الغميضة
الغميضة


الغميضة

جماليات التجريب وألعاب السرد

أخبار الأدب

الثلاثاء، 08 يونيو 2021 - 12:01 م

 كتب :د‭. ‬محمد‭ ‬سليم‭ ‬شوشة

فى‭ ‬رواية‭ ‬االغميضة‭ ‬للروائى‭ ‬المصرى‭ ‬وليد‭ ‬علاء‭ ‬الدين‭ ‬الصادرة‭ ‬حديثا‭ ‬2020‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الشروق‭ ‬نلمح‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬التى‭ ‬تؤكد‭ ‬خصوصية‭ ‬الصوت‭ ‬السردى‭ ‬لديه‭ ‬وتميزه،‭ ‬كما‭ ‬تبرز‭ ‬قدر‭ ‬جموحه‭ ‬الفنى‭ ‬وطموحه‭ ‬لأن‭ ‬ينتج‭ ‬إبداعا‭ ‬مغايرا‭ ‬وأنه‭ ‬محكوم‭ ‬فى‭ ‬بنية‭ ‬الشكل‭ ‬الروائى‭ ‬بالقيمة‭ ‬الدلالية‭ ‬والجماليات‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬للنوع‭ ‬الأدبى‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬وقد‭ ‬حاصرته‭ ‬التقاليد‭ ‬الفنية‭ ‬وحجّمته،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬زحزحتها‭ ‬وإعادة‭ ‬ترسيمها‭ ‬وفق‭ ‬مخيلته‭ ‬وقدراته‭ ‬السردية‭ ‬المتجاوزة‭.‬

رواية‭ ‬االغميضة‭ ‬هى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الروايات‭ ‬التى‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الرمز‭ ‬والتكثيف‭ ‬وتبقى‭ ‬حافلة‭ ‬بالقيم‭ ‬الدلالية‭ ‬المهمة،‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬تصطنع‭ ‬لنفسها‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬التشويق‭ ‬والإفادة‭ ‬من‭ ‬تداخل‭ ‬الفنون‭ ‬الأدبية‭ ‬الأخرى‭. ‬الرواية‭ ‬التى‭ ‬تتقاطع‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬فن‭ ‬المسرح‭ ‬بل‭ ‬تتجاوز‭ ‬التقاطع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تسترفده‭ ‬تماما‭ ‬فى‭ ‬سيطرة‭ ‬تامة‭ ‬عليه،‭ ‬لتكتسب‭ ‬منه‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬الدرامى‭ ‬واستغلال‭ ‬الحشود‭ ‬والكثافة‭ ‬وثبات‭ ‬المكان‭ ‬ووحدة‭ ‬الحدث،‭ ‬لتكون‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬التجارب‭ ‬السردية‭ ‬الشجاعة،‭ ‬وتمثل‭ ‬مغامرة‭ ‬فنية‭ ‬محسوبة‭ ‬وملعوبة‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬الرشاقة‭ ‬والمقدرة‭ ‬اللغوية‭ ‬والتخييلية‭ ‬الممتازة‭.‬تلتكون‭ ‬الرواية‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬قد‭ ‬عرفت‭ ‬بدقة‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬تحتاجه‭ ‬من‭ ‬الشكل‭ ‬المسرحى‭ ‬وبخاصة‭ ‬الطابع‭ ‬الدرامى‭ ‬الجدلى‭ ‬والذهنى‭ ‬المناسبة‭ ‬للأفكار‭ ‬والقيم‭ ‬الدلالية‭ ‬التى‭ ‬اتجهت‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬مقاربتها‭. ‬وأبرزها‭ ‬فكرة‭ ‬تلون‭ ‬الخلق‭ ‬واصطباغهم‭ ‬بأفكار‭ ‬يتكسبون‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬وطأة‭ ‬المرض‭ ‬النفسى‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬عند‭ ‬المتطرفين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬وفق‭ ‬طرح‭ ‬الرواية‭ ‬حالة‭ ‬مرضية‭ ‬تأخذ‭ ‬شكلا‭ ‬جماعيا‭ ‬أو‭ ‬مظلة‭ ‬جماعية‭. ‬والقضية‭ ‬الأهم‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬وهى‭ ‬الخاصة‭ ‬بالرجعية‭ ‬الدينية‭ ‬وما‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفرضه‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬تصوراتها‭ ‬الأخلاقية‭ ‬المزيفة‭. ‬وفيما‭ ‬يخص‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬فإن‭ ‬رواية‭ ‬الغميضة‭ ‬هى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الروايات‭ ‬جرأة‭ ‬فى‭ ‬مقاربة‭ ‬الرجعية،‭ ‬وفق‭ ‬طرح‭ ‬فنى‭ ‬خاص،‭ ‬وفى‭ ‬إطار‭ ‬لغة‭ ‬جامحة‭ ‬وصريحة‭ ‬تعلى‭ ‬من‭ ‬أهميتها‭.‬

٪‭ ‬٪‭ ‬٪‭ ‬

تركز‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬شخصيتين‭ ‬هما‭ ‬محور‭ ‬العمل،‭ ‬وهما‭ ‬الولد‭ ‬والبنت‭ ‬اللذان‭ ‬تربيا‭ ‬مع‭ ‬بعضهما‭ ‬فى‭ ‬حارة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يفترض‭ ‬بهما‭ ‬وفق‭ ‬لعبة‭ ‬المسرح‭ ‬الجديد‭ ‬التى‭ ‬ينغمس‭ ‬فيها‭ ‬الخطاب‭ ‬الروائى‭. ‬الطفل‭ ‬وحبيبته‭ ‬ابنة‭ ‬الجيران،‭ ‬أو‭ ‬البنت‭ ‬وحبيبها،‭ ‬يلعبان‭ ‬معا‭ ‬من‭ ‬الطفولة‭ ‬ويكتشفان‭ ‬بالتدريج‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬كلها‭ ‬مغامرة‭ ‬ولعبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬ألعاب‭ ‬التخفى‭ ‬والحيل‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تنتهى‭. ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يخلصان‭ ‬إليه‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬قرار‭ ‬أو‭ ‬فكرة‭ ‬بسيطة‭ ‬يعرفانها‭ ‬أو‭ ‬يكتشفانها‭ ‬عن‭ ‬الحياة؛‭ ‬لأن‭ ‬اكتشافاتهما‭ ‬تبدو‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭ ‬فهى‭ ‬لم‭ ‬تنقطع‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬اللعب‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية،‭ ‬وأن‭ ‬ألعاب‭ ‬الخديعة‭ ‬والتنكر‭ ‬والتخفى‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالمشاعر‭ ‬وخداع‭ ‬الجماهير‭ ‬لا‭ ‬تنتهى،‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬متواليات‭ ‬نهائية‭ ‬تجعل‭ ‬أفق‭ ‬العمل‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬المطلق‭ ‬وتجعله‭ ‬أكثر‭ ‬تشويقا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬شعريته‭ ‬لأنه‭ ‬يتطابق‭ ‬مع‭ ‬جوهر‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬انفتاحها‭ ‬على‭ ‬الغرابة‭ ‬والعجائبية‭ ‬باستمرار‭.‬

ما‭ ‬الذى‭ ‬أفادته‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬الشكل‭ ‬المسرحى‭ ‬واتكائها‭ ‬عليه؟‭ ‬الحقيقة‭ ‬هناك‭ ‬نواتج‭ ‬جمالية‭ ‬عديدة‭ ‬لهذا‭ ‬التكنيك‭ ‬السردى،‭ ‬أولها‭ ‬وحدة‭ ‬العمل‭ ‬وتماسكه،‭ ‬وتجاوزه‭ ‬لنمطية‭ ‬الحكايات‭ ‬ورتابتها،‭ ‬وثانيها‭ ‬السماح‭ ‬بالتمدد‭ ‬الشعرى‭ ‬للغة‭ ‬النص،‭ ‬وإعطاء‭ ‬مجال‭ ‬أرحب‭ ‬لتقاطع‭ ‬الأصوات‭ ‬وتعددها‭ ‬وجعل‭ ‬البوليفونية‭ ‬هى‭ ‬السمة‭ ‬الأبرز‭ ‬للرواية‭ ‬وليس‭ ‬الموضوع،‭ ‬نعم‭ ‬الرواية‭ ‬بذاتها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تجسيد‭ ‬التنوع‭ ‬وتعدد‭ ‬الأصوات،‭ ‬لكن‭ ‬المسرح‭ ‬يبقى‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬للشكل‭ ‬الحوارى‭ ‬والجدلى،‭ ‬لأنه‭ ‬فن‭ ‬الكلام‭ ‬والعرض‭ ‬والحوار‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية‭. ‬سمح‭ ‬الشكل‭ ‬المسرحى‭ ‬كذلك‭ ‬بمساحة‭ ‬لمنطق‭ ‬الفرجة‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬وحشد‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬فى‭ ‬فضاء‭ ‬مكانى‭ ‬محدود،‭ ‬فجعل‭ ‬الرواية‭ ‬متجاوزة‭ ‬للحدود‭ ‬المكانية‭ ‬المعتادة‭ ‬مثل‭ ‬الحارة‭ ‬أو‭ ‬المقهى‭ ‬أو‭ ‬المنزل،‭ ‬بل‭ ‬تتلون‭ ‬الأماكن‭ ‬بألوان‭ ‬عديدة‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬مرونة‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬وقابليتها‭ ‬للتشكل‭ ‬بتشكلات‭ ‬عديدة‭. ‬

منح‭ ‬الشكل‭ ‬المسرحى‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬مرونة‭ ‬فى‭ ‬كافة‭ ‬العناصر‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬التخييل‭ ‬الذى‭ ‬أفاد‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬اللعب‭ ‬المسرحى‭ ‬وتواطؤ‭ ‬المتلقى‭ ‬وتبدلت‭ ‬الشخصيات‭ ‬وكانت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬حدود‭ ‬العمر‭ ‬أو‭ ‬الصفات،‭ ‬فكانت‭ ‬الشخصيات‭ ‬الروائية‭ ‬ذاتها‭ ‬تتبادل‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬المواقع‭ ‬والمواقف‭ ‬وتعيش‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬فى‭ ‬بعضها‭ ‬إذا‭ ‬اقتضت‭ ‬الرواية‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬هناك‭ ‬النمط‭ ‬التعبيرى‭ ‬أيضا‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬المسرح،‭ ‬فالرواية‭ ‬فى‭ ‬شكلها‭ ‬الكلاسيكى‭ ‬تقارب‭ ‬الحقيقى‭ ‬والواقعى‭ ‬أما‭ ‬جعل‭ ‬المسرح‭ ‬قالبا‭ ‬داخليا‭ ‬لها‭ ‬فقد‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬الحرفية‭ ‬الدلالية‭ ‬إلى‭ ‬أطر‭ ‬تعبيرية‭ ‬أرحب‭. ‬فلا‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬قصة‭ ‬واقعية‭ ‬أو‭ ‬حقيقية‭ ‬عن‭ ‬حب‭ ‬ينجح‭ ‬أو‭ ‬يفشل‭ ‬أو‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬قصة‭ ‬تنويرية‭ ‬أو‭ ‬مناظرة‭ ‬فعلية‭ ‬عن‭ ‬النقاب‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نكون‭ ‬أمام‭ ‬لوحة‭ ‬فنية‭ ‬مشحونة‭ ‬ومنمنة‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬تعبيرية‭ ‬تقارب‭ ‬إطار‭ ‬وضعا‭ ‬عاما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬تناقش‭ ‬قضية‭ ‬بعينها‭.‬

فى‭ ‬الرواية‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬الكوميديا‭ ‬أو‭ ‬السخرية‭ ‬وحالات‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬والشد‭ ‬والجذب‭ ‬الذى‭ ‬يجعلها‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التشويق‭ ‬والمتعة،‭ ‬كما‭ ‬فيها‭ ‬تنوع‭ ‬فى‭ ‬لغة‭ ‬السرد‭ ‬بين‭ ‬العامية‭ ‬واللغة‭ ‬التداولية‭ ‬وبين‭ ‬اللغة‭ ‬الفصحى‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬تبلغ‭ ‬حدا‭ ‬من‭ ‬الشعرية‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬المواضع،‭ ‬وتتناغم‭ ‬هذه‭ ‬المستويات‭ ‬المختلفة‭ ‬للغة‭ ‬السرد‭ ‬بما‭ ‬يصنع‭ ‬تنوعا‭ ‬كبيرا‭ ‬وكسرا‭ ‬للرتابة،‭ ‬وتصنع‭ ‬إيقاعا‭ ‬خاصا‭ ‬من‭ ‬تفاعل‭ ‬العامية‭ ‬برشاقتها‭ ‬وسرعتها‭ ‬مع‭ ‬الفصحى‭ ‬بطابعها‭ ‬التعبيرى‭ ‬والتأملى‭ ‬والإطارى‭ ‬أو‭ ‬الخارجى‭. ‬وفى‭ ‬الرواية‭ ‬كذلك‭ ‬فوائد‭ ‬معرفية‭ ‬مهمة‭ ‬تفيدها‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬التاريخى‭ ‬الذى‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬الملابس‭ ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬المملوكى‭ ‬وتعاضد‭ ‬السلطتين‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭ ‬مع‭ ‬بعضهما‭ ‬لتحديد‭ ‬الملابس‭ ‬أو‭ ‬تغييرها‭ ‬وتجميدها‭ ‬أو‭ ‬منع‭ ‬تطويرها‭ ‬أحيانا‭ ‬بدوافع‭ ‬اقتصادية‭ ‬تأخذ‭ ‬تغليفا‭ ‬دينيا‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الرواية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬الماضى‭ ‬والحاضر‭ ‬يتخاطبان‭ ‬أو‭ ‬يسقط‭ ‬أحدهما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬أحدهما‭ ‬مرآة‭ ‬للآخر‭. ‬كما‭ ‬تنفتح‭ ‬تاريخيا‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬والسرد‭ ‬الشفاهى‭ ‬القديم‭ ‬وتفيد‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬أخرى‭ ‬وهكذا‭ ‬تطرح‭ ‬نموذجا‭ ‬روائيا‭ ‬مختلفا‭ ‬يرى‭ ‬الرواية‭ ‬فنا‭ ‬أكثر‭ ‬رحابة‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬أو‭ ‬الشكل‭ ‬التقليدى‭ ‬المألوف،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬لعبة‭ ‬السرد‭ ‬بذاتها‭ ‬مشوقة‭ ‬وتمثل‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭ ‬وألعابها‭ ‬ويكمل‭ ‬المتلقى‭ ‬أحيانا‭ ‬فى‭ ‬القراءة‭ ‬ويستمر‭ ‬ليستطلع‭ ‬حدود‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬السردية‭ ‬بالضبط‭ ‬مثلما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مشدودا‭ ‬للأحداث‭ ‬أو‭ ‬للصراع‭ ‬الدائر‭ ‬بين‭ ‬أطرافها‭ ‬أو‭ ‬يستكشف‭ ‬تحولات‭ ‬الحياة‭.‬

٪‭ ‬٪‭ ‬٪‭ ‬

وفى‭ ‬الرواية‭ ‬أيضا‭ ‬توظيف‭ ‬مبهر‭ ‬لتقنية‭ ‬الأحلام،‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬الحلم‭ ‬أحيانا‭ ‬اختياريا‭ ‬وله‭ ‬تشكل‭ ‬خاص‭ ‬وفق‭ ‬أهداف‭ ‬فن‭ ‬المسرح‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬إطارا‭ ‬داخليا،‭ ‬فيكون‭ ‬الحلم‭ ‬شكلا‭ ‬مصطنعا‭ ‬وليس‭ ‬الحالة‭ ‬الحقيقية‭ ‬من‭ ‬الرؤية‭ ‬فى‭ ‬النوم‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬حالات‭ ‬فنية‭ ‬أخرى‭ ‬بدون‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭. ‬وبعض‭ ‬الأحلام‭ ‬تستمد‭ ‬الروح‭ ‬ذاتها‭ ‬التى‭ ‬فى‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬أو‭ ‬الصورة‭ ‬التراثية‭ ‬التى‭ ‬تصنع‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬التصادى‭ ‬أو‭ ‬التجاوب‭ ‬الشعرى‭ ‬مع‭ ‬الوحدة‭ ‬التراثية‭ ‬السابقة‭ ‬فيكون‭ ‬هناك‭ ‬تناغم‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬النسيج‭ ‬السردى‭ ‬للرواية،‭ ‬وهكذا‭ ‬تكون‭ ‬الرواية‭ ‬قد‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬سحرية‭ ‬ألعاب‭ ‬الأطفال‭ ‬وعوالمهم‭ ‬الغرائبية‭ ‬مع‭ ‬سحرية‭ ‬وغرابة‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬المكونات‭ ‬التراثية‭ ‬والشفاهية‭ ‬فى‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬أو‭ ‬العصر‭ ‬المملوكى‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سحرية‭ ‬الأحلام‭ ‬وغرابتها،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الحاضر‭ ‬بإشكالياته‭ ‬وعصريته‭ ‬مع‭ ‬القديم‭ ‬بإشكالياته‭ ‬وقضاياه‭ ‬وأسئلته،‭ ‬فيتوافر‭ ‬فى‭ ‬نسيجها‭ ‬ويجتمع‭ ‬توظيف‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وحروب‭ ‬الشات‭ ‬أو‭ ‬الدردشة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬فى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬مع‭ ‬عصر‭ ‬الأسواق‭ ‬القديمة‭ ‬والجوارى‭ ‬وبيع‭ ‬النساء‭ ‬والاعتداء‭ ‬عليهن‭ ‬أو‭ ‬انتهاك‭ ‬حرياتهن‭ ‬بوسائل‭ ‬شتى‭ ‬أغلبها‭ ‬يرتبط‭ ‬بالرجعية‭ ‬الدينية‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجوهر‭ ‬أو‭ ‬المظهر‭. ‬والرواية‭ ‬فيها‭ ‬بقدر‭ ‬وضوحها‭ ‬مساحات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الرمزية‭ ‬والتلميح‭ ‬والانتفاح‭ ‬الدلالى،‭ ‬وبخاصة‭ ‬فى‭ ‬تعبيرية‭ ‬الشخوص‭ ‬وتشكيلاتهم‭ ‬وحركتهم‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬حدود‭ ‬العالم‭ ‬وفضاؤه،‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬الشخصيات‭ ‬نلمس‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬الرجعية‭ ‬الدينية‭ ‬تلبست‭ ‬بحال‭ ‬من‭ ‬الجماعية‭ ‬أو‭ ‬التعضيد‭ ‬والهتاف‭ ‬الجمعى،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬مثل‭ ‬التنوير‭ ‬طاقة‭ ‬فردية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬السيد‭ (‬س‭) ‬فى‭ ‬تحركاته‭ ‬وردوده‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬للشحن‭ ‬والتحفيز‭ ‬والهتاف‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬الشيخ‭ ‬وائل‭ ‬المتطرف‭ ‬الذى‭ ‬يبدو‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬حالة‭ ‬مركبة‭ ‬وفريدة‭ ‬فى‭ ‬تكوينه‭ ‬المتجذر‭ ‬بالتناقضات‭ ‬والتذبذب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أسلمه‭ ‬للتطرف‭ ‬والجهل‭.‬

وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬محدودية‭ ‬فضائها‭ ‬السردى‭ ‬الذى‭ ‬يتجاوز‭ ‬مائة‭ ‬صفحة‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬الصغير‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬شكلت‭ ‬حالة‭ ‬خاصة‭ ‬سردية‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬متميز‭ ‬من‭ ‬الثراء‭ ‬الجمالى‭ ‬والدلالى‭ ‬ومثلت‭ ‬حراكا‭ ‬فكريا‭ ‬واسعا‭ ‬وتصحب‭ ‬قارئها‭ ‬فى‭ ‬رحلة‭ ‬ممتعة‭ ‬ومحفزة،‭ ‬وتبدو‭ ‬قابلة‭ ‬للنظر‭ ‬والبحث‭ ‬والتأمل‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬من‭ ‬جوانبها‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة