محمد سعد
محمد سعد


أمنية

آباؤكم رجاءً

محمد سعد

الأحد، 20 يونيو 2021 - 08:53 م

كل عام وجميع الآباء بخير وسعادة، اليوم هو عيدهم، «عيد الأب» الذى بدأ الاحتفال به فى القرون الوسطى، حتى إن البلدان الكاثوليكية حولته لمناسبة دينية، حيث يوافق عيد القديس يوسف النجار وأصبح تقليداً موروثاً.

وبعيداً أن مظاهر الاحتفال أريدكم أن تعلموا أن آباءكم هم جنة الله فى أرضه وأنهم بساط الستر الذى يحفكم ظاهراً وباطناً، وأعلموا أن أباءكم لم يضنوا عليكم لا بوقت ولا بمال صغاراً فكونوا خير سند لهم كباراً، وأعلموا أنهم كسحابة استظل بها قوم حيناً من الدهر ثم راحت إذا انقضى الأجل، ولتعلموا وآباؤكم على قيد الحياة أن هناك من هم غيركم أضنى أفئدتهم حنين الشوق إلى آبائهم وغيبت فى الثرى أجسادهم وبقى فى الحياة ذكرهم وهم فى جنبات البيوت صدى أصواتهم يرجون حتى لو سمعوا صوت قرع نعالهم عند الباب كأيام الصبا، فلا يستطيعون سبيلاً فاستزيدوا النظر إليهم فلا تدرون متى تلقونهم ثانية.

والله قد يأتى عليك يوم تتمنى لو أن نسمة هواء داعبت وجه أبيك وتأتيك منه فلا تجدها، وستأتى عليك مواقف تتمنى لو كان أبوك إلى جوارك فيها فلن تجد إلا سراب ذكريات يحسبها الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجد إلا ما قدم وسيوفى حسابه، فاستزيدوا من عذب حنانهم فإن العطش فى وحشة الطريق شديد فما أنتم وهم إلا كراحل ومرتحل فأكثروا الزاد فإن السفر طويل وخففوا الحمل فإن الحساب عسير.

قبل خمسة عشر عاماً حرمت من نعمة وجود أبى إلى جوارى حين غيبه الموت صبيحة اليوم الثالث عشر من شهر يوليو، كان يوماً حالكاً لم ولن أنساه ما حُيِّت، يومها شعرتُ أن الدنيا توقفت مع نبض جسده، مازلت أتذكر الأطباء وهم يعطون الأوامر إلى مساعديهم أن يرفعوا عن جسده الأجهزة استعداداً ليزف إلى ربه ويرحل عنا، لن تذهب عن وجدانى ابتسامته الصافية، وقد فارقت الروح جسده وكأنه مقبل على حياة جديدة.

جلست إلى جواره أيامه الأخيرة أدعو رب السماء أن يطيل عمره فهو البركة فى الدعاء والدعاء المستجاب، جلست لا أفارقه وهو فى معية الرحمن كى أتلمس أغلى ما فى الحياة، وقد انتابنى الإحساس بقرب الفراق ودنو الأجل حتى عمّ الصمت فى الأرجاء والأحداث تختصر.

لا تجعلوا اباءكم وهم أحياء، مهمومين مكلومين ومظلومين يحدثون أنفسهم وفؤادهم ممزق يُنادى أحدهم من داخله فيقول لماذا يا ولدي؟ هل ضاق صدرك بأبيك؟، لم يعد لى بداخلك مكان، لمَ يا ولدى تعجلت قدراً سيأتينى ونسجت بيدك الأكفان، يا ولدى كنت أرجو أن تكمل معى السعى حين أكبر وكنت أرجو أن اشتم شذاك فى الأوراق حين تزهر فقطفت بإيديك آخر أوراق عمرى حزناً وكمداً، أتعبك أمرى حياً يا ولدى فهل ستجد النعيم بعدى، كنت أرجو أن تكون رفيق عمرى وتكون عزى وعزوتي، وكنت ارجو أن تكون عصاي أتوكأ عليها حين تخور قواي، كنت أرعاك يا ولدى صغيراً ساهر الليل إن ارتابك أمر، وهبت لك الأيام خالصة على نفسي، بك الأرزاق ومبتغاها فلما كبرت يا ابن عمرى أذقتنى مرارة الأيام وعلقمها.

قال تعالى :«وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة