د. محمد إبراهيم العشماوى أستاذ الحديث الشريف وعلومه فى جامعة الأزهر
د. محمد إبراهيم العشماوى أستاذ الحديث الشريف وعلومه فى جامعة الأزهر


خواطر عشماوية

الأستاذية الحقة

الأخبار

الأربعاء، 28 أبريل 2021 - 08:00 م

> إنَّ الأُسْتَاذَ الَّذى لا يَرى نَفْسَهُ سوى أنَّه مُلَقِّنٌ للعلومِ؛ ليس له مِن مَعانى الأُسْتَاذِيَّةِ سوى هذا التَّلْقِينِ، فلَيْسَتِ الأُسْتَاذِيَّةُّ هى تلك الدَّرجةَ الرَّفيعةَ الَّتى تمنحُها اللِّجانُ العِلْميَّةُ لحامِليها، فيُزيِّنونَ بها سِيَرَهُمُ الذَّاتِيَّةَ، وتأتيهِم الأرزاقُ من كلِّ جانبٍ، فهذا المعنى حادثٌ فى الإسلام، بل الأستاذيَّةُ الحقَّةُ معنىً جامعٌ، يختلطُ فيه العلمُ بالأدبِ، والمعرفةُ بالسُّلوكِ، والتَّلْقينُ بالقُدْوةِ، وشفقةُ المعلِّمِ برحمةِ الوالدِ، وهكذا كانت أُسْتَاذِيَّةُ السَّلَفِ..يقولُ ابنُ وهْبٍ: ما تعلَّمْتُ من أدَبِ مالكٍ؛ أفضلُ ممَّا تعلَّمْتُ من علْمِه.
وقال ابنُ القاسمِ: صحبتُ مالكاً عشرين سنةً، فكان منها سنَتانِ فى العلم، وثمانيةَ عشرةَ سَنةً فى تعليم الأدبِ، فيا لَيْتَنِى جعلتُ المُدَّةَ كلَّها أدَباً..وقال الشَّافِعيُّ : قال لى مالكٌ: يا محمَّدُ، اجعلْ عِلْمَكَ مِلْحَاً، وأدَبكَ دَقِيقاً..وقال إبراهيمُ النَّخْعِيُّ: كُنَّا نأتى مَسْرُوقًا، فنتعلَّمُ من هَدْيِه ودَلِّهِ.
ولن يتأتَّى ذلك إلا إذا تربَّى الأُسْتَاذُ من الصِّغَرِ على أيْدِى أساتذةٍ حقيقيِّينَ، بالمعنى الجامعِ الذى ذكرناه، يغْرِسُون فيه معنى الأُسْتَاذِيَّةِ الحقَّةِ، ويُعِدُّونَهُ لتلك المُهِمَّة الثَّقِيلةِ، مُهِمَّةِ تنشئةِ الأجيالِ، وتربيتِها على هَدْيِ الإسلامِ، لا على هَدْيِ السُّلَّمِ الوظيفيِّ، والقراراتِ الإداريَّةِ.. فأمَّا هذه النَّشْأةُ الرَّتِيبةُ التى أَلْهَتْ أصحابَها الوظائفُ، والدَّرجاتُ، فلن تكونَ ثمرتُها إلا جماعةً من الموظَّفين، مُهِمَّتُهُم التَّلْقينُ، وحَشْوُ الرُّؤوسِ بكلِّ غريبٍ وطريفٍ، والنَّتِيجةِ، وبَيْنما هُمْ كذلك إذ قامَتْ فى الغَرْبِ نهضةٌ عملاقةٌ، قامَتْ على الأُسْتَاذِيَّةِ الحقَّةِ التى أغْفَلْنَاها، ولكنْ فى ثيابٍ غربيَّةٍ، ومُنِحَ أطفالٌ دون سنِّ الخامسةَ عشرةَ درجةَ الدكتوراه، نظراً لتفوُّقِهم العِلْمِيِّ، وصار الطُّلَّابُ أساتذةً وهُمْ بَعْدُ صِغَارٌ، وأصبحَ لكلِّ أُسْتَاذٍ مدرسةٌ عِلْمِيَّةٌ خاصَّةٌ به، يَنْحَازُ إليها طُلَّابُه، وعلى أكتافِ هذه النَّهْضةِ العلميَّةِ، التى تفهَّمتْ مَعَانِيَ الأُسْتَاذِيَّةِ عند سَلَفِنا الصَّالحِ؛ قامت الحضارةُ الغرْبيَّةُ، وسادت العالَمَ.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة