صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


كنوز |«الأخبار» تحيى الذكرى ال 60 لرحيل الخطيب الوطنى المفوه مكرم عبيد

عاطف النمر

الأربعاء، 09 يونيو 2021 - 08:57 م

رسخ فى اعتقاد الجميع أن قداسة البابا شنودة هو صاحب مقولة " مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطنا يعيش فينا " ، البابا شنودة استعار هذه المقولة من السياسى الوطنى والخطيب المفوه " مكرم عبيد باشا " الذى نحتفى اليوم بإحياء ذكرى رحيله ال 60، ومكرم عبيد هو من قال فى نعيه للزعيم سعد زغلول " لم يتخذ أى منا من ذكراه عبرة فيجاهد فى سبيل وطنه كان هو الحى الميت وحق لى أن أقول : أيها الميت الحى، أنت سعد ! "، وهو القبطى الذى ترجم إيمانه بمفهوم الوحدة الوطنية بقوله " نحن مسلمون وطناً ونصارى ديناً، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارا.. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين "، وهو من قال أيضا " إننى كما أقرأ الإنجيل أقرأ القرآن وأستشهد بآياته بل وأتعظ بعظاته لأننى أؤمن بالواحد الديان سبحانه فى كمال علمه وصفاته ".
وُلد مكرم عبيد فى إحدى قرى مدينة قوص بمحافظة قنا، درس بالمدرسه الأمريكيه فى اسيوط، درس القانون فى أوكسفورد وتخرج، عاد لمصر 1912وعمل سكرتيرا لجريدة الوقائع المصريه، وعين سكرتيرا للمستشار الإنجليزى طوال فترة الحرب العالمية الأولى، لكنه اصطدم بالمستشار عندما عارضه فى رسالة شرح فيها مطالب الأمة وحقوقها إزاء الإنجليز فتم الاستغناء عنه، عُين بعدها أستاذًا بمدرسة الحقوق، واشتغل بالمحاماة، وكرس نفسه للدفاع عن المقبوض عليهم فى تهم سياسية، ومرافعاته محفوظة فى تاريخ المحاماة، اُختير نقيباً للمحامين ثلاث مرات، انضم لحزب الوفد عام 1919 وعمل فى مجال الترجمة والدعاية فى الخارج ضد الاحتلال الإنجليزى حتى إن الجريدة الناطقة بلسان حزب الوفد أطلقت عليه لقب " الخطيب المفوه "، شارك فى الثورة وأحبه سعد باشا زغلول وقربه إليه، وعندما شكل مصطفى النحاس الحكومة عام 1928 عين وزيراً للمواصلات، وأصبح سكرتيرا عاما للوفد عام 1935، وعُين وزيراً للمالية بعد معاهدة 1936، وفى عام 1943 وقع الخلاف مع رفيق مشواره الزعيم مصطفى النحاس، وانشق مكرم عبيد عن الحزب، ولم تكن يد أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى ببعيدة عن هذا الانشقاق، وقد جمع مكرم عبيد وقت أن كان وزيراً للمالية فى حكومة الوفد العائدة بعد ٤ فبراير إلى الحكم وقائع ارتأى انها فساد فاضح.
بمراجعة كتاب «حوار وراء الأسوار" للكاتب الكبير جلال الحمامصى يتبين أنه ذهب فى ليلة من ليالى أغسطس 1942 إلى رئيس الديوان أحمد حسنين واتفقا على تسجيل ما سمياه الاستثناءات والانحرافات فى عريضة ترفع إلى الملك فاروق، ويقول الحمامصى إنه سافر إلى رأس البر وعرض الفكرة على مكرم عبيد، الذى شرع فى كتابة المقدمة واقترح الحمامصى ان يتضمن " الكتاب الأسود كل ما يحتفظ به مكرم باشا من وقائع فساد، وقال إن أحمد حسنين باشا كان يتابع تأليف الكتاب ووافق على أن يتسلم العريضة لحفظها فى خزينة القصر حتى لا تقع فى أيدى حكومة الوفد، وظهرت النسخة الكاملة من " الكتاب الأسود " 29 مارس 1943، ومنعت الرقابة الصحف من تناول ما جاء فيه من اتهامات، لكن الكتاب كان يوزع سرا ووصلت نسخ منه إلى السفارة البريطانية والأمريكية، والقى القبض على جلال الحمامصى، والصحفى الشاب موسى صبرى بتهمة ترويج الكتاب وتم اعتقالهما بسجن الأجانب الذى التقيا فيه بالسجين محمد أنور السادات، وأحدث الكتاب دويا كبيرا، أدى إلى فصل مكرم عبيد من الوزارة وعزله من منصبه الرفيع بحزب الوفد، وتقدم مكرم عبيد باستجواب أمام البرلمان كما يقول الكاتب صبرى أبو المجد فى كتابه " سنوات ما قبل الثورة "، وتم استجوابه فى ثلاث جلسات أمام البرلمان فى شهر مايو 1943 بحضور رئيس الوزراء مصطفى النحاس ووزراء حكومته الذين وجه لهم مكرم الكثير من الاتهامات بالفساد فى كتابه الذى جاء فى 500 صفحة. ويقول النحاس باشا فى مذكراته ان مكرم عبيد باشا وقف يشرح استجوابه، فبدأ النواب بمقاطعته والتشويش عليه، فمنعهم رئيس المجلس،وأخذ مكرم يعيد التهم التى ذكرها فى " كتابه الأسود "، ويضيف النحاس فى مذكراته : " أننى أتيت بوزير من أصدقائى يحابى التجار الوفديين، ويحارب غيرهم، وأن شئون التموين أصبحت على أسوأ ما يكون، وأننى سافرت إلى برلين وأنا رئيس الوزارة عام 1937، واشتريت لزوجتى فروا ثمنه أكثر من ألف جنيه، وأن سفير مصر فى ألمانيا استعمل نفوذه، وتوسط لدى المحل الذى باع الفرو حتى أخذه بخمسين جنيها، وأن الهيئة الوفدية كانت قد قررت الاكتتاب وشراء المنزل الذى أقيم فيه بمصر الجديدة، وقدمته هدية لى، فبعته وأخذت ثمنه، وأنى نهبت أموال وقف البدراوى وعبدالعال.. وملأت الحكومة بأصهارى وأنصارى وأغدقت عليهم الأموال بغير حساب، والذى يقرأ الكتاب يخرج منه بأنى أسوأ رجل تولى حكم مصر" !
واختتم النحاس باشا دفاعه عن نفسه أمام البرلمان قائلا " يحكى أنه كان فى مصر شخص يسمى مكرم عبيد بلغ من الشهرة أقصاها ومن المنزلة منتهاها، قربه رئيسه وزعيمه حتى إذا بلغ القمة وظن أن لا أحد بعده، أخذه الغرور وزين له الشيطان الغرور، فسقط من حالق محطم العقل مزعزع الفكر، كان فى مصر شخص يسمى بهذا الاسم، فانمحى من الوجود السياسى ذلك الاسم.. رحمه الله " !
ويقول صبرى أبو المجد فى كتاب " سنوات ما قبل الثورة " إن مكرم عبيد باشا انسحب من الجلسة، وتبعه أعضاء المعارضة، وقد استنكر البرلمان المسلك الشائن الذى سلكه مكرم عبيد باشا فى طريقة تسويده لكتابه، وتلفيق ما فيه، وطريقة نشره بدلا من تقديم استجواب مهذب للبرلمان باعتباره الجهة المختصة، واعتبرالبرلمان ان مكرم عبيد أسوأ مثال للنائب منذ قامت فى البلاد الحياة النيابية سنة 1924، وجدد البرلمان الثقة لرئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا ومجلس وزرائه، وتم إسقاط عضوية مكرم عبيد من مجلس النواب فى 12 يوليو 1943 بأغلبية 208 صوتا مقابل 17 صوتا فقط، وأصدر رئيس الوزراء مصطفى النحاس، أمراً عسكرياً باعتقال مكرم عبيد باشا بمقتضى قانون الطوارئ ووضعه فى السجن، فهل كان مكرم عبيد على باطل وادعى بغير حق تهم الفساد التى تضمنها " الكتاب الأسود " ؟
والإجابة على السؤال السابق نجدها لدى المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه " الوفد والكتاب الأسود " الذى يؤكد فيه على الفساد والمحسوبية، وقيام السفارة المصرية بلندن بشراء معطف فراء لقرينة النحاس باشا، وقبعات للرأس، وما جاء بالكتاب الأسود من 30 اتهاما للنحاس باشا، من بينها بيع منزل كان استأجره بالإسكندرية بمبلغ ٥٠٠ جنيه، وشراؤه ٨٠ فدانا من فؤاد سراج الدين وزير داخليته باسم حرمه بثمن أقل من الثمن الحقيقى، وشراء النحاس سيارة موديل كوتسيكا بمبلغ ١٥٠٠ جنيه فى حين أنها كانت معروضة بـ٣٠٠٠ جنيه !
على كل حال.. انتقل مكرم عبيد إلى جوار ربه فى 5 يونيو 1961، وشارك أنور السادات فى تأبينه بالكنيسة المرقسية بالأزبكية نيابة عن الرئيس عبدالناصر، ولا ينسى ان مكرم عبيد هو صاحب فكرة تكوين النقابات العمالية، وصاحب أول كادر للعمال، ونظام التسليف العقارى الوطني، وأول من دعى للأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل، وقد ساهم فى دعم حرية الرأى والصحافة، وطالب بإلغاء الحبس الاحتياطى فى جرائم الرأى، وحظر إقالة الوزارة إلا إذا سحب البرلمان الثقة منها، وحظر إعلان الأحكام العرفية إلا إذا اشتبكت البلاد فى حرب فعلية داخل حدودها على أن يحاط هذا الإعلان بالضمانات الدستورية والنيابية الواجبة.
" كنوز "

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة