عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

السيادة الوطنية الرقمية وحروب الكبار

الأخبار

السبت، 24 أبريل 2021 - 07:02 م

عادت وسائل إعلام أوروبية لإحراج حكومات دولها بالحديث من جديد عما سمته منذ مدة بـ «السيادة الرقمية» ، بعدما بدا واضحا أن دول القارة العجوز تواجه تحديات كبيرة فى هذا الصدد، حيث تؤكد التطورات المتلاحقة أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين قطعتا أشواطًا بعيدة فى امتلاك القرار فيما يتعلق بالاتصالات الحديثة خصوصا الإنترنت، فى حين تتعمق التبعية الأوروبية لهاتين القوتين العظيمتين، وصارت دول أوروبا تتفرج على تنافس محموم بين غريمين جديدين.
وسائل الإعلام الغربية استعرضت قبل أيام من اليوم أرقاما ومعطيات مذهلة، تكشف عن غياب شبه كامل لأوروبا عن معركة السيادة الرقمية التى تزيدها التطورات التهابا، من ذلك أن بعض الشركات الرائدة فى عالم الإنترنت،خصوصا الأمريكية، رصدت استثمارات عملاقة لإطلاق 42 ألف قمر صناعى جديد خلال السنين القليلة المقبلة. وترى الأوساط الإعلامية الأوروبية أن الحديث عن الاستثمارات فى مجال الأقمار الصناعية انتقل من مستوى الاستثمار فى القمر الصناعى الواحد إلى مستوى الاستثمار فيما أصبح يعرف بـ «كوكبة الأقمارالصناعية» ، بما يعنى إطلاق عدد كبير من هذه الأقمار دفعة واحدة وفى توقيت واحد يشكل مجموعة متناسقة لتقديم خدمات معينة. وقد برزت فى هذا الشأن أسماء شركات أمريكية وصينية عملاقة، وقفزت إلى واجهة الاهتمام أسماء شخصيات رائدة.
من حيث التفاصيل، فإننا نجد أن قاعدة «كاب كانافيرال» الرائدة فى إطلاق الأقمار الصناعية، والتى توجد بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية عرفت خلال الأشهر القليلة الماضية إطلاق 60 قمرا صناعيا جديدا يدخل الخدمة لأول مرة، لتضاف إلى 1300 قمر صناعى تم إطلاقها خلال فترة جد وجيزة لا تتجاوز السنتين الماضيتين، من طرف المستثمر الأمريكى الذى يعتبر ظاهرة الاستثمار فى هذا المجال، ويتعلق الأمر بالمواطن الإمريكى من أصول جنوب إفريقيا ELONMUSK، وهوالرئيس المدير العام لشركة «TELSA» وهو أيضا مؤسس شركة «SPACEX» وهما شركتان أمريكيتان تربعتا على عرش الاستثمار فى المجال الفضائي.
وتشير المعطيات إلى أن هذا الرجل يتحكم فى 40 بالمائة من الأقمار الصناعية المحيطة بالكرة الأرضية الخاصة بالاتصالات. ومهم أن نلاحظ أن المصلحة تسبق النزعة نحو التصادم فى التسابق بين الشركات المتنافسة فى هذا المجال، وهذا ما يتجلى فى الزواج الذى تم بين شركة «ELONMUSK» وشركة «STERLINK» بهدف تحقيق رقم 42 ألف قمر صناعى فى المدى المنظور إضافة إلى فاعلين آخرين، وقيل إن الهدف الرئيسى منها يكمن أساسا فى تقوية صبيب الإنترنت ووصول الإنترنت إلى جميع المناطق المعزولة فى العالم وتغطية جميع وسائل النقل البرية والجوية والبحرية بشبكة الإنترنت، وتكشف المعطيات فى هذا الشأن أن التواصل عبر الأقمار الصناعية لا يمثل حاليا إلا 1 بالمائة من السوق العالمية الخاصة بنقل المعطيات، أى بقيمة مالية لا تتجاوز أقل من 8 مليارات دولار من أصل 800 مليار دولار سنويا، وهذا ما يعرى عن بعض الأسباب الحقيقية وراء التهافت من أجل الاستثمار فى الفضاء، إنها سوق مالية واعدة، ومدرة للأموال الطائلة، ولقد انطلقت العملية فعلا، حيث يتم إطلاق 120 قمرا صناعيا كل شهر، بيد أن شركات أخرى من قبيل شركة «ONEWEB» الهندية الإنجليزية ستتكلف بإطلاق ما بين 34 و36 قمرا صناعيا شهريا، وهنا نلاحظ أنه حتى حينما تعلق الأمر بدولة أوربية اقتحمت هذا العالم، كانت من خارج منظومة الاتحاد الأوروبى. كما أن عملاقا آخر من عمالقة الاستثمار فى الفضاء «AMAZON» الأمريكى أيضا سيطلق كوكبة جديدة من هذه الأقمار إضافة إلى شركة «TELSAT» الكندية.
و يجرى الحديث عن رصد مبالغ مالية خرافية لتمويل هذا الإصرار على الهيمنة على السيادة الرقمية، حيث يتحدث المتخصصون عن تخصيص ما بين 2 مليار و10 مليارات دولار أمريكى لصناعة قمر صناعى واحد وإطلاقه، ولنا أن نضرب الأخماس فى الأسداس لمعرفة المبلغ الإجمالى الذى سيخصص لتمويل صناعة وإطلاق 42 ألف قمر صناعى حول كوكب الكرة الأرضية.
وانتبهت دول القارة العجوز إلى تخلفها فى هذا المجال، واعتراها قلق كبير من افتقادها لسيادتها الرقمية، خصوصا أن مستقبل البشرية أضحى رهين الفضاء الرقمى على المستويات كافة. وتجلى هذا الانتباه المتأخر فيما أعلنه المفوض الأوروبى المكلف بالفضاء فى نهاية الشهر الأخير من السنة الماضية عن وجود مشروع أوروبى ضخم خاص بالأقمار الصناعية لخدمة الاتصالات، قال إنها تهدف لتحقيق الاستقلالية الرقمية، كما تم قبل ذلك الكشف عن وجود اتفاق بين دول أوروبية وشركة «TELESAT» الكندية لصناعة وإطلاق 298 قمرا صناعيا جديدا.
طبعا، يصعب الحديث عن الاستثمارات الصينية فى الفضاء بصفة عامة، وبالخصوص فى عالم الاتصالات، لأن بلاد ماوتسيتونغ تحيط برامجها فى هذا الصدد بكثير من السرية والتكتم، وتعتمد منهجية المباغتة، وكل ما يتفق عليه الخبراء والمتخصصون هوالتأكيد على أن الصين أصبحت قوة عظمى فى عالم الاتصالات، تنافس الولايات المتحدة الأمريكية فى سباق محموم.
كل هذه المعطيات وأخرى كثيرة تؤشر على تخلف أوروبى كبير فيما يمكن أن نسميه بالحروب المستعمرة فى الفضاء، وأنها لحد اليوم ترفع الراية البيضاء مستسلمة للقوى العظمى فى هذا المجال، وهو مؤشر من المؤشرات الكثيرة التى حفلت بها السنين القليلة الماضية على أن الهوة بين القوى المهيمنة فى العالم، خصوصا الصين والولايات المتحدة من جهة، ودول القارة الأوروبية من جهة ثانية، تزداد عمقا واتساعا، فدول أوروبا تسرع الخطى إلى الوراء فى مواجهة قوى تقليدية وجديدة تسرع الخطى نحو الأمام.
< نقيب الصحفيين المغاربة
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة