الحياة التى يعيش فيها سكانها، ولكن فى خضم الكلام الدعائى عن هذا المشروع الطموح، غاب تماما أى ذكر لعالِم مصرى عظيم أسس نظريا وعمليا مدرسة إنسانية رائدة فى فن العمارة حازت اعتراف وتقدير مؤسسات دولية مرموقة، وكذلك كبار المعماريين المحترمين فى العالم كله.
هذا الرجل الفذ هو الدكتور حسن فتحى (1900 ـ 1989) مهندس عمارة الفقراء، وهى ليست عمارة «فقيرة» (كما قد يوحى هذا الاصطلاح) وإنما تتمتع بثراء هائل، إذ تجمع وتمزج بعبقرية بين الرقى والجمال بغير بهرجة، ولكن من دون أن تهمل كل الوظائف العملية للبيت أو المبنى، فضلا طبعا عن الاقتصاد الشديد فى كلفة تشيد هذه البيوت ومرافقها باستخدام مواد بناء مأخوذة من بيئتنا الطبيعية التى استخدمها الفلاح المصرى على مدى مئات القرون ما يحقق ميزة مزدوجة، أولاها طبعا انخفاض الكلفة المالية، بالإضافة للتوافق الصحى مع البيئة المحيطة بما فى ذلك خصائص الطقس السائد فى أجواء بلادنا.
لقد اغتنمت فرصة أن مرت الشهر الماضى (23 مارس) ذكرى ميلاد الدكتور حسن فتحى، لكى أكتب هذه السطور تذكيرا بقامة مصرية هائلة طواها نسيان يبدو عمديا خصوصا من طائفة معماريين فقراء فى الحس والذائقة، ناصبوا مبكرا فلسفة حسن فتحى البنائية الراقية العداء على مدى السنين، كما لم يتعبوا أو يكفوا لحظة واحدة عن صنع وترويج قبح وبشاعة مدججين على الدوام بجبال من الأسمنت وكتل الحديد.
عزيزى القارئ، لعلك تذكر أننى قلت فى الفقرة الأولى من هذه السطور أن حسن فتحى أسس مدرسته المعمارية الإنسانية «عمليا ونظريا»، إذ لم يغرق فى التنظير الفلسفى لهذه المدرسة من دون أن يضعها موضع الاختبار العملى على أرض الواقع، وإنما بدأ أصلا ببناء مدرسته وتأسيس مذهبه على الأرض فعلا وترك لنا إرثا ثمينا يتمثل فى قرية «الجرنة» بالأقصر التى بدأ بناءها فى العام 1945 وانتهى من تشييدها عام 1948.
لكن «الجرنة» حاليا تكاد تنطق بشهادتين واضحتين، أولاهما أن نظرية حسن فتحى فى البناء والعمارة ممكنة ورخيصة وعملية وجميلة معا، أما الشهادة الثانية فهى أن العداء لهذا الإبداع المتفوق وصل لدرجة الجريمة الكاملة على نحو ما يفضحه الإهمال الجسيم للقرية وتركها نهبا للخراب الشامل لبيوتها والعديد من مبانيها ومرافقها العامة.. ولولا تدخل بعض العلماء الوطنيين من ذوى الهمم العارفين بفضل حسن فتحى وقيمة تراثه المادى العظيم (على رأس هؤلاء العلامة الكبير دكتور فكرى حسن)، لكانت كل بيوت ومبانى قرية الجرنة الآن مجرد أثر مدفون بالكامل تحت ركام القبح والخراب.
يبقى أخيرا الجانب النظرى الذى يشرح فيه الدكتور حسن فتحى فلسفته ويوضح الهدف السامى من إبداعها ويحكى أيضا مراحل ووسائل تنفيذ مشروع قرية «الجرنة» القائم على هذه الفلسفة، هذا الجانب حققه مهندسنا المرموق فى كتاب بديع نشرته وزارة الثقافة (فى طبعة محدودة) عام 1969 وكان عنوانه الأصلى «الجرنة: قصة قريتين»، لكن عندما نشر بعد ذلك ووزع على نطاق واسع فى مصر والعالم كله، كان عنوانه «عمارة الفقراء».
ما أحوجنا الآن لعمارة حسن فتحى الغنية، فهى على رخص كلفتها المالية، ثرية بإبداع يضج ببساطة أنيقة وجمال أخاذ.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة