انتصارات إبراهيم باشا أصابته بالغرور
انتصارات إبراهيم باشا أصابته بالغرور


حكاوي الحضري

خناقة الجواري تقتل حفيد محمد علي

إيهاب الحضري

الأحد، 04 يوليه 2021 - 08:47 م

في‭ ‬أحد‭ ‬أركان‭ ‬القصر،‭ ‬جلست‮«‬الدادة‮»‬‭ ‬وفى‭ ‬حجرها‭ ‬حفيد‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬باشا‭.‬ كانت‭ ‬جارية‭ ‬سمراء‭ ‬تُدرك‭ ‬أن‭ ‬مهمتها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تركيز‭ ‬بالغ،‭ ‬فالطفل‭ ‬ابن‭ ‬إبراهيم‭ ‬باشا،‭ ‬الذى‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬فى‭ ‬مهام‭ ‬أساسية،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أنجز‭ ‬إحداها‭ ‬بنجاح‭ ‬مُبهر‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭. ‬لسبب‭ ‬ما،‭ ‬تفجر‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬الدادة‭ ‬وجارية‭ ‬بيضاء،‭ ‬بدأ‭ ‬غالبا‭ ‬بمناوشات‭ ‬كلامية،‭ ‬وتطور‭ ‬إلى‭ ‬اشتباك‭ ‬بالأيدي،‭ ‬وخلال‭ ‬الخناقة‭ ‬‮«‬رفصتْ‮»‬‭ ‬الجارية‭ ‬الطفل‭ ‬الصغير،‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ركلة‭ ‬بالغة‭ ‬القوة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬إصابته‭ ‬كانت‭ ‬بالغة‭.‬

وصل‭ ‬الخبر‭ ‬للأب‭ ‬إبراهيم‭ ‬باشا،‭ ‬فانتقل‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬الحادث‭ ‬واستدعى‭ ‬الأطباء،‭ ‬وقبض‭ ‬على‭ ‬الجوارى‭ ‬الحاضرات،‭ ‬وحبسهن‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬غرف‭ ‬القصر‭.‬

والده‭ ‬إبراهيم‭ ‬باشا‭ ‬يهين‭ ‬الشيوخ‭ ‬

والأعيان‭ ‬بعد‭ ‬تكريمه‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية

وحسب الجبرتي، قال الأب المنزعج على ابنه:"إن مات ولدى قتلتكن عن آخركن". وفى الليلة نفسها رحل الطفل وعمره لا يتجاوز الست سنوات، ولم يتأخر عقاب الباشا، حيث أمر بخنق الجوارى اللاتى حضرن المشادة حتى لو لم يشاركن فيها، وعددهن خمس أو ست سيدات بما فيهن الدادة.

فى الثلث الأخير من ليلة الأحد 25 ديسمبر 1819، كان الأعيان والمشايخ قد اجتمعوا فى مصر القديمة، انتظارا لجثمان الطفل الذى تُوفى فى قصر والده بالجيزة، واشتد زحامهم مع طلوع النهار، غير أن الجثمان لم يصل إلا بعد الظُهر، وانتقل الجميع إلى مدفن العائلة بالإمام الشافعي، حيث أقيم المأتم وجرى توزيع الدراهم على الفقراء والفقهاء.

كان الحادث نهاية حزينة لسلسلة من الاحتفالات شهدتها القاهرة قبل أيام، احتفاء بعودة إبراهيم باشا من خارج البلاد، فى أعقاب انتصاراته على المتمردين بالجزيرة العربية، وهو ما جعل السلطان العثمانى يكافئه هو ووالده. أطلقت القلعة مدافعها قبل وصوله، وتدافع المنادون لنشر الخبر والحصول على البقشيش، وصدرت أوامر بتزيين المدينة لسبعة أيام، فأخذ الناس يُزينون منازلهم ومحلاتهم التجارية، وعندما وصل الباشا للقاهرة، تم ترتيب موكب له، ونزل محمد على إلى الغورية ليتابع مشهد ابنه، وصعدا معا إلى القلعة، ثم اتجه إبراهيم بعد ذلك إلى قصره بالروضة.

واستمرت احتفالات العاصمة طوال الأسبوع، يتم إطلاق المدافع يوميا والسهر ليلا، وسط اللعب وسماع الغناء، لكن إبراهيم باشا رجع بعد رحلته الأخيرة وقد أصابه الغرور، ويذكر الجبرتى أن المشايخ زاروه لتهنئته بالعودة، فاستقبلهم وهو جالس ولم يقف لتحيتهم كما جرت العادة، ولم يرد على تهانيهم ولا حتى بالإشارة، بل انشغل عنهم بحديث ساخر مع أحد المُقربين له، مما أدى لانصراف الشيوخ مُنكسرى الخاطر!

جاءت الوفاة لينسى الشيوخ الإهانة، فعند الموت يتراجع أى ضيق. مشى كل منهم فى الجنازة وهو يتمنى أن ينحسر الغرور عن الباشا، فألم الفقد كفيل بأن يرد أى إنسان لصوابه، وانتظروا حتى يحين أقرب لقاء ليرصدوا التغيير، وحدث ذلك بعد ستة شهور. 

فى منتصف يوليو بدأ إبراهيم يُجهز لختان عباس ابن أخيه طوسون باشا، الذى سيصبح الوالى عباس حلمى الأول بعد سنوات. دخل الشيوخ والأشراف إلى مجلس الباشا، وهم يتمنون أن يكون قد تخلّى عن غروره، لكن المفاجأة أن طبْع إبراهيم لم يتغيّر، وكرّر ما سبق أن حدث، فلم يقم لواحد منهم ولا حتى اهتم برد  السلام عليهم. انصرفوا من جديد فى صمت، وتزايد إحساس إبراهيم بعظمته، بعد انتصارات أخرى حققها فى سنوات تالية، وعقب أعوام من رحيله، تم نحت تمثال له فى ميدان الأوبرا، عرفه المصريون باسم"أبو اصبع"، وله قصة لا تخلو من الإثارة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة